حسنا! الآن في هذا الهدوء الشديد، وهذه الطبيعة، أستطيع ترتيب أفكاري بعض الشيء، فيما يخص جدال الأمس، جدال #الجناه_الثلاثة الذي فتح بابا جديداً من وسائل التأقلم مع الصدمات، باب متوقع، المزعج في الموضوع أن تدفع به، وتشتغل عليه مؤسسات إعلامية حتى مثل تلك الإخبارية المرتجلة التي لا أفهم بالضبط ما دورها وما وظيفتها الإعلامية سوى اجتزاء الأخبار، وصناعة الجدل!
هذا موضوع، وسياق آخر متعلق بالإعلام في عمان، وكيفية تناوله وتغطيته للأحداث وتفاعله معها، سأكتب عنها عندما أكون مستعدا لرفع ضغطي. نأتي للنقطة الثانية موضوع [عُمانية المُجرم]. الأمر له أبعاد كثيرة، ليست فقط تلك النقاط التقنية والقانونية والمجادلات المتعلقة بالموضوع، أبسط جدال على الذين يقولون [سقطت عُمانيتهم] وليسوا عمانيين وغير ذلك سأرد عليه بأن تصريح الشرطة قال [الجناة عمانيون] فماذا ستقول بعدها؟ نستخدم لغة التصريح والاحتكام إلى التصريح الرسمي وغير ذلك من الوسائل التي يستخدمها البعض؟ هذا ليس نقاشا، وليس حوارا! قانونيا، الجناة ماتوا ولم يصدر ضدهم الإجراء القانوني المتعلق بسحب الجنسية، والذي يريد أن يلوح بعقوبات القانون فليفعل ذلك بالطريقة الصحيحة، وليس بإصدار مرسوم نزع الجنسية في [بوست] انستجرام! لأن هذا هو هبل وليس أكثر من طريقة خاطئة في التعامل مع الصدمات. الصدمة شديدة نعم، وغير متوقعة، ولكن هل محاولة التأقلم بالإنكار هي الطريقة المثلى؟ هذه هي النقطة التي أريد أن أركز عليها. لا يمكنك أن تحل المشاكل بالإنكار. مجموعة من الشباب في مقتبل العمر اتبعوا فكراً متطرفا قاد إلى موتهم وإلى وفاة أبرياء! هل كل همَّك فقط أن تنزع عنهم [عُمانيتهم]!!!! يعني خلاص كذا المشكلة خلصت؟ كل واحد أجرمَ سنقول عنه هذا ما عماني، هذا ما يمثل الطبيعة العُمانية، هذا نزع عن نفسه عمانيته، وخلاص كل واحد يروح البيت لأن المشكلة حُلَّت؟ كلا! ما هكذا تحل المشاكل، أول الحلول هو مواجهة الحقائق. التعامل مع الفكر المتطرف هو أصعب شيء يمكن التعامل معه، لأنك على فرض جئت لتطبق فكرة الضرب بيد من حديد، السؤال الكبير هو تضرب من بالضبط؟ إنسانا من الأساس لديه تفكير مضطرب ويتجه نحو الانتحار والقتل؟ يجب أن تفعل ذلك بشكل منطقي، لا أن تهربَ من مواجهة حقيقة أنه يمكن أن يوجد بين الناس من هو قاتل! الجريمة البشعة التي توفى فيها الشيخ محمد بن سعود الهنائي!!! جريمة مروعة يشيب لهولها وخستها وغدرها الطفل الوليد! لماذا لم نتسابق لنزع عُمانية هؤلاء القتلة! لكن لأن السياق هذه المرة يتعلق بما سماه التصريح الرسمي [أفكار ضالة] القتل الفوضوي، إثارة الرعب، وتسجيل المواقف بتقديم البيادق الجاهزة للموت من أجل ماذا؟ من أجل قضية غامضة تدور تفاصيلها في مكان بعيد، غامض أيضا، مجهول القيادة، غير معلوم الأهداف! ضربات فوضوية تصيب المدنيين، وفي النهاية يجب أن تتعامل مع الأمر الواقع بشجاعة. الإلغاء، والإنكار، والتنصل من المشكلة يقود لاستفحالها، والحلول لها يدان، يد تجبر وأخرى تكسر، فما يتعلق بالتنفيذ والسعي له هُنا نعم ليس بيدك سوى أن تقاتل من جاء يقتلك! منطق بشري بسيط، لكن ماذا عن الفئة الأخرى التي تنجذب نحو هذا الموت؟ وتنجذب نحو هذا القتل؟ هُنا التعامل بروح إنقاذ تصرف أنفع اجتماعيا، وهذا ما فعلته دول عانت من هذه المشاكل حتى قامت بتنظيم جهودها بروح الإنقاذ، وركز في كلامي إنقاذ الذي تأثر ولم يفعل، ولم يخطط، ولم يبدأ في تحويل تراكمات طريقته في التفكير سواء كانت مكتسبة أو أصيلة به إلى فعل واقعي. الآن في هذا الهدوء أستطيع أن أفهم لماذا كُنت مُستفزا للغاية بالأمس! لأن أول خطوات الحلول هو الاعتراف بالمشكلة! أما فقط خلعها كأنك ترمي [زلاغ] وسخ لا تريد غسله! هذه ليست أكثر من صناعة طمأنينة أنانية، تجاهل للمشكلة، إنكار لها، وهذه ليست طريقة منطقية للتعامل مع مشكلات لطالما ظننا أنها بعيدة عنا في عُمان. التعامل مع الفكر العنيف، الفوضوي، عملية تفكيك شاملة، مجادلة دائمة، عملية إقناع مستمرة، لأنك تتحدث عن فيوض من المادة الجاهزة لإغواء من يبحث عنها، فيوض من الكتب، والمواد الصوتية، والمواد المرئية فضلا عن سماسرة الموت الذين يجتذبون الراغبين في خوض تجربة القتل أو الانتحار ويجدون لهم طريقةً لتحويلها إلى واقع. هذه أزمة عربية وعالمية قديمة، وفي عمان لدينا وسائل مواجهة، ووسائل تقاوم هذا النوع من الأحداث، وكما لم يكن بوسعك أن تتنبأ بالجريمة القبيحة التي توفي فيها الشيخ محمد بن سعود، وكما لمن يكن بوسعك أن تتوقع الجريمة لذلك الشاب الذي أطلق رشاشا على جلسة أصحابه، أو الذي قتل أخاه، أو الذي قتل أمه أو أخته، وغيرها من جرائم القتل، لا يمكنك أن تتنبا أيضا متى تتحول تلك الخيالات في عقل إنسان تطرف حتى آمن بالموت وذهب إليه مقتنعا به! نعم هذا يحدث، لكن أن يكون نصيبنا الرئيسي منه هو محاولة سحب الصفة منه!!! ما هذا!!! هل نريد خيرا ببلادنا أم فقط كل ما نريده أن نصنع طمأنينة مزيفة؟ طمأنينة أنانية! من مكمنه يؤتى الحذر، لا يوجد استعداد كامل أبدا يمكنه أن يتعامل مع جرائم الغدر هذه، هذه الخفية، هذه المصممة ليتلف مرتكبها ويهلك مع ضحاياه، لكن يوجد طريقة منطقية للتعامل مع هذه المواقف وتوجد طريقة أخرى، سخيفة، مليئة بالهبل، مثل الذي حدث بالأمس عندما كانت الأولوية أن يصرخ البعض بهلع شديد [هذيلا ما عمانيين، هذيلا ما عمانيين] واجد عليكم بصراحة!!! روح الإنقاذ وليست روح الإنكار، روح المواجهة وليست روح الهلع، ووضع السيف موضع السيف والندى موضع الندى، أما أقصى الهلع والطرق الطفولية وحكاية [هذيلا ما عمانيين] هذا استهلاك دعائي يمنع مسارب التفكير من الوصول إلى الحلول. لذلك، متمسك بوجهة نظري، والآن في مخيم جميل وسط الطبيعة، أكتب هذا الكلام وأشعر أنني كان يجب أن أزور هذا المخيم منذ الأمس لأستطيع صياغة ما أفكر به بهذا الهدوء! والله خير الحافظين.أعرف إنه أسهل علينا معنويا أن نسلخ عباءة كونهم من عُمان، ونتعامل بإنكار، أو تشفي! موه أكثر من الموت! واجه رجال الواجب في الميدان فقتلوه!
تو عاد نجي نقول ما عماني عشان أي غرض؟ فكر معي شوية، ما عشان غرض يمنع حدوث واقعة شبيهة، ما عشان فائدة فكرية، ما عشان فائدة نقدية، ما عشان أي شيء!
بس عشان أنانيتنا، باغيين شيء يطمنا، باغيين حاجة تؤكد لنا تحيز رومانسي سابق بنا إنه العماني هو [الأوكِّيه] اللي ما يغلط! بس هذا ما منطقي! هذا كلام انفعالي نعم ومن حقك تقوله، ولا جدال إنك تحاول تتأقلم مع الصدمة بهذي الطريقة.
