بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 أبريل 2024

ماذا بعد الحرب؟ ماذا بعد غزة؟ غربة إسرائيل!

 العقل المُغيَّب بالتسييس الأعوج، المرتهنة عواطفه بحزمة من الشروط البرمجية، الهارب من سعة الأمَّة إلى ضيق التحزب السياسي، المشوه، الهجين، غير المتجانس، وغير المتحقق، يحتفل بأعداد قتلى وجرحى غزة وكأنه إسرائيلي!

فعلا عجيب! ومثير للاشمئزاز العقلي، والمنطقي، والنفسي، والفكري، والفلسفي!
عربي، مسلم، يهدهد شعوره بالهزيمة كما يفعل أي يميني صهيوني متطرف، يسيل لعاب أفكاره، ومخاط بنات أفكاره، وصديد عاهرات شفتيه بالتباهي بعدد الموتى، وكأنه صهيوني يرثي حال إسرائيل المنيعة الحصينة ويدغدغ نفسه بعدد القتلى! لماذا؟ كي لا يقر للمقاومة بنصرها!

ما النصر؟ إن لم يكن هذا! النصر أن يموت عدد أصغر من البشر! هذا النصر لديه! ماذا عن المعركة طويلة المدى؟ لا يهم! وإن مات من الإسرائيليين أكثر! فهو ليس أمام نصر، إنما أمام دموية، ووحشية، وتطرف، مهزوم، مأزوم، متشنج، يرفض الكرامة وكأنها تثير حساسيته، وتسبب له البثور والدمامل في جلد أوهامه المدبوغ بالتسييس الأعوج، والانسياق الجماعي، والهوس بالدعاية. قردٌ من قرود البروباجاندا الدنيئة، فأر قارضٌ للكلمات، مجرد قملة، قذرة، دنيئة أقصى ما لديها أن تمتص الدماء من لحظة عزَّة، وكرامة! من حمامة ناجيةٍ من المحرقة والإبادة!

ألا تُهزم، هذا شكلٌ من أشكال النصر. ألا تُقادَ إلى زنازين إسرائيل، هذا شكلٌ من أشكال النصر، أن تكسر عنجهية الآلة العسكرية الإسرائيلية، وأن تكشف حقائقها للعالم، هذا شكلٌ من أشكال النصر، الهزيمة الوحيدة، هي في قلوب هؤلاء، المتعلقة قلوبهم بالذل كخيار أصيل للحياة!
لاعقو حذاء المهانة. يؤذيهم أن تكسر أوهامهم، فلم يعد لديهم سوى التباهي بما يخفف به العدو عن حرقته.

وإن خجل بعض الشيء من نفسه، سيقول: لم ينتصر أحد! ويعود لرفع قمصان الجثث في وجه الذين تتوق أفئدتهم للنصر، ولو بعد حين، ولو تأجل لجيلين!

والله غالب على أمره!


الأمر واضح وبسيط، حرب إسرائيل على غزة! الانتصار الإسرائيلي، يعني ما يلي: 1- السيطرة الكاملة على القطاع. 2- إنهاء جيوب المقاومة، وإيقاف تسليحها. 3- إنهاء قدرات الأنفاق. 4- إعلان الاستسلام من الجانب العسكري المقاوم. 5- تحرير الأسرى. 6- اقتياد قيادات المقاومة للمحاكمات العلنية. لكي تنتصر إسرائيل، يجب أن تحقق الأهداف من وراء هذه الحرب. كل هذا لم يحدث. ما الذي حدث بالمقابل لقرود البروباغاندا؟ كل قملة رقمية مصابة بالسعار من احتمال الكرامة؟ كُل من محقت هويته ببدائل من الخوارزمية الشرطية المضطربة بالتناقض والحزازة؟ يحتفل بالموت، وبالإبادة! نعم، هذا ما يفعله! ينتشي بجنون، وبغيظ، ويتباهى بمن مات وكأنهم ماتوا لتأكيد موقفه الهبديِّ، فالهابد بالتي هي أبغض، وبالتي هي أشد خزيا، المحتفل بالعار، المنغمس في لذاذة المهانة، المستمتع بالهزيمة، يحتفل بكل هذا. ما النصر؟ هو تحرير فلسطين؟ طيب! ما نصر إسرائيل في هذه الحرب؟ سيقف، وكأنه يميني متطرف تخنقه سوالفه اليهودية، لقد قتلنا منهم ثلاثين ألف ونيف! بالله عليك هل تسمع نفسك؟ المقاومة لمَّا تحرر فلسطين. لكن أن يصل بك الحال إلى الشماتةِ في هذه الإبادة، أنت تماماً من يضعه الصهاينة تحت نعالهم، احتقروك، أنت وأمَّتك، ودينك، ولكنك لا تدري، من فرط ما أنت مهزوم، لا تدري، من فرط ما أنت تحتفل، لا تدري، من فرط ما اعوجَّ تسيسُك، وتسيَّس اعوجاجك، لا تدري، غافل، هائم في جهلك، جاهل، هائم في غفلتك، مثل المسحور، تطوف في فيضانات الدعاية كنملةٍ يسوقها عاصفٌ من الرمل، لا أمطر فسقى زرعا، ولا أرعد فهدم جدارا، ولا فاض فأغرق قريةً، هباءٌ في هباء، وخواء في خواء! فلا نامت أعين الجبناء!

