إن كان ثمة شيء عليك كإنسان أن تأخذه من أخصائي في الصحة النفسية، فهو آخر ما يتبادل لذهنك! قد تظن أنني أقصدُ جلسات استشارية تتعلقُ بمزاجك، وقلقك، وتعاملك مع صدماتك، وفهمك لذاتك، وطريقتك في تأمل حياتك، وآمالك، وغدك، وعلاقاتك، بل وربما مراجعة فلسفتك ورؤيتك الشاملة تجاه حق الآخرين عليك، وحقك تجاه الآخرين، فضلا عن تجنبك للوقوع تحت طائلة المرض النفسي، وهذا يشمل القلق الحاد، والاكتئاب، والوسواس، وغير ذلك من الطارئ أو المستمر.
هكذا ستظن تلقائيا، ولكن ليس هذا الذي أتحدث عنه. أتحدث عن العلاقة بين الرياضة وعلم النفس. وفعلا هنا أتساءَل، إن كانت الرياضة بشكل عام ظاهرة سلوكية ونفسية! مرتبطة بالتغيير، وبالصحة، لماذا لا أكل الأمر إلى علم النفس ومختصيه؟ بشكل ما أو بآخر ترتبط الرياضة بعلماء التغذية، والصحة، ولكن ماذا عن الجانب النفسي في الرياضة؟ أليس من المنطقي أن أجعل مستشاري الأول في الرياضة "نفسانيا" ومن بعدها أنطلق إلى الجوانب التغذوية والصحية في الموضوع الرياضي؟
علم نفس الرياضة، كعالم الرياضة ككل، كالعالم أجمع مشغول بالمحترفين! ولكن ماذا عن الهواة؟ في العالم التنافسي كُل الأدوات النفسية الفخمة، والخريجون من أرقى الجامعات، وأصحاب أجمل الدراسات يتنافسون في ذلك المحيط الشرس، ولكن مجددا ماذا عن الهواة؟
هل تتخيل مفعول أخصائي علم نفس رياضي في حياتك؟ هل تتصور معنى أن يكون ناصحك الأول خبيرا متخصصا في مجاله، يعلم السلوك، ويعلم حدودك البدنية، ويعلم دوافعك التي تدفع بك لعالم الرياضة كهاوٍ؟
كطالب علم نفس، هذا هو المجال الذي أقتربُ كل يوم من اعتناقه، وتجربتي الشخصية في الحياة تثبت لي أن علم النفس هو الطريق الوحيد الذي يمكنه أن [يقنعك] بالرياضة، ليس كممارسة لها فقط، وإنما كسلوك متكامل، وتكوين للعادات، وتثبيت لها، ومراجعة للدوافع، ودراسة للأسباب التي تجعلك تستمر أو تتوقف!
الرياضة موضوع نفسي، بمعنى الكلمة، وأستغرب أن تُعامل خارج السياق النفسي، وكأن المضمون النفسي في الرياضة ليس أوَّل الأشياء المهمة.
انظر لرياضة كمال الأجسام، والسمية التي تبثها أحيانا من قبل بعض المدربين! موضوع نفسي، انظر للاندفاع الذي يمارسه الهواة في الرياضة، موضوع نفسي آخر!
مثال بسيط، لماذا كلنا نشترك في الأندية الرياضة ومن ثم نتوقف؟ أسئلة الدافع، وتغيير الحياة؟ كلها موضوعات نفسية بامتياز. علم النفس هو العلم القادر على إجابة كل هذه الأخطاء التي نقع فيها أجمعين، وأولها وأوضحها عندما ندخل عالم الرياضة كعقوبة على تقصيرنا تجاه أجسادنا، نبحث عن الألم، والتعويض، ولا يخلو الأمر من محاولات التعايش مع خوفنا من المرض والموت! ولكن هل هذا هو الصواب رياضيا!
قطعا لا! الصواب رياضيا لا يرتبط أبدا بالجهد العالي، أو الشاق، أو كسر الحواجز، أو تلك الإرادة العمياء التي يسوق لها البعض على اعتبار إنها [طريق النجاح].
تعشّق الألم، والعذاب، موضوع نفسي آخر، معاقبة الذات موضوع نفسي، الانسياق والوقوع تحت سيطرة إنسان يسممك ليل نهار لأنك متين وكسول، وقم من مكانك أيها الفاشل! وغيرها من الخطابات السامة موضوع نفسي آخر، خطابنا الداخلي المليء بالتأنيب، واللوم، والشعور بالحسرة، والندم، وعدم الاكتفاء، موضوع نفسي، كل ما في الرياضة نفسي في نفسي، سيكولوجي بامتياز!
المواضيع تتفتحُ، ومعها تأتي أسئلة جديدة!
يبدو أنني وجدت إجابة وجودية قبل قليل أثناء كتابتي لهذه التغريدة!