بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 20 أغسطس 2024

آية آيات الدفتر!

من أصعب الأشياء التي عليَّ فعلا التعايش معها في حياتي، أن معظمَ وجودي يقع ضمن تجليات الظاهرة الذهنية! نسبةٌ مئوية كبيرة من كل ما أنتجه، مكتوبا، مرئيا، صوتيا، الراب، وحتى الكلام الفاضي والمليان الذي أبعثره، نسبة لا تقل عن تسعين بالمائة منه هو ضمن تجليات الذهن التوليدي، لا أعرف ما تسميته الفعلية، لكنه شيء شعري بحت، في ذكائه، وفي غبائه! هذا حقا ما يزعجني، أنَّ الأمر ليس تحت سيطرتي، لا أستطيع استدعاء لحظات التفكير متى ما شئت، لا أستطيع أن أضع نفسي في مزاجٍ إبداعي، كل شيء ينفلتُ من أصابعي ومن لساني وأعرف لاحقاً ما الذي قلته، وما الذي [هببته] فقط بعد مرور اللحظة. لم أعد أسمي هذا جنونا، أو مرضا، صرت أسميه طبيعةً، أتقبلها على مضض وأصنع كافَّة الحواجز التي تقيد عفويتي واندفاعي، وكافة الجدران والأسوار التي تبقيها في حدود المعقول والأهم، التي تمنع عني الأذى، وتمنعني من أن أكون مؤذيا للآخرين. أقطع السنة الخامسة في استقراري الوجداني التقريبي، نكسات صغيرة هُنا وهناك، اكتئاب، نوبات صغيرة من النشاط الزائد عن الحد، كلها في حدود المعقول، شبكات الأمان العائلية، والواقعية، والأصدقاء، والمعالج النفسي، والطبيب النفسي، والأصدقاء القدماء جدا، والزملاء في حقل علم النفس، شبكات دفاع متعددة الطبقات فقط لكي أمنع لحظةً من الانفلات من دماغي وتتحول إلى واقعٍ! هل تتخيل هذا الدماغ الخارج عن السيطرة وما الذي فعله بي وبحياتي! هل تتخيل معنى أن تدخل حالة تشبه الإغماءة في حالة الصحو لتجد نفسك كتبت مائة صفحة كاملة في جلسة واحدة! يبدو ذلك غريباً على البعض الآن! لكن الذين كانوا يقرأون لي في الأعوام منذ 2006 إلى عام 2014 يعرفون جيدا ما الذي أتحدث عنه! ويعرفون جيدا كم كانت عشرات الصفحات تنهمر من أصابعي! ولكن! هل كانت لدي أدنى قدرة على السيطرة على ذلك الطوفان الهادر؟ لم يكن يعلم أحد النفسية المتألمة التي كنت أعيشها، لم يكن أحد يعلم الدمار الداخلي وفقدان القيمة الذي كان يتكون تدريجيا، أصبحتُ فجأة موضوع رأي عندما جننت تماما، أما قبلها! أهلا وسهلا! آثرت أن أنبذ الناصحين الحقيقيين وأن أصدق أن الثعبان يمكن أن يكون صديقاً، وناصحا! وعلى أية حال لم أكن بأقل لوثةً من كثيرين ممن أصبحوا أعدائي! أتناقش أحيانا مع الفلان والعلان من الذين يكتبون! الكُل ينظّر عن مهمة الكتابة، ووظيفتها! قليل جدا من يكتبون لاكتشاف المناطق الخافية عن أنفسهم! قليل يستخدمون الكتابة كوسيلة لحبس التأمل، لتوثيق ترتيب منطقي من الأفكار والكلمات يهديهم كشفا جديدا من كشوف الحياة، قليلون للغاية ومعظمهم من الشعراء الذين ينظرون للكتابة بهذه النظرة، كونها وسيلة لإبصار المناطق المضطربة والمضطرمة من النفس! ذهن ليس بيدي! هذا الذي يغيظني حقا! هذا الذي يجعلني أغتاظ، أين ذهني عندما أحتاج إليه! أين ذلك التدفق العفوي الحر؟ أين ذلك الانطلاق! تخيل أن تكون إنسانا ويقول لك ذهنك "خليك بعيد" وكأنك أنت ضيف وذلك الذهن يكتم عنك جميع أسراره وخفاياه، وكأنك مجرد وعي شرطي جامد يعرف الحدود القصوى والدنيا، ولا يعرف أكثر من ذلك، هذه فعلا حقيقتي المُرة في وجودي البشري. أنا حقا ذلك الشخص الذي يقول له عقله كلاما غريبا، وليس بيدي أن أستدعي أي شيء. حتى ذكرياتي! أحتاج إلى لحظة شعرية لاستعادتها، أفعل العجائب لكي أنجو من التشويش الذي ينال من ذاكرتي، أحيانا أنال لحظة استعادة جميلة وصادقة وصافية وموضوعية، وأحياناً يتشوه كل شيء بسبب ماذا، بسبب خلل في الوعي الحاضر، أما ذلك الوعي العميق! ها ها ها! هيهات! مثل لحظةِ الكتابة هذه! وكأن كائنا آخر يشرح لي الآن "كتالوج" وجودي! أدرس علم النفس، وأعيش في قلب معمعته، برفقة عقوله الجميلة، ومع ذلك، لم أستطع تجاوز هذه الشعرية القسرية في علاقتي مع ذهني، ما أن أخطط لكلامي، ما أن أبني خطة لأقول شيئا ما أو لأكتب شيئا ما إلا وأجد كل شيء أصبح صعباً، فأتلعثم، ولا أعرف كيف أربط بين الأفكار! ولكن! ارمني في أي موقف عسير، أمام مليون إنسان، في بث عام، في تويتر أمام مائة وخمسين ألف قارئ [كما آمل] فجأة! تنهال الكلمات والأفكار، من وحي قلق المواجهة، من وحي الانطلاق التلقائي العفوي! وكأن حياتي كلها يجب أن تكون تحت مظلة قلق اللحظة الشعرية لأتمكن من الكلام، أو من الكتابة، أو حتى من تسجيل أبسط فيديو له علاقة بمصدر رزقي. على أصعدة كثيرة، ذهني ليس تحت سيطرتي، تعلمت التحايل عليه مع الوقت، تعلمت متى أحاصره، متى أضعه في لحظة "رضا" كما أحب تسميتها، تعلمت أن أضعه في حصارٍ خانق من الغضب والقلق، والنتيجة النهائية، اندفاعٌ صافٍ. قضيت آلافا مؤلفة من الساعات في حياتي وأنا أحرث لوحة المفاتيح حرثا، ثمَّة شيء في الاندفاع النثري هذا يجعلني لا أتوقف عن الكتابة، هل لأنني لا أستطيع التفكير إلا وأنا أرى الكلمات تتكون أمام عيني؟ هل السبب إعاقة! شيء ما له علاقة بالطريقة التي قضيت فيها ساعات أكثر؟ لأنني حقا أفكر وأنا أكتب، أفكر بالكتابة، وأتذكر بالكتابة، هل لهذا السبب أجد صعوبة تجميع أفكاري! ألاحظ أنني حتى عندما أتكلم! أكاد أكون أكتبُ من وحي اللحظة! لو جمعت كلامي سأجده مرتبا على هيئة فقرات وكأنني أحاول إكمال مقال ما، أو تدوينة يختلط فيها الموضوعي بالشخصي! الأمر لا يزعجني الآن، لم أعد اكتشف اندفاعات مفاجئة، أقرؤها في تويتر، وكعادتي يجب أن أنشرها لأقرأها، ارتباط قهري آخر بين الكتابة والنشر، القارئ حاضرٌ دائما في ذهني، ودائما أكتب لأحدٍ ما، دائما في حالة الرسالة، من النادر أن أكتب في حالة الآلة، النادر جدا، وعندما كتبت كآلة جئت بمصائب لا أظن أنها ستتكرر في تاريخ الكتابة العُماني! مصائب متعددة الأبعاد! أحيانا أشعرُ أن ذهني يمنع ذاكرتي عني بشكل متعمد، وكأنه يعلم جيدا حجم الصدمة التي يمكن أن اشعر بها إن