حرب إسرائيل على غزة، هي حرب العاجز، حرب الهمجي، البربري، حرب الإبادة التي تعاقب المدنيين، ليست حربا، وإنما حملة همجية. ليست مواجهة، وإنما بطش، وجور، وإظهار للوجه الحقيقي لليمين الذي وصم اليهوديَّة بالعار لأجيال. هي حرب الفجَّار، وانكشاف الأقنعة، وبداية مرحلة جديدة لعالم مختلف!

فعلها اليمين الإسرائيلي، السلفي، المتطرف. لطَّخ يد الجيل اليهودي الجديد المولود في فلسطين بالدماء، وفي كل جيلٍ يأتي من يكتب عليه لعنة الدم. وكل يوم يمضي، واليد اليهودية تتلطخ بالدم، لأن المشروع السلفي اليهودي المتطرف لا يعترف بغير إسرائيل المُحارَبَة. كيانٌ يستمد وجوده من التهديد بزواله! وإن زال التهديد، يصنعون ما يكفي من الأسباب لإعادته. تخيل أنَّك جندي إسرائيلي من مواليد عام 2000؟ ما الذي حدث لك؟ لم يعد من الممكن أن تتراجع! أن تؤمن بالسلام، مجددا، رمتك دولتك في الحرب! وهذه المرة، وبينما هذا الجيل هو أشد أجيال الأرض إيمانا بالسلام الرومانسي! غير المنطقي، السلام الزائد عن الحد، الصوابيِّ لدرجة الخروج عن الواقع، تأتي دولة نتنياهو لكي تلطخ يد هذا الجيل بالدم والانتقام! ليست الحرب الخطرة على وجود إسرائيل، السلام هو الخطر الحقيقي الذي يهدد هذه الدولة المارقة، الخارجة عن المنطق، المبنية على عقيدة جينية متوارثة قابلة لإعادة الإنتاج، والتخلق، وأصبحت الآن كيانا سياسيا يمارس وجوده عبر لعنة الدم. النصر الوحيد الذي انتصرته إسرائيل، هو أنها انتصرت على أبنائها، ونجحت في تحميل جيل آخر هذه اللعنة، والموت الذي كان "ضررا جانبيا" أصبح هدفا رئيسيا، وتلطخت يد الجيل الإسرائيلي الشاب بالمجازر، وبالإبادة، وبعد أن كانت حرب الضرورة، والقانون الدولي، والتصويت في الجمعية العامة، أصبحت اليوم حرب البرابرة، وفتاوي الحاخامات، والسلفية. مدنية دولة إسرائيل على المحك! وما أعجب مكر الله! المشروع السياسي القائم على الدماء، والإلغاء، قادَ الفلسطينيين إلى المقاومة، وقاد الإسرائيليين "أبناء الأرض" إلى الإبادة، وانتقلت الأفكار من مستوطنٍ يريد البقاء، إلى دموي يبحث عن الفناء. وهو موضوع وقت قبل أن تعشعش لعنة الدم بأبواغها عفناً، وفرقة، وكراهية، وشعوراً مريرا بالندم! هكذا فعل النازيون، فكيف كانت نهايتهم؟ وهكذا فعل الإسرائيليون، لقد كلفوا هذا الجيل ندماً لن يحتملوه في هذا العالم الجديد، الذي يسع الجميع، والذي ضاق ذرعا بهذه الانتماءات المذهبية السلفية المتعطشة للإلغاء والدماء. تخيل أن تكون إسرائيليا من مواليد الجيل الجديد، ينعم أقرانك في هذا العالم بفرصة لتغيير العالم، وبينما يأفل نجمُ التفكير القديم، ويسطع نجمُ هذا الجيل بكل عيوبه وبكل مزاياه، يحل الجيل الصهيوني الجديد في وجه العالم الحديث كمرتكب إبادة! هل حقا يعجز صهاينة العرب عن رؤية ذلك؟ وهل حقا يختارون التطبيع في هذه المرحلة؟ ومع هذه الإسرائيل؟ لقد عجنت التساؤلات العقولَ عن السبب الذي دفع بالمقاومة إلى هذه الضربة التاريخية! والآن، يظهر الذي كان في الخطط، ويُعلم الذي كان في النوايا، لقد حطمت إسرائيل بنيها بيدها، وانصدعت الأعمدة التي تحافظُ على شكلها الأنيق كدولة مدنية، ودخل جيلها الجديد مرحلةً مختلفة لا يدركها كل هؤلاء الذين قادوا حرب الإبادة هذه! الأفضلية الأخلاقية الإسرائيلية المستمدة من ديمقراطية الغرب انتقلت إلى شكلٍ جديد، إلى مشارقةٍ يرتكبون الإبادة، وهو قريب جدا عصر الغربة الإسرائيلية الجديد. ولكن هذه المرة ليست غربة إسرائيل مقابل جوارِها الذي يرفضها، وإنما غربة إسرائيل في المدى الشاسع للعالم. ماذا عساه أن يشعر الجيل الإسرائيلي الجديد بعد نهاية الحرب؟ لقد تلطخت يده بالدماء، وهو موضوع وقت قبل أن يحطم الفخار فخاراً، موضوع وقت! قبل أن يتسمم الصهاينة الجدد بالشعور الهائل بالنقص، وبالكذب، فإما ضاقوا ذرعا بمشروع اليمين، وقدموا التنازلات، وإما عاثوا في الأرض فسادا وتقبلوا الخسارات! يا الله! ما الذي فعلته المقاومة بإسرائيل! يا الله، يا الله! هل حقا نحن نعيش هذا اليوم الذي تحطمت فيه أركان المعبد الديمقراطي الأنيق الذي خربه السلفيون اليهود بأيديهم! سبحان الله! ما أمكره! وما أعدله! فعلا عبرة لمن يريد أن يعتبر! ودرس في سنن الزمان، ومسيرة الدول، ونهايات الاحتلال، وضرورة المقاومة! والله غالب على أمره!

