ثمة إجابات عمومية رائجة عن الشخصيات المسكونة بالشر والجريمة. لا يمر يومٌ على سينمائية المشهد النفسي دون أن تمر علينا مصطلحات مثل [السايكوباثية] أو مصطلح آخر مثل [السوسيوباثية]، مع الممايزات التي تفرق بينها، والخطوط العريضة، وقد نميل إلى اعتبار أن هذه الأحداث اختلال مرضي، وهذا ليس ما يحدث بالضرورة، المجرم قد يكون إنسان مستقرا نفسيا، عدم السواء قادم في منطقه الفلسفي في الحياة.
هذا يعتمد بشكل كبير على تصنيفك للطبيعي، وفي هذا العالم من الصعب تصنيف الطبيعي الذي هو عادةً مردود بشكل كبير إلى القيم الغربية بما فيها من فردانية، وحرية، وديمقراطية، وفي الوقت نفسه بما فيها من صواريخ تسقط على غزة، وتناقضات هائلة بين الحرب في أوكرانيا، والحرب على غزة، واستثناء إسرائيل، ودولة الفيتو، عندما أقول أن الطبيعي المتعارف عليه صعب التعريف في هذه الظروف فأنا أعني تماما ما أقول!
تصنيفات وأطر عريضة تساعدنا على التفكير، العملية النفسية، والتشخيصية سياق منفصل تماماً عن محاولة فهم أحداث عابرة حدثت من مجرمين مجهولي الدوافع! الحقيقة تموت مع صاحبها، وعلى عكس القاتل المتسلسل الذي يُمسك فيقضي ساعات طويلة مع الأخصائيين النفسيين، يتلاعب بهم، أو يحاولون الخروج منه بمعلومات يكتبونها في دراساتهم العلمية، بعض الجرائم تختفي مع صاحبها، وتختفي معه الحقيقة.
عوامل كثيرة تساعدنا على فهم نوعية الجريمة التي تحدث من قبل شخص غير متوقع! طول فترة التخطيط، الانتباه إلى أبسط التفاصيل، والأهم: السبب الذي جرفَ هذا الإنسان من عالم الإنسان الطبيعي المتعارف عليه، الإنسان الذي لا يقتل الأبرياء، الإنسان الذي لا ينتحر بالقتل، الإنسان الذي لا يحاول الرحيل عن العالم بإيقاع أكبر قدر ممكن من الضجيج والتأثير على كل المنظومات التي تحاول أن تبقي الحياة منظمة وعادلة وآمنية للجميع!
لا يمكننا بسهولة أن نلقي إطارا عريضا مثل [السوسيوباثية] فقط لأن الحدث جريمة اجتماعية، نعم هذا قد يروق لنا وقد تكون هناك مؤشرات كثيرة جدا تدل على شخص جامد، بلا عواطف، عقل محض ممتلئ بفلسفة الشر، نرجسي يخطط لخطف حياته ومنح موته معنى كبيرا ومؤثرا، كائن يريد بموته وبسقوط أبرياء أن يوجه دروسا للأمة، أو للدول، أو لمذهب، أو حتى لمدينة! هنالك شيء ما نرجسي وموغل في صناعة الموت المفتعل، ولكن هل ينطبق هذا الكلام على شخصية قامت بالفعل نفسه وهي منقادة؟ مهددة؟ تحت تأثير الخوف من الموت إن أقدمت، والموت إن تأخرت! هُنا حقا يختلط كل شيء فالإنسان المستقر نفسيا تمام الاستقرار، الذي لا يعاني من رغبات قهرية، الذي لا يعاني من غضب يؤثر عليه في حياته قد يرتكب جريمة مع سبق الإصرار والترصد، وهُنا يختلف السياق بين فهمنا النفسي له كعموم، وبين الفهم النفسي التخصصي له.
ثمة ما هو فلسفي ووجداني بل ما هو أدبي أحيانا في هذا الموت الفادح! وهي أسئلة فوق أسئلة فوق أسئلة! ولا يوجد إطار عريض يمكنه أن يجيب على التساؤلات ويضخ المعرفة في العموم المتأثر بأي جريمة سوى ردم جميع الثغرات الغامضة وبناء ملف متكامل عن هذه الشخصيات ومن ثم تَرك آلة العلم لتنفي تراكمات الافتراض عن حدث عمومي كبير.
سأعيد محاولة الكتابة لاحقا بعد أن أرتب أفكاري بشكل ما أو بآخر!