يحزنني شيء
يخص #مبادرة_دعم_الطالب_الجامعي وأظنُّ أن علينا أجمعين أن ننصف الناس ولا نبخسهم
أشياءهم. نجحت المبادرة نجاحا ساحقا هذا العام، ومقارنة بكل الأعوام السابقة،
انطلقت إلى الديمومة، والخطوة القادمة هي [المأسسة]. هُناك أشخاص وراء كل نجاح،
وقادة حقيقيون، وبقدر ما يبتهج أي امرئ باحتفاء به، يحزنني أن يُبخسَ المايسترو
الخفي للمبادرة حقَّه وهو ركنُ الأساس الذي لسنين متتالية كان العامل الخفي في
استمرار وديمومة هذه الفكرة.
عندما بدأتُ
فكرة هذه المبادرة، كانت ضمن سياقات متعددة، أبسطها أنَّ مبلغاً من المال كان لدي
ووددت إنقاذه من مصاصي الدماء الذين حفلت حياتي بهم بما حفلته من إدمانٍ ومن
مخدرات. هذه هي الحقيقة البسيطة التي جعلت البعض يظنُّ الظنون الخيرة والسيئة
بالمبادرة، كنت أوزعُ النقود التي كان يجب أن أدرسَ بها تخصص الهندسة، ولم تكن خطوة
مدروسة بقدر ما كانت تصرفات هوسيَّة لا تخلو من الاضطراب المرضي، لم يكن ذلك سيئا
مطلقا، فقد أعطى نتيجة حسنة وساعدني كثيرا على تجاوز الشعور بالذنب تجاه تلك
النقود التي كانت إما أن تذهب للمبادرة، أو أن تذهب في كراتين البيرة وقطع الحشيش
الوفيرة التي لا يمانع البعض مجَّانيتها المفرطة في كهف العجائب الذي كنت أعيش فيه
لسنوات.
عامان،
وانتهت كل تلك المخصصات المالية، 2013، ثم عام 2014. عندما التقيت للمرة الأولى
بسالم الحراصي كان ذلك قبل معرض الكتاب عام 2015م ووقتها لم تعد لدي مدخرات دراسية
لأبعثرها في المعرض، رأى منشورا لي يتحدث عن نيتي للذهاب للإمارات لشراء معدات
لصناعة الشموع، فلم تكن تتوفر بسهولة في مسقط وما لدى شاه ناجرداس منجي لا يكفي
لصناعة ألف شمعة، هذه كانت الخطة، صناعة ألف شمعة، وتوزيعها مع ثلاثة كتب جديدة لي
تصدر دفعة واحدة في ذلك العام، بيع الشمعة بقيمة ريالين ودعم
#مبادرة_دعم_الطالب_المفلس التي كان هذا اسمها وقتذاك. قررنا أن نذهب معا
لهذه النية، وحدث ما لم يكن متوقعا!
حدثَ أجمل
ما يمكن أن يحدث لمبادرة في العالم، سُجنتُ ولم أوقع كتبي، وفعل الأصدقاء ما لم
تفعله الشموع، وأحيت المبادرة حبيبة الهنائي، وأحمد حسن المعيني، وعلي سليمان
الرواحي، ونصر البوسعيدي. أما سالم، فقد عاشَ صداقة بترتها ظروف الحياة، مع صديق
أصبح لاحقا ركنا حصينا من أركان حياته، هو ذلك الآخر الذي له جسد وحشٍ وقلب طفل.
كنت وقتها في سجن الوثبة يخبرني صديق العُمر عنما يحدث في معرض الكتاب، وقد كنت
أضفت رقمه خلسة كإحدى الأرقام التي يمكنني الاتصال بها.