ماذا بعد هذه الحرب! الفلسطيني، مدعومٌ عالميا، قضيته أصبحت الأولى في هذا الكوكب. بطلٌ، مقاومٌ، انتصر على كيانٍ بحقيقة قاعدة عسكرية في شكل دولة. كسرَ حواجز الحضارة، والثقافة، واللغة، وكشف حقيقة التناقض، وألزمَ الطغاة بالكشف عن أنيابهم. والجيل الجديد، لم يعد مهزوما، لقد تجرع جرعة النصر الأولى، وتعطش للمزيد منها، وابن الشهيد لم يعد يحلم أن يصبح شهيدا! لقد أصبح يحلم بالمزيد، بأن يكون فاتحا، ومنتصرا، ومستعيدا للأرض، وتعلم الصبر، وانتظار أن يخربَ اليمين الإسرائيلي "وطنهم الموعود" بأيديهم! المقاوم، اخذ جرعة من الممكن! وماذا يحدث في الضفة الأخرى. الفلسطيني من مواليد الجيل الجديد، تعلم درسا في الحنكة، والانتظار، وعرف معنى الحرب العابرة للأجيال، ماذا عن الإسرائيلي الذي سلمه جيل الخراب لعنة الدم! تلطخت يده بالدماء، تشوه وجهه القبيح، إسرائيلي يرقص في [التوكتوك] على أنقاض المدنيين، وأشلائهم، كائن، قبيح، كذوب، سمجٌ، باستحقاق نرجسي سام، سايكوباثي قاتل، مراوغ، يكذب ولا يصدقه أحد، يدافع عن حق ليس له، ويرفع شعارات لا يطبقها، كيف سيصمد الجيل الإسرائيلي الجديد أمام هذه النكسة! لا أعرف! الأمر حقا حقا مثير للدهشة وللاستغراب! وما أمكر الله! ما أمكر الله! ما أمكر الله! بلغت قلوب الإسرائيليين حناجرهم. لم يعد الأسرى، قيادتهم تكذب، وتسلمهم لعنة الدم قبل أن يختصم السياسيون مجددا، ويحاولون صناعة إسرائيل أقل غربة! إسرائيل في غربة جديدة! إنها غربة إسرائيل القادمة في الطريق، إنها حقا غربة إسرائيل في الطريق. غربة الجيل الإسرائيلي الحديث عن الجيل السابق، غربة الجيل السابق عن الجيل الإسرائيلي الجديد، غربة إسرائيل عن العالم، غربة إسرائيل عن إسرائيل، غربة، في غربة! ما أمكر الله! ما أمكر الله! وكان يتخيل الصهاينة نهاية مجيدة، عن اليوم الذي يُقاد في قادة المقاومة إلى "نورمبرج تل أبيب" وكأن خيالات الوهم الصهيوني قد غلبت الواقع، والممكن، حتى فلَّ الحديد الحديد، فلم يعد أمام إسرائيل سوى مسيرة العار العسكري، وقصف الأطفال، وقتل موظفي الأمم المتحدة، والانتقام من العالم أجمع، سايكوباثي، هش، حقير، دنيء، مخدوع من الداخل، مخدوع من الخارج، مبرر له ما يفعله، يرمي بكل أوراقه، ويخسر ثروته المعنوية، والمادية، والأفضلية الغربية الاستعمارية، والأفضلية الأخلاقية، بل وحتى فردانية الجيل الجديد بكل ما عليها من سعة عمياء، وبكل ما لها من إنسانية