بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 9 أغسطس 2024

لمحة عابرة

 ما معي مشكلة إنه شخص يكرهني، أو يشوفني ثقيل. لأنه اللي يكرهك خلاص، أي شيء تفعله بالنسبة له بغيض. واللي يكرهك مستحيل يتابع أي شيء جيد أنت فعلته، لأنه أغلب الظن لا يتابعك، يتابع ربما أي شيء خطأ، أو سيء.


أتذكر هذيك الأيام لما كنت مصر إني ملحد! كانت الكراهية حرفتي التي اخترتها، أكره نيابة عن الجميع!
أذكر أنني كنت جادا عندما ذهبت لهذا الخيار، بعض الأصدقاء يتذكرون تلك الجملة. قلتُ "أحبوا نيابة عني، وسأكره نيابة عنكم"

وفعلا! هات يا كراهية! لا أعرف كم عاماً استمر ذلك المهرجان الصاخب! والذي يثير استغرابي! أنني حقا ذهبت لهذا الخيار، الكراهية! أعرف الكراهية جيدا، ليس على صعيد تخصصي الذي أدرسه، ولكن أيضا على صعيد التجربة الذهنية، والحياتية، لذلك أعي جيدا معنى أن يكرهني إنسان، وليس بيدي فعل أي شيء تجاه ذلك. يحقُّ لنا أن نكره، مشاعرنا حقوق لا يمكن أن نجادل فيها، لكن ماذا الذي لا يحق لنا؟ أن نحول هذه الكراهية إلى تصرف يؤذيني. عندما تكره أحداً يمكنك أن تتجاهله تماما، ولا سيما إن كنت تكره شخصا لم يؤذك يوما ما، ولم يتعرض لك بالسوء! لكن أن تمارس استحقاقا غريباً وتصرُّ على أن تكون سمجاً وتذهب بكراهيتك له إلى ساحته، وإلى داره، وإلى منطقته! هُنا أنت تخالف قانون الكراهية المنصف، يمكنك أن تكون منصفا حتى وأنت في قمة كراهيتك لشخص، وهذا صعب للغاية، وأيضا أعرف ذلك بالتجربة الشخصية، في أيامي الأخيرة قبل التقاعد من عالم الكراهية والعداوة وتحويل حياتي وطاقتي العدوانية إلى الدفاع عن النفس فقط! وجدت طمأنينة حقيقية في البعد عن الكراهية، ولا أجزم أنني أنجح دائما، لكنني لا أتوقف مطلقا عن المحاولة. أتعامل بغفران تام مع الذين يكرهونني ولا يؤذونني، أصنع حاجزا واضحا، وأكتفي بالابتعاد، والذين يبتعدون أو يتعاملون معي على مضض أحمل لهم احتراما خفيا في قلبي، لكنني مطلقا لا أحاول تغيير وجهة نظرهم أو أعيد الأخطاء السابقة بظني أنهم يستحقون توضيحا! الذي لا يريد أن يعرف، لا يريد أن يعرف! ببساطة بالغة! هذا شيء، والشيء الآخر أنني لست إنسانا بذلك النقاء أو الجمال الروحي بي اضطرابات شتى ولعل أجمل خصلة بي أنني دائما أحاول أن أفعل الصواب وأحاول دائما أن أكون خيرا، أما كحقيقة، أنا محسوب على الذين بهم مس من الشر، هؤلاء الذين يحقدون حقدا حقيقيا، وهؤلاء الذين لا يغفرون بسهولة، يؤسفني أن هذه حقيقتي، ولأنني أتعامل معها بقبول تام لواقعها، أبذل ما استطعت من جهد لأجعل الكراهية التي أتعرض لها في سياق موضوع منصف، تكرهني! هذا حقك بلا شك، تسيء لي، من واجبي تجاه نفسي أن أوقفك عند حدك. لا أعرف متى توقفت عن مهرجان الكراهية! ولا أعرف متى آمنت بالحب مجددا؟ عندما كنت في معمعة الكراهية، كانت صافية، ومجردة، وحقيقية، بها من الغضب، وبها من السخط، وبها من الظلم أيضا! اختيار الكراهية ليس اختيارا حكيما، ونهايتها أن تفتك بمن ربّاها في قلبه! لا زلت أكره الذي أذاني، وأحمل الحقد الشديد في قلبي على الذي سبب لي أي ضرر لا يمكن إصلاحه، أقف بعيدا من أي فرصة تمكنه أن يؤذيني، ولكنني أيضا بي تلك الوسوسة الشيطانية أن أؤذيه، أشد درجات الأذى الممكنة! أقاوم بالمحبة كل هذه الوساوس المؤذية، وأحاول أن أحب الحياة، والخير، وأن أندمج في حياةٍ اجتماعية نظيفة مليئة بأصدقاء ناصحين يحبون الخير لي كما أحب لهم الخير، كما تقول المقولة بتصرف: أحب الأنقياء ولست منهم. لا أحسب أنني إنسان ملوث إلى درجة اللاعودة، كنت أصف نفسي بالمسخ مرارا وتكرارا، لا أظن أن الذين كنت أكرههم مسوخا، ولا أظن أنني مسخ، هم بشر، حالي حالهم، كرهنا بعضنا لأسباب وظروف، وحدث ما بيننا لأسباب وظروف، سنبقى نكره بعضنا البعض، وكل طرف سيدافع عن نفسه إن استلزم الأمر. آمنت بالكراهية سنوات من عمري، لا أعرف لماذا احتفظت بنذر يسير منها! ربما لعدم طمأنينتي تجاه الحياة! ربما لأنني أحسب حساب الأيام السوداء التي قد ينجح فيها أحد بإيقاع الضرر بي، وربما لأن الحياة ملأتني بالصدمات ولست بصدد الاطمئنان إلى سيرها بشكل جيد. إن الله خير الحافظين، أثق بالله، وأثق أنني ما دمت لا أوقع ضررا بأحد فإن الله سيحميني. أعلم ما في قلبي من خير، وما في قلبي من شر، وأعلم ما في عقلي من منطقي، وما في عقلي من جنون، لست خائفا من الحياة، ولست خائفا من الموت، ولست خائفا من أي شيء، أكمل هذه الأيام ولا أعرف متى سيسترد الله أمانته مني، كل الذي أعرفه أنني أريد أن أحاول دائما أن أكون خيرا، فإن استطعت، كان بها، وإن لم أستطع على الأقل، حاولت!
ماريو