يوم غير معتاد في عُمان، الهادئة غالبا، الخالية من أنباء الخطوب المفزعة كهذه. ونحن نعتاد الهدوء، ونظن أنَّه هو الصفة الغالبة على جميع الناس، نظن أن الطيبة هي ما جبل عليه الجميع، الحقيقة المفزعة هي أنَّ الشر موجود، وكامن، وينتظر فرصة للخروج، الشر في الأفراد، و الشر في الجماعات، والشر في الكيانات الاجتماعية والسياسية.
في كل مكان في العالم هنالك شر ينمو ببطء شديد، وفقط هذه اللحظات الفارقة هي التي تكشف لنا كيف تتعفن الشرور في قلوب البشر، وكيف يتحولون بعد انتهاء عملية التأقلم مع كائناتهم الجديدة إلى قتلة بدم بارد!
شخصية القاتل ليست دائما وليدة اللحظة، أو الصدفة، أو الغضب، هي أحيانا وليدة كل ذلك التراكم الفكري الذي يسوِّغ إلغاء الآخر، وتلك الجاهزية لتقبل حدوث الشر له، والخطابات من كل حدب وصوب ليست خطابات سلام، إنها خطابات فرقة، وحروب، وتأجيج للكراهية، وإيمان بضرورة الصراع!
أمام هذا العالم الذي يعصف به الشر من كل مكان، هنالك أفئدة جاهزة للشر وتتحين اللحظة المناسبة. وهذا أبسط ما يمكن ملاحظته بعد الحادثة الغامضة التي حدثت في الوادي الكبير! الحادثة شيء، واستخدامها في خطابات الفرقة شيء آخر! ومن الأساس لا أحد يعرف حتى هذه اللحظة ما هي الحقيقة، ولا كيف انتهى الحدث، ولا كيف بدأ، ولا من ارتكبه!
مع ذلك، تنهمر التحليلات وكأنها قادمة من شخص كان بجانب المعتدين! هذا لهدف سياسي، وهذا لهدف مذهبي، وهذا لهدف تشتيت الإشاعة بإشاعة، وذلك بهدف النيل من عمان سياسيا، وذلك بهدف الدفاع عن عمان سياسيا، وهكذا دواليك، أما عن الحقيقة!!! فماذا تعني الحقيقة! هي ذلك الشيء غير المهم أمام طوفان الخطابات الذي يشتغل على عدة مستويات خارج السياق الاجتماعي!
أما السياق الاجتماعي في عمان!! فهو أجمل من أن يكوّن هذه الدوافع، الطائفية في عمان شأن منبوذ، جزء من ثقافة الفرد، جزء من تكوين المجتمع، جزء من حضاريته واختلاطه بالعالم الكبير، جزء من ذاكرته، شيء لا يمكن فصله عن الشخصية العُمانية، شيء لا نتحدث عنه، شيء لا نخوض فيه، شيء لا نهتم به، لكل إنسان مذهبه وطريقته في الحياة.
لكل إنسان مذهبه الديني، ويحبه، ويؤمن به، ولا يجد في محبة مذهبه وسيلة للنيل من المذاهب الأخرى، هذه الثقافة العامة في عمان، ومن أجمل ما في عمان وروحها الاجتماعية هذه العقيدة الاجتماعية.
كُل ما يخالف ذلك خارج السياق العماني، بفجاجة حقيقية، وبافتعال واضح، أن يحدث من فرد واحد، من اثنين، من عشرة، من عشرين خارج المألوف هذا شيء، لكن أن تشتغل عليه آلة إعلامية، وسلاح دعاية، هذا ليس أكثر من امتداد لدعايات تشتغل بلا توقف، في أماكن أخرى، لها أهدافها الخاصة.
حتى هذه اللحظة، لا معلومات واضحة عن ما حدث في الوادي الكبير، ولكن الوادي الكبير الآخر من المعلومات والتغريدات والاخبار والأنباء يخبرك جيدا أنَّ المتربصين بهذا السلام العُماني، وهذا الهدوء المذهبي، وهذا الغياب للطائفية ينتظرون لحظة مثل هذه للانقضاض على هذا النسيج المتماسك بفضل الله.
وعي المجتمع العُماني الفطري، والمعرفي أكبر بكثير من الاستجابة لنداءات الفرقة والفتنة، حفظ الله عُمان من كل مكروه، وكتب على شعبها السلام والوئام دائما وأبدا.
* ملاحظة: لا أعرف مطلقا أي شيء عن الذي حدث، كل الذي أعرفه أن حادثة إطلاق نار وقعت، وحدثت وفيات، غير ذلك! يبدو أنَّ شيئا ما يتعلق بعُمان قد أسال لعاب البعض من محترفي الصراعات الدعائية الخارجة عن السياق العُماني لأسباب لا عد ولا حصر لها.