بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 مارس 2023

ما الذي جاءَ بك؟

 

 

 

إن كنتَ تعلم كل الذي حلَّ بيننا من بغضاء، وتعدُّ السنين جيداً منذ أن أصبحَ كل شيء مشوشاً، وتعكّر صفاء البحيرة، إن كنتَ تعلمُ أن غفرانك أكذوبة، وأنَّ حزازاتك حقائق، وأنَّ حلولك في لحظةِ سعادةٍ يفسدها، وأنَّك تحولت إلى مسخٍ مبغضٍ مليء بالسخط، صنم يابسٌ، فرعونٌ محنَّط، وثقبٌ أسودٌ يفتك بلحظة النور، إن كنت تعلمُ كل ذلك فما الذي جاء بك؟

لا يبدو أنَّك تفهمُ الأحزان التي كنتَ سببها، وكأنَّ الذي أصبح يكرهك قد فعل ذلك بلا سبب. غارقٌ في التهربِ من أخطائك، متذرعٌ بأوهامك. من الذين يخطئون؟ الجميع يخطئ ما عداك، أنت لا تخطئ، أنت مجرد إنسان سيء الحظ للحد أنَّ الذي أبغضه فعل ذلك بلا سبب. من الذين فقدوا إيمانهم بك؟ هم السبب، أمَّا أنت فلم تفعل شيئا، ولم تخدع أحداً، ولم تلعب لعبة كبيرة، ولم ترمِ بغيرك في آتون الخيوطِ التي لعبتَ بها حتى تشابكت وأخرجت منها مسخاً أنانيا، يكذب على نفسه، وعلى غيره، نعم أنتَ لم تفعل كل ذلك، أنت مجرد إنسان سيء الحظ، ونعم الجميع مخطئ بشأنك، فأنت أجملُ وأنبلُ من الجميع، أنت لا تخطئ، ولستَ قبيحا أبدا! ولا سيما عندما تقفزُ بك الذاتُ إلى أقصى درجاتِ الوهم. كنت أكرهك يوما ما! أما الآن، فكل ما أفعله هو أنني أشفق عليك لا أكثر! بكل جاهزيتي للأذى، ولردة فعلٍ تمحق الأول والتالي، والسابق واللاحق، والماضي والحاضر والمستقبل، كل ما أفعله هو أنني أشفق عليك.

لم يعد لديك ما تفعله وتتلاعب به. ذلك الحضور الشخصي الباهت الذي تخطط له في المنابر المُعلنة لم يعد ينطلي عليَّ، لستَ أكثر من متفننٍ بارعٍ في البحث عن هشاشة الآخرين، هُناك مدخلك المفضل، وكأن إبليس قد تفرَّغ ليعلمك فنون إشعار الآخرين بالسوء! والمثير للاستغراب أنك حتى هذه اللحظة غافل في تبريراتك، ويحلو لك أن تلعب دور الضحية المسكينة، ذلك الغافل الذي لا يعلمُ ما الذي يدور عنه، ما دمت تحولت إلى صنمٍ يابسٍ فعلى الأقل حافظ على ما بقي من روحك التي تحولت إلى صخر، فربما كان هناك مكان ما بك يحاول أن يعود إلى إنسانيته.

ما الذي جاء بك؟ هل يجب أن تعلمَ أن خلوَّ حياة إنسان منك يعني تحولها إلى حياةٍ أجمل؟ أن جناحَك لا يطير؟ أم هي تلك الخصلةُ التي تعلمها جيدا عن نفسك، ذلك الاندفاع الذي لا تستطيع مقاومته عندما ترى الآخرين سعداء بعيدا عنك؟ لديك أوهام كثيرة من السهل أن تُصنع أمام عينيك، وهذا ما يُفعل بك منذ سنين، لا يحتاج إنسانٌ إلى الكثير كي يجعلَ منك هدفا سهلا لأطماعِه، فالطيور على أشكاله تقع، وهذه الطيور التي وقعت على شبيهها معك تعلم ذلك جيدا عنك. أنت الذي قرر أن يعيش في غابةِ الثعابين، وقد لدغت من لدغته تحت سمعك ونظرك، ماذا فعلت؟ ابتكرت من التبريرات ما يكفيك لكي تهرب من فكرة أنك [أخطأت] وبدأت تبحث عن شماعات ترمي عليها سوء اختياراتك، وكل ما بعتَ روحك من أجلِه، لا يبدو أنَّك تفهم، ولا يبدو أنَّك تعلمُ، ستبحث عن كل الأكاذيب التي يمكن أن يتلاعبَ بها أي كائن أمام عينيك، وستنسج كذبتك الكبيرة، وهي كلها لا تتجاوز أن تكون إنساناً لم يرد أن يعترف أنَّ به من السوء حاله حال الجميع، وبه من الأنانية حاله حال الجميع، وبه من الكيد والغيظ والأذى حاله حال الجميع، الفرق بينك وبينهم أنهم على الأقل وإن لم يعترفوا بحقيقتهم، فهم لا ينكرونها، أما أنت فقد صنعت وهما يكفي لتخديرك، وهذا ما آل إليه حالُك، أن تتحول إلى ضيف ثقيل مزعج لا يعلم أنه غير مرغوب فيه، يفرض نفسه على لحظات لا ينتمي لها، يحمل غلَّه، وسخطه، وضيقه، ومأساة خياراته التعيسة لكي يتقيأ في حدائق الآخرين المزهرة.

أنا أعلم أنني إنسان سيء، وأفهم جيدا حسن ظن الكثير بي، أحاول على الأقل أن أكون واضحا مع نفسي تجاه هذه الحقيقة. أعلمُ كثيرا ما تحاول تذكيري به، لكنك تجهل شيئا ما، أنت أيضا إنسان سيء، لم تقع طيورنا على أشكلنا بلا سبب. لا أعلم كيف يغيب عنك موقعك الرخيصُ، أو سعيك الذميم! هل تعتقد أن للإنسان طاقة للتحمل إلى المالانهاية! المعضلة أنَّك تصدق أكاذيبك، وتصرُّ على لعب دور الضحية! والمثير للسخرية أنَّك تطلب براءتك من لسانِ من أنت نفسك قمت بأذيتهم، هؤلاء الذين قضيت ما يكفي من الوقت مع الثعابين التي فتكت بأرواحهم، هؤلاء الذين صدقوك يوما ما. أعلم أنه من الصعب عليك أن تعترف أنَّك إنسان كاذب، ومخادع، ومتلاعب، وأنَّ حسراتك شديدة، ولم يعد لديك ما تفعله سوى هذه المجيء السمج، الذي بلا داعٍ إلى لحظةٍ لا تنتمي لها.

يبدو أنَّك لا تعرف، ولا تريد أن تعرف، تعيش كثعبان ساخطٍ فقد قدرته على الصيد، ينتظرُ الموعد المناسب لينفث سمَّه في عيون اللحظات الجميلة، وكأن طاقة الاحتمال سترحب بك إلى نهاية المدى. لقد وصلنا إلى نهاية كل شيء، لا شيء يعود، ولا شيء ينصلح، فليكن ما يكن بيننا من اللاعداء واللاسلام، ولكن لا تجازف بالاقتراب مني مجددا!

 

م