بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 أكتوبر 2020

ماذا يعني أن تتغير؟

 

 

 

لقد تغيرتُ كثيرا! لم أدرك أثناء عملية التحول الكبيرة التي كانت تحدث لي تدريجيا عدد القطع المتناثرة من الزجاج الحاد التي أصبحت تملأ روحي. لم أعد معاوية الذي عهدته، ذلك الغافل أصبح منتبها، المدمن أصبح يدمن الصحو، الذي يؤذي نفسه لأجل من يحبهم أصبح يؤذي من يؤذيه لأجل من يحبهم، تغيرت كثيرا لأن الحياة هكذا، لا تترك إنسانا في حاله حتى وإن ترك كل شيء كما هو عليه، في حاله، الحياة تصرُّ على أن تتدخل قليلا لتضع لمستها السحرية على أذهاننا؟

ماذا ستفعل بهذا الغضب الذي يغلي في قلبك؟ التربص؟ إنها مهنتك السرية الأثيرة! أن تراقب ما يدور؟ تفعل ذلك حتى لو تشأ أن تفعله؟ تحقد؟ وهل سوى أحقادك غيرك؟ أنت تعرفُ جيدا أسباب مشكلتك، علاقاتك الخطأ مع كل كائن نرجسي سممك، لماذا كنت تجد فيهم أصدقاء؟ أنت تعرف الإجابة، وتعرف الأسباب، وتعرف حجم ضياعك وغربتك ووحدتك وما حدث لك من إقصاء، وتهميش، وظلم بيِّن أوصلك إلى مرارة الفقد مبكرا، وها أنت الآن تعبر مركب الأيام لتجد نفسك وقد صرت أحد القساة الذين كنت تتساءل دائما عن الذي حدثَ لهم ليصبحوا هكذا، لم تعد تجد الرفقة مع مسممي النفس والفؤاد، هذا بلا إنسانية، وذلك مشغول بالعظمة يعبد ذاته، وذلك ليس لديه في الحياة ما يفعله سوى أن يتمرن على إيذائك قبل أن يبدأ بالآخرين، الذي يخرق القانون لأن هناك من يحميه، والذي يخرق الأخلاق لأنها عدوته، وأنت حائر لسنوات تبحث عن مخرج من تلك الدوامة التي دفعت ثمن الخروج منها باهظا، ماذا الآن؟ ما الذي سيعيد لك روحك الوثابة وحبك للحياة؟ ما زلت تتمسك بكل أسلحتك، وتتربص، وتراقب، إلى متى؟ إلى أن تهلك ربما يا معاوية، إلى أن تهدم المعبد على رؤوس الجَميع أو ينجو المعبدُ لمرتاديه الآمنين، أنت تعرف جيدا أن من المعارك ما لا ينتهي إلى بسقوط الجَميع؛ ألذلك بقيت جاهزا لأجل اللحظة الكبيرة؟ ألذلك أبقيت أسرار سينمار؟ ألهذا السبب طفتَ في غياهب المجهول من أجل مخطوط هندسي يكفل لك كل حجر يسقط على رأس يستحق؟ إلى أي مدى تغيرت أيها المجالدُ الحزين؟ إلى الحد الذي أصبحت فيه حياتك تُقضى في ساحة المعركة؟ أما الآن، في هذه الهدنة التي يعلم الله إلى أي مدى سيلتزم بها عدوك! ماذا ستفعل؟ تعد العدة؟ تنشغل بارتيابك الذي لا يتوقف؟

لقد تغيرتَ كثيرا، والفرق بين ذلك الكائن الغافل الذي يمكن إيذاءه بسهولة وهذا الكائن الذي يتربص بالهواء حين يخفق أنك صرت جاهزا، مستعدا لكل الظروف، ومتقبلا كل تقلبات القدر مهما كانت، الحفظ بيد الله، والعلم بيد الله، وما عليك سوى أن تأخذ بالأسباب وتتوكل على الله وتطمئن، فالله خير حافظا، والله خيرٌ حاميا، والله خير من يحكم بين الناس، خذ بالأسباب، ودافع عن مساحتك في هذه الحياة، ولا تنس حقا من حقوقك، وانتزع حقوقك من كل من ظلمها، هذه الحياة لا تؤخذ إلا بالصراع.

هذه ليست من أجمل ليالي حياتك، والغضب الذي تشعر به طبيعي، الغفلة والندم مزيج تعيسٌ، فليكن الغضب، وليكن التربص، ولتصن عيونك من كهنة الأبصار، والتعساء الذين ظننت بهم الصداقة، بعض الجروح لن تُشفى، وبعض النار لا تنطفئ، وربما كل ما عليك فعله أن تتعايش على الحياة في هذا السجال، الزمن لا يحل كل شيء، ولا الحب يكفي لكي تعاش الحياة، تمسك بزمام عقلك، وجد حلولا لهذه المشكلات التي أرقتك، الأمر لا يتعلق بما يمكن للآخر أن يفعله، إنه يتعلق دائما بما يمكنك أن تفعله، وبما عليك أن تقوم به، وبما تستحقه نفسك منك، أن ترعاها وأن تحميها وألا تسمح لنفسك مجددا أن تكرر أخطاء الأمس، أنت تعلم جيداً ما يمكن للصداقات مع المهووسين بالعظمة أن تفعله بك، نعم لم تعد ذلك الشاعر الرقيق المهووس بالحب، لم تعد ذلك الكائن الشفاف الذي يسير كالزجاجة بين الناس، أنَّبتك الحياة وقرّعتك لكنك لم تتهشم، هذا الزجاج الحاد الذي يمزقك يحميك، وعليك أن تتقبل حقائق الماضي، وأن تتعايش مع نتائجها، وأن تكون جاهزا، الطمأنينة فخ، والارتياب سجن، والحرية تكمن ما بينهما.

حاول أن تنام، لأنك في الأول والأخير إن لم تكسب حياة النهار، فلن تكون حياة الليل أجمل.