عنوان الرحلة: اسمه تروللي!!!
إنها الرابعة فجراً، وهذا ليس وقت كتابة. ليس على الأقل وقت كتابةٍ مليئة بالتركيز، بالي مشغول بأشياء كثيرة، معظمها تسبب القلق، كثير منها قد تكون بلا داعٍ، ومن المؤكد أن بعضها بلا سبب وجيه. أسئلة المرحلة القادمة من تجربة الحياة ترنُّ في عقلي!
عمري أربعون سنة، وثمة تجارب كثيرة في الحياة لم أعشها، ومنها هذه التجربة المهمة للغاية مع الطبيعة، تجربة التخييم، والخروج عن عالم المدنية إلى عوالم أخرى، أجمل، وأكثر رحابة، قريبة من السماء، والنجوم، والماء، مليئة بالسمر، وخالية من تعقيدات كوكب الإسمنت، والإسفلت، بما به من مقاهٍ لا نهاية لها، ومن [مولات] تسلب فكرة المشي الوجودية وتحولها إلى حالةِ تسوق، ومنتجات، واستهلاك حولت الوجود البشري إلى مستنقع من الأمراض والكبت!
أربعيني، يخطو خطواته الأولى مع السكري، ويبدأ لديه ذعر الصحة وفوات الأوان! أربعيني يتخيل أن يحين الوقت المناسب بعد العمر غير المناسب، وما قد يكون رحلةً بعد عمر التقاعد، مع ثلاجة بها إبر الإنسولين لا قدر الله، أو صيدلية متنقلة، من الفكس، ومراهم آلام المفاصل، أو ربما ما هو أسوأ من شؤون الجسد الذي سيموت عاجلا غير آجل. أربعيني، يفكر في خيبته، وخيبة فشله المائة في الانقطاع عن السجائر الإلكترونية، والنكسة التي حدثت بعد عدة شهور من النجاح، وصالة الحديد، وتنس الطاولة، أربعين، على قدر جيد الآن من الشدة والبأس والقدرة الرياضية يقرر أن يدخل متأخرا عالم الدفع الرباعي، ويجهل تماما ما الذي يفعله!
لم تكن هذه الإجابات بعيدةً عني، كانت بأكملها في متناول عيني ويدي وهاتفي، انتمائي إلى نادي أبطال الدفع الرباعي، وأصدقاء سمائل الذين خاضوا هذه التجربة منذ سنوات الصبا. صديق الطفولة زكريا العامري يتصل، أخبره عن رحلتي في البحث عن سيارة الدفع الرباعي الأولى، أجد السيارة المناسبة، بالسعر المناسب، وأغير الخطة التي كانت شراء سيارة [فورشنر] جديدة، إلى خطة أخرى قسمت فيها المبلغ المتاح من حطام القروش إلى خطتين، الأولى السيارة الموعودة، والثانية شراء ذلك [الكرفان] الذي أبدأ فيه هذه التجربة، بما فيها من ارتباط بمهنتي في صناعة المحتوى، ورغبة في خوض تجربة السفر الداخلي لإنسان لم يعد مطلقا يحب السفر خارج عُمان، أو بالأحرى ذلك السفر الرأسمالي الذي يشبه مهمة العمل، بما فيه من فنادق سريعة، وجولات لأماكن سياحية مكررة، كلها فرّاخ وشعر بنات ومن ثم العودة إلى الفنادق، والفطور المجاني، وأيام تتكرر! يجب أن أفعل ما أجلته لسنوات!
لجنة متكاملة الأركان لشراء سيارة ماريو، وأخيرا يتحقق الحلم، سيارة [راف فور] ثمانية سلندر، قضيت أسبوعا من حياتي وأنا أطوف الصناعيات، أبدل القطع الصغيرة، وأقوم بصيانتها، وعلى الخط مع متسابقة الراليات، صديق الطفولة القديم، صديق [العظدة] وأيام الحياة الأولى، وإلى أيام سمائل، وخطة تدريبية متكاملة ورحلة الدفع الرباعي الأولى! كلها أشياء جديدة ويضاف إليها الاستعداد لتجربة القيادة مع منزل متنقل [كرفان]
من العذيبة إلى سمائل، إلى غداء تمتد ذاكرته إلى سبعة وعشرين عاما، من الصويريج، لمازن بن غضوبة، مجموعة متحمسة مشحونة بالإيجابية والانطلاق والمركبات العابرة للرمال، وكل واحد من المجموعة يقود [الترولي] ومن هنا بدأت رحلة التدريب. قررت أن أقود السيارة وكان معي في مقعد الراكب لا غيره، عاشق المحركات، والمسافات، الحاصل على بطولات عديدة في الراليات، معلما، ومرشدا، وموجها، ومساعدا!