بس ما هكذا تُحل المشاكل، أول الحلول هي المواجهة. ومواجهة تحمي كل فرد من أن يتعرض للضرر أو غسيل الدماغ أو ببساطة تسمح لبعض الأرواح المُجرمة أن تنتقل من حالة التخطيط لحالة التنفيذ أو القتل أو القتل الانتحاري.
وسيلة تأقلم ثانية للتعامل مع الصدمات، الوسيلة الأولى كانت الإنكار، أن الجناة ليسوا عُمانيين وبالتالي خلاص اخلع زلاغك من الموضوع وما فيه، وهذي نظرية خلع الزلاغ بعدها أهون ويقوم بها ناس بسطاء وطيبين.
الطريقة الثانية في التعامل مع الصدمات وهي متوقعة الحدوث، هي إلقاء اللوم على التيار الديني [المطاوعة]. وسيلة سهلة وجاهزة من بني ليبرال على طريقة [ارمي الصينية كلها] وهي طريقة أخرى، أيضا تخلو من الاعتراف بحق الآخرين في اتباع المذهب أو الدين الذي يؤمنون به، وفي الوقت نفسه الحفاظ على عقد اجتماعي وحضاري واجتماعي يمنع التطرف والقتل الفردي باسم الدين!
سترد عليه وتقول له: مليونا مسلم! لماذا لم يحدث هذا الحدث سوى مع نسبة أقل من واحد من مليون؟؟؟ وفعلا! النسبة حتى الآن واحد من مليون! وطبعا هذا جدال ما معي بارض أدخله لأنه ما يخلص، سيقول لك الدين سبب التطرف، ويصدع راسك كيف إنه الدين ضد السلام، وبعدين تطلع أمريكا هي أم السلام، والغرب هو أبو الوئام، وإسرائيل هي الجدة الطيبة التي ترمي غزة بالزهور! منطق جاي من ترف فكري وغالبا ما جاي من محاولة تأقلم مع الواقع وإنما مع محاولة مستميتة لتجنب تقبل حقائقه وبالتالي أسهل واجد عليك تلوم المطاوعة أو الدين وتتلبرل على راحتك، وفي النهاية هذا ما واجد مضر بقدر النموذج الثالث من نماذج التأقلم.
النموذج الثالث من نماذج التأقلم: [المذهبي]
وهنا يبدأ الكلام الحقيقي. الحادثة إن كان لها سبب، وهدف فما هو؟ تأجيج الشحن المذهبي؟ بالله عليك من انتصر لو كنت أول من تلومه هو المذهب السني؟ لقد انتصرت كل رصاصة وقعة على بريء، ولقد انتصرت تلك الرصاصة التي أردت الشهيد يوسف قتيلا، لأنك تماما حققت الهدف المرجو منها!
وماذا بعد؟ ستهاجم عقيدة أهل السنة؟ وستقول [معظم الإرهاب سني]!!! معظم الإسلام سني!!! ويوجد من كل مذهب متطرف جاهز للقتل، وفالينة الشركة الراعية للقاتل ليست مهمة! لأن القتل يحدث بتنظيم سياسي، عالمي، تديره خيوط غامضة، وتحقق أهدافا من الأساس لا علاقة لها بأمَّة، ولا صناعة لها لنصر، مجرد تدمير في تدمير، لذلك! هنا ينتصر الجناة ومن أرسلهم، لأنك بدأت تصبح أنت معول الهدم وأنت تظن أنك تريد خيرا!
الكمِّين عبيط اللي يتسلى بملاسنة المذهب الفلاني، سواء كان شيعيا ضد السنة، أو سنيا ضد الشيعة، أو أباضيا ضد السنة، أو أباضيا ضد الشيعة، أو شيعيا ضد الأباضية، أو سنيا ضد الأباضية، هذا الوقت الذي تعيدون فيه النظر حول مفاهيم التسلية التي تمارسونها في وقت فراغكم الشديد والواسع والممتد، هذا هو الوقت الذي تحقق فيه مثل هذه العمليات النجاح، لأن بغمان مثلكم تركوا سعة العالم، وتعايش البشر [ليتفيق] للهجوم على المذهب السني، أو الشيعي، أو الأباضي!
هُنا هو السماد الذي يغذي هذا الحدث بالنجاح، وهؤلاء هم الذين سيجعلون هذا الحدث صدعا في جدار متين توارثه العمانيون أبا عن جد.
هذا الذي جاء في بالي الآن، ولو فتح الله علي بشيء، سأكتبه. وعزيزي القارئ، هذا اجتهاد من شخص يتناول قضية فوق مقامه، وفوق قدراته الذهنية لذلك اقرأ بحذر شديد، لأن احتمال أن أخطئ وارد بشدة.