فاتني
معرضان متتاليان وأنا بين حبسٍ انفرادي، وسجن جماعي، ومحاكمة ماراثونية انتهت
بالبراءة وعدت لعُمان. كنتُ وما زلت أكثر الناس حماسةً لهذه المبادرة فهي تعني لي
أشياء كثيرة في هذه الحياة، ولم أكن وحدي في هذه الحماسة. متى بدأ دور سالم الكبير
في هذه المبادرة؟ لسنوات عديدة لم تكن هذه المبادرة أكثر من طاولةٍ واحدة، وغطاء
مؤسسي قدمته بكل محبة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، الفكرة كلها تدور في
إبقائها على قيد الحياة، وعندما تتكلم عن وفاء الأصدقاء أتكلم عن سالم الحراصي.
فالفكرة صدقة، وقائمة على التبرع أولا وأخيرا، وطاولةٌ بلا كتب، تعني طاولةً فقط!
استمرت الجهودُ من الذين آمنوا بالفكرة، وتبلورت، وكان سالم، والحسين العامري وعبد
الملك الدغيشي يكونون البؤرة الرئيسية لكل ما حدث لاحقا، سالم الحراصي، والدكتور
زكريا المحرمي، وآخرون لا أعلم عنهم بعد حملوا على عاتقهم التبرع سنويا لهذه
المبادرة، لكل أسبابه، وعندما يُسأل سالم عن السبب يقول: لأنني أفتقد معاوية، ولا
أريده أن يفقد مكانه بيننا!
الأصدقاء!
في تعريفٍ لا يمكنُ أن يتجاوزه تعريف آخر. مرَّت السنوات، وفي كل عام، تكبر
المبادرة، الحسين العامري، ثم الشبكة العمانية للمتطوعين، ثم في عام 2022م شاءت
رحمة المولى عز وجل أن يعود كاتب هذه السطور، وقد وهبني الله ميزة لا أنكرها، هل
هي بوعي مني أم بدون وعي لا يهم، ميزة صناعة الزخم، في العام الفائت كبرت الأشياء
أكثر وأكثر، وأخذت المبادرة توجها نحو الشراكات، بدأت بأول هدية كبيرة من الشاعر
ياسر البرعمي، وتحولت بعدها إلى زخم كبير، عدد الطلاب ارتفع، وانتقلت المبادرة من
كونها مجموعة منشورات إلكترونية، أو تصرفات مالية مرتبكة من شخص مضطرب إلى هذا
الشكل المنظم، انتهت الأشياء بسلام في عام 2022م، ماذا عن هذا العام؟
هُنا جاء
دور المهندس سالم الحراصي. وعندما تتحدث عن قائدٍ حقيقي، فهو المثال الناصع على
القائد الذي يهرب من الضوء، يصنع المنظومة، يديرها، يرتب عملياتها ويذهب ليراقب.
تعرف أن كل شيء بخير عندما ترى سالم صامتا ومبتسما، يلقي [أفّيهاته] الحاذقة ويعود
إلى لحظةِ الزمن، كل ما فيما حوله متعلق بالأصدقاء. كل هذه التغييرات الكبيرة وما
حدث من مأسسةٍ وتنظيم كان وراءه هذا المايسترو العبقري، أدارَ باحترافٍ كل شيء،
الاتفاقات مع الرعاية، إدارة شؤون التنفيذ، وثنائية سأكتب عنها مع ورقة المبادرة الرابحة
عبد الملك الدغيشي، فعل سالم الحراصي كل ذلك ولم ينتظر جزاء، ولا شكورا، وفي اليوم
الأخير احتفلنا بلغته التي يجيدها، لغة الأرقام، وصنعنا وعدنا للعام القادم.
يشكرني البعض على دوري في هذه المبادرة، ونعم لقد فعلت أشياء تستحق الشكر، أما
صاحب الفضل الحقيقي، واللاعب الخفي، والقائد، والمفاوض البارع فقد كان كما يكون دائما،
يعيش في ظله بغير غضاضةٍ، شكرا سالم الحراصي، شكرا لأنك صديقي، وشكرا لأنك قائد
نبيل لم يكن يوما ما باحثا عن الضوء، أو هاربا من الذات إلى عطشِ الهوس في تقبل
الآخرين له.
معاوية