قمت بربط جميع خيوطها دفعة واحدة! وأنا لست إنسانا طيبا، وأيضا لست نادما محترفا سيعيش للأبد تحت مظلة أخطائه، أتعامل بمنطقية تامَّة مع أخطائي وأكتشف كل يوم المساحة التي أمنحها للآخر الغريب، وما أن أكتشف قطعةً زائدة أتحرك لبترها بشكل سريع! قبل أن أصبح كاتبا هجوميا انتقاميا وقحا وشرسا وقليل الأدب وطويل اللسان كان من السهل على من هبَّ ودبَّ أن يؤذيني بأي شيء! الآن، تعلمت أن أردَّ العدوان، وتعلمت أن أحرجَ الذين ألتقي بهم في الواقع ويفلت لسانهم في حقي، والواقع أنني تعلمت رد العدوان زيادة عن اللازم، باندفاعٍ لا يعبأ بأي نوع من الخسارات، ولا سيما مع الأذى الذي يكون بليغا، أو نابعاً من شعورٍ سابق بمشاعية معاوية، ذلك الذي مباح أن تقول أي شيء في شأنه، وأن تؤلف على لسانه أي شيء، يا إلهي! الذي ينجو من الاغتيال الاجتماعي في عُمان لا ينجو دون أن يحمل عقدا نفسية عنيفة وشديدة لنهاية العُمر، ولا أعرف من أين أكتسب هذه الصلابة والتحمل، لحسن حظي أن ذهني وتفاعلاته ليس تحت سيطرتي، لعلها وسيلة حماية لي! أنا حقا مستغرب من حالي وشأني! فعلا مستغرب، من أكون حقا! بصدق لا أعرف! ما هي تجليات وجودي الحقيقية! أتحداني وأنا في أشد حالاتي وعيا وحضورا أن أكتشف هذا السر! وهذه التناقضات التي تصرعني غيظا! أعرفُ أنني أمثل شيئا ما جيدا لكثيرين، وربما شيئا ما خيرا، أعرف أيضا أنني فعلت أشياء خيرة، لكنني أيضا فعلت أشياء شريرة بمعنى الكلمة! عدوانية، وهجومية، أعرف أنني هددت إنسانا بالقتل ذات يوم! وأعرف أن بي جاهزية مجنونة للانتقام، جاهزية تفوق حتى رغبتي في الحفاظ على مكتسبات حياتي أحيانا! والذي يغيظني أنني أتعامل مع دماغ مشوَّه، مليء بالتعاسة، وقابل للانفجار، أبني الدروع وأتعامل مع الضغط النفسي بمختلف الطرق الصحية وغير الصحية، لكنني أعرف جيدا أنني لست من العقلاء، مع أنني شخص على قدر لا بأس به من الذكاء المنطقي، لكنني أيضا جزء من ظاهرةٍ ذهنية استولت على حياة إنسان حتى حولته إلى ظلٍّ لوجوده. أنا ظلِّي، أنا لست أنا، لا وجود "لأنا" يمكنني تعريفها، أنا ظلِّي، وكلماتي، ومواقفي، وأخطائي، وأفعالي، وفيدوياتي، وأغاني الراب، كائن ذهني اسمه معاوية، والبعض يسميه معاوية الرواحي، أما إنسانيتي من يعبأ بها أصلا! عددهم شحيح جدا في هذه الحياة الذين يعبأون بإنسانيتي، شحيح بشكل يسبب الصدمة! ويؤسفني أنني أنا نفسي، أحد هؤلاء الذين لا يعبأون بإنسانيتي، ذاتي الأخرى الذهنية، الذات الكاتبة، المبدعية، التي تمنحني القليل من المنطق بين الفينة والأخرى على هيئة لحظات كتابة مثل هذه لا تعبأ بإنسانيتي، ولا تعبأ بأي شيء سوى أن تنبلج من كتمانها لتفر خارج حواف جمجمتي! ودائما تبعثر لي لحظاتي إشاراتها، دائما ما أترك أثرا أكتشفه لاحقاً، شيئا ما يعبر عن ما أنوي فعله! شيئا ما أعرفه بعد ألا أستطيع إيقاف عواقبه! شيء دمر حياتي شرَّ تدمير، وفي الوقت نفسه أعاد بناءها