عجماء خاوية الانتماء إلا للمجرد الفكري منزوع الصلة، مصنَّع الهوية! الذي يحدث ليس نصراً مجيداً على صعيد قطاع، إنه انتصارٌ على صعيد كوكبٍ كاملٍ يدفع ثمن أفعال فاسقيه الكبار، من استعماريين، ومن رأسماليين، ومن ديموقراطية متناقضة، ليس النصر أن تستعيد الأرض بين ليلة وضحاها! وإنما النصر أن تقطع خطوة أخرى في الطريق الطويل العابر للأجيال! وقد ثبت المقاومون بعزة الله وبنصره! جنون حقيقي، فعلا! جنون حقيقي غير متوقع! وما تكشفه الأحداث كل يوم، تثبت أمراً إضافية فوق أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن الظلم لا يثبتُ أيضا بالزمان، وجاء هذا الزمان الجديد، الفلسطيني فيه بطلٌ مقاوم، والصهيوني فيه مرتكب إبادة! جندي، حقير، لا يختلف عن النازيين في الأفعال! استعلائي، قاتلٌ، سيكوباثي، حقير، دنيء، وقميء، ويعيد تعريف الكراهية التي مارسها ليعيش غربتها لأجيال قادمة! وبينما يعشعش الذل في قلوب الاحتلال، ويفقد الجيل الجديد فرصته للشعور بأنه جزء من العالم الحديث، تتحول بذور الكرامة والعزة في أمَّة كاملة إلى شعور بالأمل! وإلى ثقة بأن النصر وإن كان بعيدا، إلا أنه اقترب! وأن الرحلة لن تكون سهلة، لكن الخطوة كانت في طريق الحلم البعيد! لم تخسر إسرائيل خلودها المرتقب، وتطبيعها الشامل فحسب، لقد خسرت بنيها الذين شوهتهم بقراراتها الحربية، وخسرت تعاطف العالم، وعادلت موازين الإبادة والمحارق، وارتكبت إبادتها الأعظم، وأخرجت حقارتها إلى صفحات الحقائق، خسرت إسرائيل الكثير! والكثير، والكثير، أكثر من مجرد حسابات المعادن في الميدان، وأكياس الجثث، وأعداد وأرقام الصواريخ، وخرائط المساحات! لقد خسرت إسرائيل الكثير، خسرت روحها المدنية التي "كادت" أن تنال الخلود، وعادت إلى نقطة الصفر، ومربع البدايات، والاحتلال الذي بدأ مجددا، وسيُدفع ثمنه الذي ظن البعض أن قبحه سقط بالتقادم! ما أمكر الله! من أين يبدأ المرء وأين ينتهي! كل هذا يحدث في زماننا العربي المتخم بالهشاشة والضعف. والخسيس الذي يعمي عينه عن كل ذلك! ماذا يريد! ألا يشعرُ بتهالك حججه! وهوانه؟ ألا يشعرُ العربي المأزوم بمرارته؟ ألا يرى مكر الله بالظالمين؟ لا أعرف ما الذي يراه إنسانٌ في فلسطين غير فصلٍ جديد من فصول رحلةِ التحرير العابر للأجيال، والكاسر لشروط الزمان والمكان وقوانين الأمم المتحدة. والله غالب على أمره!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.