بدأت التجربة، وانطلقت من ولاية سمائل باتجاه القابل، وكيف يمكنني أن أصف تجربة قيادة تروللي؟ لا أستطيع أن أقول صعبة، ولا أستطيع أن أقول سهلة، يجب أن تكوِّن عقلا قياسيا جديدة لتشعر بالتحدي وبالمخاطر التي تأتي مع هذه المقطورة التي أنت نفسك قاطرتها. أثبتت الراف فور قدراتها سريعا، القيادة بسيارة ثمانية الاسطوانات أثبتت لي دقة القرار الذي اتخذته! مرونة، وسهولة أكبر في السيطرة على تلك المركبة الثقيلة التي تُجرُّ بوعي آخر، الالتفاف يختلف، دخول الشارع، التعامل مع المنحنيات. بعد نصف ساعة من القيادة بدأت أصاب بالشجاعة بعض الشيء، سرعة الثمانين أصبحت مائة، وسرعة المائة أصبحت مائة وعشرا من الكيلومترات. أراقب بحذر شديد الخط الأصفر على يميني، وخطوط الشارع البيضاء على يساري وأصنع التوازن الممكن.
السيارة هذه مناسبة جدا، تغطي احتياجي من السفر والترحال والمغامرة المعقولة، وفكرة الكرفان تتحقق، ويمر الدرس التعليمي بشكل جيد، أصل إلى القابل وتتوقف القاطرات، تنزل الدرجات، ومن ثم تجربة أخرى تعيد النظر في مسألة الوعي بالمركبات! الدراجات الرملية التي تصل إلى قمم الكثبان الرملية جعلتني أتساءل، ما جدوى [قص الرمال] بسيارات رباعية الدفع! حقا أتساءل! هل يتجاوز هذا الأمر تكسيرا للسيارات خارج مهمتها الحقيقة؟ أم أن هناك من الأسرار التي لم أعرفها بعد! تركت عني التأمل بعض الشيء وانشغلت بالاستمتاع بالرحلة محاولا الجميع بين الحضور الذهني، وبين صناعة المحتوى الرقمي والتصوير!
رحلة جميلة بمعنى الكلمة. كانت الخطة أن أتعلم فنون الخروج من الرمل، وأن آخذ دورةً سريعة في التعامل مع سيارات الدفع الرباعي، قررت الشلة أن هذا ليس وقته ولا أوانه، ستكون هذه الدورة في وقت لاحق في رمال بوشر، وسأجلب بعض المعدات البسيطة، وسأتعلم الخروج من فخاخ الرمال، وتقرر موعد قريب لذلك.
قطعت شوطاً في كسر الحاجة أمام فكرة [الكرفان]، عرفت مواصفات الأمان المطلوبة وفهمت أنَّ السلامة أثناء القيادة عامل مهم للحصول على الكرفان المناسب، ليس فقط موضوع المكيف، أو التجهيزات وإنما هندسة المركبة نفسها. أعدت النظر في خياراتي، وشكرت نفسي لأنني بيروقراطي أقوم بتشكيل اللجنة وراء اللجنة أمام هذه القرارات التي أعلم جيدا أن الغشامة لا تتناسب معها، قرارات لها علاقة بسلامة الآخرين وسلامتي، وكرب أسرة هذا ليس أبدا موضوع مجازفة!
كنت قد أصبت ببعض الندم عندما رأيت السلندرات الثمانية وما تستهلكه من بنزين، ذهب هذا الندم كليا إلى غياهب التعويض بالتجربة! الإمكانيات التي تطرحها سيارة رباعية الدفع شيء، وأن يكون لديك راف فور ثمانية سلندر هذا شيء آخر!
أشعر أنني مستعد لقافلة ظفار المجد، مستعد بتشوق، ومستعد لمجموعة من الرحلات، أجهز بطاريات الكاميرا، وأدوات صناعة المحتوى، وستكون لدي رحلة طفيفة لشراء بعض المعدات والتجهيزات المتعلقة بالرمل، والحصى، أو الطين، أو الماء، أو الوديان، بصورة طفيفة ليست بذلك التعمق والانهماك.
كان يوما رباعي الدفع، عنوانه [التروللي] الذي كسرت حاجز قيادة السيارة به، الجولة في تلك الكثبان الرملية حملت تجربة أخرى، أشعر أنني مرهق بما فيه الكفاية لأؤجل الكتابة عنها لوقت لاحق!
عيني تغلق نفسها رغما عن أنفي، وجهي مليء بالتراب، وأشعر أنني تمرنت اليوم تمرين رجل في صالة الحديد من فرط ما رياضة الدراجات الرملية الرباعية تحتاج إلى جهد بدني، جاهز للنوم، ولأحلم بتجربة قادمة.
تصبحون على خير