أيضا! ومجددا، وعيي، هذا المرتبط بالحياة، وبالمجتمع، يكاد يكون أسخف من أن أذكره بوصف! لأنَّه ليس أكثر من محددات للبقاء والسلامة! أما الباقي فيحدث بعيدا عن متناولي، بعيدا عن أدواتي المنطقي، بعيدا عن وعيي! يحدث في منطقة كامنة في أفئدة الشعراء، في ذهنٍ مترامي الأطراف، أستمد من خياله فهماً يكاد يكون جيدا لأشياء الحياة، ومن عصارته بعض القوانين التي أسيّر بها مجمل شؤون حياتي، ولا أستطيع فعل أي شيء، سوى أن أرهن الظروف من أجله، لعله يأتي، لعله يحن عليَّ بالتفرغ لكتابة كتاب متكامل، أو بقصيدة، أو بأغنية راب! تعاملت مع ذهني بمختلف وسائل الاستخفاف، وكانت ردة فعله عنيفة تجاهي، لم أعد أستخف بوجودي، أنا ظلّي، وسأبقى هكذا لنهاية العُمر، يتكثف حسب مستويات الضوء واتجاهه، وأتقافز في وجودي بين العالمين، لكن المصدر الرئيسي واحد، غامض، لا تربطني علاقة حقيقية به، يقرر أن ينطلقَ، وأن يسخرني لأجل تداعياته اللانهائية عندما يشاء، أما أنا، فذلك السادن المطيع له، أنتظر أن يجود علي بما يستطيع أن يجود به، قابلا كل شيء، لحظة كتابة جيدة، أو سيئة، لحظة ألم، أو لحظة صفاء، لحظة سلام، أو لحظة مقت للذات، كالمنوم مغناطيسيا تعودت أن أجعله يفعل ما يحلو له، وأن أقيَّم ببعض الوعي الحاضر خطره فقط، هذا اتفاقي معه لكي لا أقمعه، لا تؤذني، لا تؤذ أحدا، لا تخلط الواقع بالخيال، لا تنسب لي ما لم أعش، ولا تنف ما عشت، اذهب للذاكرة موضوعيا، وللخيال مبدعا، تلك صفقة الحدود القصوى والدنيا، أما كُل ما يحدث ويتجلى بعيدا عني، لا أعرف ذكاءه ولا غباءه، ولا إبداعه ولا تفاهته، أقبل كل ما ينبلجُ من ذلك العدم، وأتأقلم معه بآنية من اللغة أو الكلام أو المسرح الرقمي الحديث الذي به الصوت والصورة. هذا ما يعنيه أن تكون ظاهرةً ذهنية، أن تكون ظلك، أن يختفي وجودك في هذه الحياة لتكون حالةً منطقية من تراكم الأفعال والكلمات والموافق، دائما حالةً منطقية، ودائماً هناك مع وضد، لقد كنت أعلم جيداً أنني دمرت حياتي لسبب ما، ودمرت وجودي الاجتماعي، وفرصي في الحياة، وفعلت المستحيل لكي أكون بلا حياةً، لكنني لم أظن أن العقوبة ستكون بهذا الشكل الموجع! أنني انفصلت كليا عن ظلي، أنه لم يعد تحت سيطرتي، لا أستطيع استدعاءه، الآن في لحظة الصفاء هذه أعلم لماذا دمرت حياتي، وأعلم أنني لست نادما، فعلت كل هذا لأكتب، ولا يهمني أن أكتب ماذا، أو أكتب لمن، يهمني فقط أن أعيش هذه اللحظات الخارجة عن وعيي وإرادتي، وأن أكتشفها، حالي حال أي قارئ آخر، وأن تستمر، وأن تبقى علاقتي مع الكتابة بهذا الشكل المدهش، دهشة دائما، وتساؤل مستمر: أين كان هذا في ذهني! أنظر إلى لحظة الكتابة هذه وأنظر إلى نوعيتها، وكم يليق بها أن تكون جزءا من كتاب، وأقارن بينها وبين لحظات كتابة أخرى، ذات سخف بيّن، الصفقة أن أقبل الحالتين معا، وأن أتركها تتراكم ضمن ظلّي الذي أصبح وجودي الحقيقي، تتراكم، تتفاعل، تصنع مسارها المنفصل