#شيء_أعرفه_من_قبل:
أيها العالم، أيها الناس، أيها الغرباء، أيها المجتمع، أيها الصديق، أيها الغريب، أيها القريب، أيها الخصم، أيها العدو، أيها الكوكب، أيها الكون!
أعرف جيدا أن طريقي في الحياة سيكون صعبا. وأعرف أن خياراتي في عمر العشرين، وفي عمر الثلاثين ستترك أثرا مزمنا في حياتي. أعرفُ جيدا أنَّ وراء هذا التصالح الشكلي مع (معاوية الجديد) والنسخة المحسنة المحدثة الخالية من الإدمان، والخالية من الهجوم الدونكيشوتي على المؤسسة السياسية، والخالية من الاستفزاز الدائم لأي شيء، أعرف أن وراءه ما وراؤه من أحكام، وقيل وقال، وتصورات، وترسبات، وتراكمات، معظمها بلا وجه حق، وقليل منها بحق ومنطق.
أعرف أنني إن بدأت تجارةً فسوف يكون عملي صعبا، وسوف تحاصرني أيامي السابقة، وسوف يُنصح الناس بالابتعاد عني بسبب عدم استقراري السابق، وأعرف أنني سأشرح فقط للذي يريد أن يعرف واقع الحال عن السنوات الست التي عشتها مستقرا. وأعرف أنني سأخسر تلقائيا فوق ذكر اسمي عددا من الفرص التي سأتمنى لو كانت لي. أعرف أني خسائري مستمرة، وأعرف أنها مزمنة، وأعرف أن بعضها لن يزول.
أعرف أنني إن بدأت وظيفةً فسوف تبقى الشكوك تحيط بي، وعدم فهمي سيكون العامل الأوَّل في التعامل معي، إلا في محيط ضيق للغاية ومع مؤسسات قليلة للغاية ستعرف كيف تستخرج مني أفضل ما لدي من أداء وإنتاج، ولكنني أعرف هذا الشيء، أعرف أن وضع السابق، وإدماني، وفصلي (المنطقي جدا) من شؤون البلاط السلطاني، وكل هذا التاريخ سوف يلاحقني لنهاية العمر، وسوف يضع حاجزاً دائما أمامي مع كل خطوة أسعى فيها للنجاح، أو للفرص الجديدة، أعرف ذلك جيدا.
أعرف أنني لست في موضع أتعرف فيه على الناس الجدد، إلا بصعوبة بالغة، وأنَّ صفة (المشهور) هذه التي التصقت بي عنوةً تجعلني مشاعاً، وقيلا، وقالا، وأمام بعض النماذج الاجتماعية الحاقدة، أو الحاسدة، أنا في موضع رمي سهل للغاية، وبالذات مع انتشار تاريخ هائل من ما يسميه الناس (المقاطع) لي. أعرف جيدا، أنَّ مئات الناس، لديهم القدرة، والرغبة، والشماتة الكافية لتشويش أي بداية جديدة لي، وأن تذكير الجميع بالماضي المجيد لي يروق لهم. أعرف هذا جيدا، وأعرف أنه سيستمر، وأعرف أنه سيبقى بشكل دائم ولن يتوقف.
أعرف كل هذا من قبل، وأعيشه، ومتعايش معه، ومتقبل خسارات خياراتي، وأيضا متقبل هذا التحدي الصعب، وأخوضه مستمتعا بما تبقى لي من عمر في محاولة صناعة النجاح، والتأثير، وكل الآمال التي لدي كما لدى أي إنسان عُماني.
المختلف بيني وبين أي عماني آخر هو أن عددا قليلا منهم هذا إن لم أكن الوحيد يجمع صفات الملحد المجاهر السابق، والمدمن السابق، والشخص الذي كان يظهر سكران، ويكتب عن الخمر في نهار رمضان، فضلا عن لحظاته المرضية المثيرة للعجب، والتساؤل، والشفقة، والحيرة!
أكتب هذا الكلام للصديق، والخصم، والمحب، والمبغض، على حد السواء، أنني أعرف أن في حياتي في عمان سقف لن أتجاوزه، وفي مناطق معينة مهنية، وتجارية، واجتماعية حواجز لن أكسرها، وجدران لن أستطيع القفز فوقها، أعرف هذا عن صميم صميم قلبي، وأعرف وأنا أقرر العودة لعمان أنني سأعيش هذه الحياة. وأتقبلها، وأتقبل حياتي في عمان بكل هذا لأنني حقا لا أريد البقاء مهاجرا خارج عمان، ولو كنت أعلم أن المستحيل سيحدث، ولي فرصة في العودة لما فعلت ما فعلت على أمل أن تكون عودتي لعمان مستحيلة، وبالتالي الحياة في الغربة ستروق لي!
