بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 يونيو 2024

الرياضة والصحة النفسية!

 موضوع مهم، ويفتح أبوابا متشعبة للغاية. الرياضة والحالة النفسية، ودعنا نحدد بعض الأساسيات لنحاول الإلمام بالموضوع.

هنالك رياضة تنفع حالتك النفسية، ورياضة تضرها، ونقسم بشكل مبدئي الرياضات إلى نوعين: 1- نوع يعزز التأمل والخطاب الداخلي. 2- رياضة تشغلك عن الخطاب الداخلي. ما هو الخطاب الداخلي؟ من اسمه، هي الطريقة التي نتحدث فيها مع أنفسنا. لو كنت تعاني من حالات من الظنون، والشكوك، والتفكير القهري الذي يفرض نفسه على أفكارك، للحد الذي تختنق فيه من طريقتك في التفكير، وستقول في نفسك: أذهب لرياضة المشي، أو الهايكنج، أو رحلات طويلة بالدراجة الهوائية! نعم، صحيح بعد الرحلة ستشعر ببعض الإشباع الجسدي، المادي، ولكن ما الذي فعلناه خلال هذه الرحلة؟ جلسة طويلة من جلد الذات، واستحضار الذكريات المؤلمة، وبدلا من أن تشغل ذهنك عن الخطاب الداخلي المؤذي أنت انغمست فيه، بل وسمحت له أن ينفرد بك في رحلات طويلة هدفها الرئيسي تخفيف معاناتك النفسية. على الجانب الآخر، شخص يعاني من ضغوطات، وقلق شديد في الحياة، ولا يعاني من خطاب داخلي قهري يؤذيه، ويسيطر على طريقته في التفكير أثناء الرياضة، هنا معنا شخص يمارس جلسة تأمل، وفوق ذلك، يمارس معها رياضة مفيدة ونافعة. وهُنا يأتي المزيجان السحريان، الرياضة، والخطاب الداخلي الإيجابي. تأتي أسئلة السلوك، وتطوير الذات، والسقف الممكن جسديا. هذا ما تغرسه الرياضة فيك، التزام سلوكي، ترتب نومك، تؤثر على تغذيتك، تصنع لك مجموعة من الإنجازات الصغيرة ليست فقط أثناء الجلسة الرياضية، أيضا أثناء شعورك بتطورك، وتغرس قيما كثيرة بك، ولاحظ، حتى هذه اللحظة نتكلم عن الرياضات [التي تنفرد فيها بعقلك] فلو كان عقلك أقوى منك، وينفرد بك معناه أنت على وعد مع الألم والشقاء النفسي والذكريات السيئة وهنا الرياضة تضرك، ليس بسبب الرياضة في حد ذاتها وإنما بسبب سلوكك الداخلي وخطابك الداخلي. وهذا له حلول كثيرة ولكن لسنا الآن بصدد تناولها. جميل، اتفقنا مبدئيا يا عزيزي مجاهد، الآن نأتي إلى الخيار الآخر المغاير، وهي الرياضات التي تشغلك عن خطابك الداخلي. لو كانت مشكلتك الكبيرة في الحياة التسويف، وتفويت المواعيد، ليس لأنك شخص تكتئب، ولكن لأنك شخص مشتت، ولا تركز، القيمة التغييرية التي تشكلها الرياضة لك قد لا تكون كبيرة إن كانت الرياضة أصلا مهربا يشبه سلوكك الآخر، يعني أنت مشتت، تذهب لرياضة لا تسمح لك بالتفكير، رياضة تشغلك عن خطابك الداخلي، وهنا لتحقق الرياضة فائدة نفسية معناه أن تستثمر وقتها لكي تتأمل في حياتك، وأحوالك، ولاحظ في الجزئية الأولى، أن تتبنى خطابا داخليا إيجابيا مليئا بالمراجعات، والنوايا الحسنة تجاه نفسك وأن تعتبر نفسك صديقا أنت تنصحه بما ينفعه. لكن فرضا، أنت شخص من النوع الذي يعاني من خطابه الداخلي، الرياضة التي تشغلك عن خطابك الداخلي هنا ستعيش فيها أثناء اللعب هدوءا، وتركز في شيء آخر، وبعد اللعب تعيش [النشعة] الجميلة، كم ساعة؟ خمس ساعات وعقلك المليء بالدبابير لا يؤذيك، هنا خففنا المعاناة، وهنا صنعنا الرابط الكبير. الرياضة مع تركيز، والرياضة بدون تركيز. ماذا بعد يا صديقي، الهدف من الرياضة سؤال كبير، هل أمارس الرياضة لأنني أعاقب نفسي على تقصيري؟ بالتالي أخوض تجربة مع الألم، ونظام [أندرو تيت] وأتمركز حول الإرادة الجبارة، وأمدح التجربة القائمة على العذاب؟ هذا قد يصنع لك زخما في أشياء كثيرة، ولكن هل هذا أفضل ما تفعله بنفسك؟ تنمي القسوة، والأحكام، ونجد ذلك مثلا في رياضات كمال الأجسام، تبدأ صحيا، وينتهي بك المطاف في اضطراب نفسي حقيقي، شعور بعدم الكمال وسمية عالية، ورفع أوزان مجنونة، وربما الهرمونات، والمنشطات، وتدخل في معمعة سببها سلوكك وخططك واستثمارك للرياضة في أهدافك النفسية، وينتهي المطاف بإصابة أو بفشل كلوي أو كما حدث لكولمان بإصابات هائلة في الظهر. لا يمكننا أن نقول أن هذه الرياضة تنفعك نفسيا. على الصعيد الآخر، هل الرياضة التي تمارسها رياضة اجتماعية، أم رياضة فردية؟ نعقد المسألة قليلا، نفرض إنك شخص يعاني من خطاب داخلي مؤذي، يعني المشي لوحدك قد يؤذيك، المشي مع شخص آخر تحبه سينفعك، لكن ماذا لو كنت تمشي مع شخص قلق مثلك؟ هل رأيت تفاوت النفع النفسي والضرر النفسي في الحدث نفسه. شخص يعاني من العزلة، يلعب كرة طائرة، في محيط إيجابي وجيد، هنا الرياضة تعزز قيما سلوكية تغييرية قد تدفعه إلى تكوين نموذج في العلاقات ينعكس عليه لاحقا في عمله، شخص يعاني من العزلة والخجل الاجتماعي ولكنه يلعب كرة طائرة مع مجموعة من المتنمرين الذين يعززون مشكلته الاجتماعية، التصرف نفسه واحد منهما مضر والثاني مفيد. وقس على ذلك الكثير، شخص لديه اكتئاب وصوله للخمسين، يذهب لصالة الحديد لكي يخفف آثار تقدم العمر، يختلف عن شخص في العشرين يفعل المستحيل لكي يزيد وزنه ويتحمل القلق الهائل، ويندفع اندفاع المبتدئين فتتحول هذه الرياضة إلى تعذيب للنفس، التصرف نفسه والدافع يختلف. آثار الرياضة تمتد إلى غيرها، لأن العقل واسع جدا، أما الجسد فيعلمك حدك الأقصى بسرعة، هذه في حد ذاتها [ضربة منطق] في كل مرة ترى فيها حدك الأقصى، تتعلم التنافس الشريف، تتعلم إنك لست أبرع إنسان في العالم، تأخذ في ذهنك قيم كثيرة فقط بمجرد ممارستك للرياضة. والخيار الحقيقي الذي يربط الرياضة مع الصحة النفسية هو نوعية الرياضة، ونوعية الخطاب الداخلي، والوسط الاجتماعي لهذه الرياضة، وهل هي راحة من العزلة؟ أم ذهاب للعزلة؟ قد تكون إنسانا رياضيا ولكن تحتاج إلى رياضة أخرى تخفف من قلقك، تهرب من تنس الطاولة إلى الشطرنج، أو إلى لعبة تخفف عنك الرياضة الأولى. وهنا دخلنا إلى آثار الرياضة الضارة على الصحة النفسية. للرياضة آثار ضارة جدا على الصحة النفسية عندما تكون لغرض التنافس، أو تلعب في بطولات، وأنت مصاب، أو تنهار تحت ضغط الجماهير، هنا التوقف عن الرياضة، والاكتفاء برياضة أخرى استشفائية قد يكون خيارا بين الموسم والموسم، ولكن! هل ستقول لميسي خذ راحة من كأس العالم وعد بعد أسبوعين! هذه ضرائب ونكد الحياة ونكد الاحتراف. قلق جدا، تلعب تنس طاولة! تحترق قلقا، قلق جدا تلعب تنس طاولة ولكن تتمرن للمتعة يخف عنك القلق. هل وصل المفهوم الذي أحاول إيصاله لك؟ الرياضة وسيلة للتحسين الكلي للصحة، والشعور بالثقة، وكلها أشياء إيجابية، ويا إلهي، يمكن اشتقاق ألف موضوع من هذه الفكرة فقط. لذلك الإجابة هي "يعتمد على أشياء كثيرة" وأعلاه ذكر بعضها، شكرا للسؤال الجميل جدا