لا أعرف ما الذي حدث بي! لستُ على عادتي، ولا طاقتي. شعور عام بالجمود، وتساؤلات عن الخطوة القادمة! آخر عهدي بنفسي، كتلة من النشاط والحماسة، مشروع تحسين الصحة، تطور في مستوى لعب التنس، الذهاب للصالة الرياضية، جدول غذائي، وخطةٌ شاحبة للدخول في الرحلة الرابعة!
شيء ما حدث وأخفتَ كل ذلك النشاط، شيء ما خفي، داخل النفس، نداء غامضٌ إلى العدم، وهزيمة مؤقتة أمام الوقت! هذا الذي يمر، ويفوت، ويمضي، ويموت، ويذوي، وأذوي معه كما تفعل سنة الحياة بالبشر!
في عمر العشرين كنت أظنُّ أنني سأتمزق حسرة لو وصلت إلى ذلك العمر الذي يبدأ الجسد فيه بالضمور! وبعد عشرين عاماً، يبدأ الجسد بالضمور، والمفارقة أنني أحسن حالا بكثير مما كنت في العشرين، ذلك الشاب الذي أسرف على نفسه حتى كاد أن يخسرها!
كم هو صعبٌ أن أكون أنا أنا! حتى هذه اللحظة تنتابني الدهشة أمام تفاصيل حياتي المعقدة، والمليئة بالصدام! لم أتغير عن كوني كائنا مستعدا لتحطيم كل شيء، وأي شيء، الذي تغير فقط هو سؤال الجدوى! والمعركة المناسبة، والخصم الذي يختار العداء. لم أعد أصنع الأعداء، ولم أعد أفتعل المشاكل! أصبح للمعارك قيمة، ومعنى، ويجب أن تكون ذات جدوى لكي تصبح معركة!
عُمر حافل بالأحداث، والتجارب، والنكسات، وأعيش معمعته، ويجب أن أنجو منه! عُمر التصق بلوحة المفاتيح، هُنا أفكر، هُنا أفهمُ الذي يحدث ويدور، وهُنا أكتبُ وأنا شبه غائب، أشاهد هذه السطور تُكتب أمام عيني وأتساءل كما تساءل درويش " هذه لغتي، وهذا الصوت وخز دمي ولكن المغني آخر" إن كنت أتذكر الشطر الشعري جيدا!
هل هو جمود الشفاء من الصدمة؟ أم إرهاصات العودة لحياة اجتماعية حافلة بالنشاط؟ أم ماذا بالضبط؟ لم أعد أدري، ولا صرتُ أتتبع ذلك النداء القلق متى يكون، وكيف يكون. أتبع اليوم كما يحلو للوقت أن يلبس أقنعته المزركشة بالأفكار المحلقة فجأة، في سماء الذهن، في طبقات النفس المظلمة، في ضوء الأمل، وفي غلاف وجودي الجوِّي، كوكبٌ بشري من الكهرباء والسيالات العصبية.
مرَّت سنوات منذ أن تأملت وجودي في هذه الحياة ككتلة مادية مليئة بالعصبونات وتراب الأرض، ثمَّ روحٌ، وقلب، ووجدان، وفؤاد، وعقل، وذهن، وجسد! وشوقٌ إلى استقرار يقين عن سبب وجودي في هذه الحياة، وعن هدفي الأكبر!
نهارٌ آخر من نهارات الله، يمضي بسلام، وخطوة للعودة، وخيبة صغيرة، وعادات تصنع، ومسار يشق، وحياة صعبة لا حل معها سوى الإرادة والصمود!