عن وجودي في هذه الحياة! أظن أنني أستطيع الآن فقط وصف السبب الذي يجعلني معاوية! هذا الذي دائما يكتب أو يقول شيئا ما! لقد استطعت تدميره تدميرا جيدا حتى أصبح بلا حياة، هو ذلك الذي هو [شيء قيل، أو شيء قيل عنه] ذلك الذي [كتبَ أو كتب عنه] ذلك الذي في الكلمات، والموافق، وردات الفعل، الآن فقط عرفت لماذا كنت بارعا في تدمير حياتي! الآن فقط أعرف لماذا كنت سعيدا في أشد حالات حياتي شقاء وبؤسا، الآن فقط عرفتُ معنى أن تسخر كل واقع حياتك من أجل ظاهرتك الذهنية الباطنة، تلك التي تختار لحظاتها، وليس عليك سوى أن تكون طائعا لها، منفذا كل معاهدات الألم والخسران، عرفت الآن لماذا بيني وبين ذاتي الواقعية برزخ لا أبغي عليه، ولا تبغي عليه، كلانا يحتاج للآخر لكي يعيش، وكلانا لا يستطيع أن يقول للآخر كل شيء، ولذلك وجب علينا أن نتحدث للأبد لنقرب بين كونٍ وكوكب، خيال شاسع وواقع بسيط. حياتي الواقعية صغيرة جدا جدا ولا يتجاوز حجمها شبرين، ولكن لي حياةً أخرى، تغيظ الذي يكرهني، وتسعد الذي يحبني، وهناك يكمن معاوية الظل الذي لا تربطني به علاقة فهم أكثر مما تربطك به أنت عزيزي القارئ، أكثر مما تربط أي غريب علاقة فهم له، معاوية الذي لا أفهمه، وربما لا أريد فهمه، دعه يكون كما يكون، عسى أن يستمر في محاولة أن يكون خيرا، عسى ألا يؤذي أحدا، عسى ألا يهاجم والده مجددا، عسى ألا يكرر أخطاءه، عسى أن يسيطر على غضبه، عسى ألا يتغلب عليه قلقه، وعسى أن يتمكن ذات يوم للوصول إلى الغفران التام والصحي لكل ما عاشه في هذه الحياة لعله سيكتب شيئا جميلا، أو كتابا جيدا قبل أن ينصرف من هذه الحياة في الطريق المنحدرة المؤدية للموت! أحب الحياة، ولا أعبأ بالموت، أحب الكتابة ولا أعبأ بكل ما ينسج حولها من شروطٍ ومعايير، أحب الظل الذي تحولت إليه ولا أريد بناء واقع ينافسه أو يغير من معاهدة السلام بيني وبين ذاتي الكاتبة، أحب حالة المعنى الأثيري المشحون بالتناقضات بيني وبين نفسي، جاهز للحياة، جاهز للكتابة، جاهزة للموت، جاهز للرحيل، جاهز للبقاء، جاهز للدفاع عن نفسي، وجاهز للعيش في سلام، نعم! نعم، الآن فقط عرفت لماذا كنت بارعا في تدمير حياتي! لكي لا أخسر لحظة الكتابة المفاجئة هذه، ولكي لا تمنعني عنها حياةٌ من التعقيدات التي تفسد الكتابة! أنت حقا مجنون يا معاوية! كل هذه القرابين! أنت تعلم أنها كانت تستحق! ولكن هل كان يجب أن تفهم كل هذا وأنت في الحادية والأربعين! يا لها من صفقة لعينة أيها الذهن الحصين المنيع العنيد! لقد أخذت ما أردت، وحان دوري لأستدعيك بلطف، لا ضرر، ولا ضرار، لك الخيال، ولي الذاكرة، لك المعنى ولي الوجود، فلنعد لاتفاقنا وهجه، ولتكن أقل بخلاً مما صرت عليه، سأنفذ جانبي من الصفقة، فنفذ جانبك، ولتتوقف عن بناء الجدران في وجهي! لن أشوهك بواقعي، فلا تشوهني بخيالك! ولكن هذا ما بيننا، لا عدوان، ولا نكران! وعلى ذلك نتفق، وتوكلنا على الله! على بركة الله