أتمنى أن يرتاح الخصم والعدو والحاسد، وأتمنى أن يهدأ بال المحب والصديق والقريب. حياتي في عمان ليست بخصالي، ولا يهم، هل أنا ناجح، مفيد، ذكي، متفوق، لا تهم صفاتي الحالية، ليس في عمان، ليس إلا مع قلة القلة القلة، وهؤلاء يكفون تماما لأكمل حياتي في عمان. أصدقائي كافون، عائلتي تكفيني. لا أحتاج لبناء شبكة صداقات مترامية الأطراف لأن حياتي من الأساس لها سقف، وسقفها هو الماضي، وأنا راضٍ بذلك، وأعرفه من قبل، ومتعايش معه، وما زعلان، ما دمت أعيش وما حد يضرني، ولا أضر حد، حياتي في عمان تكفيني تماما حتى بدون أي شيء آخر.
الذي يكرهني حقاً يعيش حالة من (حيسة البطن) على أنني الآن أبدو وكأنني نجوت من تاريخي السوداوي المجيد. وفي عدة حالات بعضها خارج العلن يزورني من الماضي محاولة للأذى لحسن حظي هُناك من يردعها ردعا مفزعا وموجعا، وعلى الصعيد العام هناك من حتى هذه اللحظة يظن أنني أحاول النأي بنفسي عن تاريخي الرقمي لأنني أريد إخفاءه، وفي الحقيقة لو كنت أريد إخفاءه لما تجاهلت نصيحة كل محب وأعيد الكتابة عنه، لا يجب أن يختفي تاريخ معاوية ليس لأن هذه ضرورة حقائقية، بل لأن هذا التذكير أمارسه بنفسي فقط لكي لا يشعر أي حقيرٍ أنه يمكنه أن يزعجني بتذكيري بحقيقة ما كنت عليه سابقاً. وطبعا لما تكون مدمن مخدرات علني هذا أصلا يكفيك، فما بالك بوصفة متكاملة الأركان من المأساة بها اضطراب، ولجوء، وسفر، وعجينة لا حصر لها من التعقيدات.
والذي يحبني غرقان في حسراته، وكأنه يريدني أن أمسح كل ما حدث لي وأعود إلى معاوية طالب الطب النجيب وأبدأ حياتي مجددا، وأصنع كل الذي فات، وأيضا هذا مستحيل. وأعرف أنه مستحيل. ومن يحبني يطفشني بالضغوط الشديدة فوق احتمال الواقع.
فوق احتمال الواقع أن أكون في أي مكانٍ دون أن يستشعر كل من حولي حقيقة تاريخي السابق، ومخاوفه في محلها، أنا هددت إنسانا بالقتل قبل عشر سنوات، في فيديو، في اليوتيوب، ولدي استعداد عدواني وشرس للانتقام، الذي يفعل ذلك لا يلام، وليس ظالما لي، أنا فعلا لست شخصا طيبا، ولست إنسانا سهلا، الذي يتعامل معي بصدق وبنقاء يعرف جيدا أنه في مأمن مني، حياتي ردة فعل، وانتقامي ردة فعل، أغفر الخطأ، وأحل المشاكل، وأبقى دائما في منطقة غفران حتى أصل إلى لحظة اللاعودة، كتالوجي واضح لمن أراد فهمه، ومن أراد الابتعاد فهذا حقه!
إن نجحت، لدي سقف محدود للنجاح، وبعدها سيقف كل شيء، وأي منافس لي سيجد في تاريخي ما يكفيه لكي يزيحني. أعرف ذلك. إن تقدمت وصعدت فلدي سقف محدود، لا يتجاوز القَبول المهذب لإنسان كان يوما ما مصيبة تمشي على قدمين. الحكومة تتعامل معي كما تتعامل مع أي مواطن لا يرتكب جريمة، لكن لا تتوقع أن أي مسؤول حكومي بسهولة بالغة يتقبل وجودي حوله، ليس إلا القلة، وقلة القلة الذين يقرأون حقيقتي ورغبتي الحقيقية في رد الجميل، أما الذي لا يراها فيختار الأسلم، ويختار الابتعاد عني لأنه كالعادة خائف من أنني: سأهاجمه في تويتر كما يظن بعض التافهين أنني أفعل هذا بسهولة!
عدت لعمان وأنا أعرف أن حياتي فيها لها سقف لن أتجاوزه. عدت وأنا راضٍ بذلك، متقبل للواقع، لذلك يا صديق، ويا محب، ويا عدو، ويا حاسد، هجعوا كلكم أجمعين. وضعي مفهوم من قبل الجميع.
أن أعيش في عمان، هذه فعلا معجزة، وصدفة قدرية بحتة. صدفة أنني عُماني، وصدفة أن عمان دولة بها شيمة حقيقية للصفح، والعفو، والتجاوز. ولكن أيضا (أما العفو فعفونا، وأما الود فلا يعود) يجب من باب النضج أن تتقبل هذه الحقيقة. ما ترجع من لاجئ، مسوي مصايب، جايب العيد وتظن إنه خلاص ترجع حيث كنت. النضج إنك تتقبل خساراتك، وتكمل حياتك وتجد لنفسك معنى في الحياة.
ووالله العظيم لا أقول هذا الكلام تطبيلا ولا تزلفا. رحمة الله بي فعلا إني عماني، هاجمت السلطان قابوس وأنا موظف في شؤون البلاط؟ ماذا فعل السلطان قابوس رحمة الله عليه؟ أمر بإعدامي؟ أمر بعلاجي والعناية بي؟ وذهبت للعلاج، وهربت من المصحة، وعدت لعمان، وبعد سنوات عدت لأهاجمه.
رؤساء الأجهزة الأمنية على رأس عملهم هاجمتهم هجوما شخصيا حقيقيا، والعجب العجاب من عجائب عمان، هم أنفسهم الذين يحمون عفو السلطان للاجئ سابق! والله العظيم عمان دولة عجيبة تنحب ولا تنفهم!
شخص في وضعي السابق يحمد ربه إنه يعيش حياة طبيعية. وتراه صدفة، وقدر، إني عماني. لا أظن أن جنسية عربية يمكنها تعيش تجربتي ويرجع يعيش هذي الحياة؟ ما متأكد، ربما الكويت؟ ربما نماذج قليلة جدا في العالم العربي، ربما البحرين؟ ما متأكد، بس اللي متأكد منه إنه مثل النموذج العماني ما لقيت أبدا نموذج يشبهه.
أنا عارف وضعي، وعارف إنه محدود، وعارف إنه علي تحفظات كثيرة، وما ألوم اللي لديه تحفظاته. حظي إني عماني، وإنه سلاطين عمان ما فيهم شيمة الحقد والانتقام، وحظي إنه المجتمع في عمان يتقبل الفرصة الثانية (بشكل محدود) وأعرف إنه سالفة أسوي راس وأناطح الدولة مرة ثانية بتطلع مني الأوّل والتالي، وأعرف إنه ما حد من حقه قانونيا يسيّس حياتي بعد العفو، وأعرف إنه العفو بحكم القانون وإنه تحميه دولة لو تجرأ عليه فرد بدون وجه حق، وأعرف إنه العفو فرصة أخيرة لي وما شيء بعدها فرصة أخرى وحالي حال أي مواطن عمان، وأعرف إني متقبل هذي الحياة، وراضي بها، وما أجاحد في أي شيء.
حياتي في عمان كلها جاية من عطف السلطان هيثم بي، ومتأكد لو كان السلطان قابوس رحمه الله على قيد الحياة وطلبت العفو لكنت عدت لعمان بالطريقة نفسها، وبالحياة نفسها. فقط، كل حياتي مرتهنة بصدفة إني عماني، غير ذلك، ما يرجع لك لاجئ سابق، وتو ناشط اجتماعي تحيط به المحبة لأنه صار عاقل وبدأ صفحة جديدة ويُعطى فرصة للعطاء. هذا فقط في عمان، بس أيضا في عمان أعرف إنه هُناك جانب آخر ضمني، يشكل حاجزا وسقفا لحياتي، وأعرف هذا الشيء زين زين ومتعايش معه. من حق أي شخص ما يحبني، من حق أي شخص يرفضني، من حق أي شخص ما يقبلني، بس ما من حق أي شخص يضرني، وما من حق أي شخص يظلمني، وطبعا ما من حق أي شخص يحاسبني على خطأ لم يحدث في حقه.
لذلك، متبني سياسة الدفاع عن النفس، وراضي بالممكن من الحياة، وعايش حياتي بهدوء، وأكتب في الشؤون العامة كما يكتب أي شخص منكم في تويتر، وممشي الأمور بالحسنى. عاد أتمنى الصديق، والعدو، والمحب، والحاسد إنه يقرأ هذا الكلام، ويهجع شوية، ويتذكر إنه عمان تغفر ولا تنسى. فما يحتاج تعيد وتزيد في ملف معاوية المغلق لأنه أصلا ملف مثل ملفي، يسحب من الطاولة، لكنه دائما وأبدا يبقى في الدرج الأول، (وإن عدتم عدنا) عارف هذا الشيء، وأعيش بتجنب تام لأي ظرف يمكن يضعني في معمعة هذي المرة ما أعرف أي معجزة ممكن تنقذني منها.
هذا الشيء أقوله من قلبي، ومن قلب قلبي، فقط عطف السلطان هيثم بي والعفو هو اللي خلاني أرجع وأعيش حياة في عمان بدون ما يمسني ضرر، أو أذى.
حياتي بها صعوبات، وبها تحديات، بس بكون غبي لو توقعت إنه شخص عاش تجاربي فلن تترك أثرا مزمنا عليه. أعرف كل هذا، وأقبله، والذي لا أقبله هو أن يعتدي عليَّ أحد، وقتها، حقي هو حقي، لا أتنازل عنه، ودفاعي عن نفسي سيذهب إلى أبعد شيء ممكن.
هذا موقفي العام في عمان، فلو كنت صديق، هذا أنت عرفت الحواجز والتحفظات اللي أمامي، ولو كنت عدو هذا عرفت إنه مساحتك محدودة في منطقية إعاقتي، وما دمت تفعل ما تفعله بطريقة قانونية، ما بيدي أقول لك أي شيء: هي كذاك الحياة ضرائب، وأسوأها أن يكون عدو مثلك على حق!
وأظن يسد، وواضح الكلام.