تغير العالم! وأشعرُ بالقرفِ تجاه كل
شيء. هذا ما يجب أن يفعله أيُّ إنسانٍ في الأربعين من العُمر استيقظَ معانيا من
آلامِ الظهر. أفتح عيني على عالمٍ جديد اختلفت مألوفاته، وتغيرت قوانينه. تغير كل
شيء. كيف لذلك الذي كان يوماً ما عاديا، ويوميا، ومملاً، بل وتسخطُ منه أن يكون
الآن واقعاً ساحراً يستحق أن يُكتب عنه؟ حقيقة أخرى من حقائق الحياة. حقيقةٌ تسبب
هذا الشعور العارم بالقرف!
هل دار بخلد إنسان كيف تغيرت الكتابةُ بين زماننا هذا وزماننا ذاك؟ من الذي
يستخدم كلمة قُرَّاء الآن؟ لسببٍ ما أفضل الكتابةَ يوميا على كل وسائل النشر المرئية.
القراء اسمه متابعون! أي زمان تعيسٍ نتجه إليه والكتابة تفقد مع الوقت قيمتها الصعبة
لتصبح نصَّا يوميا من السهل أن تصل إليه! كيف تشرح ذلك الزمان لمن يعيشون في هذا
الزمان؟ عليك أن تتقبل أنَّك تعيش في نهايات زمانك وأن تهيئ نفسك لقادم العُمر،
وما قد تكونه ككهلٍ يغذي الاستحقاق الزائد عن الحد في عقله بعدما بدأ جسده بالرحيل
عنه! أليس هذا الذي يفعلونه كل الذين سبقونا؟ وما يدريني أنني سأكون أحدهم، أحد
صناع المشكلة الذين لا يتعاملون مع هلع رحيل لحظتهم عنهم فيجعلون حياة الجميع
جحيما لا يطاق!
نهارٌ مقرف، أستيقظ رافضا فيه العالم الجديد وما آل إليه حال كل شيء. تعود
بي الذاكرة إلى الأيام الخالية من الزحام، الأيام التي كانت بلا هواتف. كيف يمكنك
أن تشرحَ لإنسانٍ أنَّ الناس كانوا يتبادلون الزيارات دونَ اتصال مسبق. وأنَّ
الطبيعي كانَ أن ترنَّ جرس منزل إنسان لا يعرف بمجيئك، ومع ذلك يستقبلك بكرمٍ،
وفرح، وحفاوةٍ؛ لأنَّك أعنته على قتل بعض الوقت الميِّت، لأنك [قفرتَ] به كما
نقولُ في عاميِّتنا الكريمة في معانيها. زمانٌ بلا هواتف ويظنُّ الذي يعيش عصرنا
هذا أنَّه كان أصعب، وأكثر تعقيداً. كل شيء كان أبسط مما هو عليه الآن، ولعل
اقتراب تجربة الواقع الافتراضي الصناعية سيكون عامل الحسم الذي سيسلط سيوف الغربة
على رقاب طمأنينة كُل من وصل الأربعين، ستكون نهاية حسنةً لكل أشكال التحايل على
البعد الطبيعي بين الفرد وبين الناس!
كل شيء أصبح قريبا، الكوكب كاملا أصبح في متناول يدنا، وهذا لا يجعل الحياة
أسهل، يجعل فقدانها وذوبانها في كل شيء أسهل، تغيرت الحياة، وتغير العالم، وتغيرنا
نحن، ولا مقدار من الحنين يمكنه أن يعيد تلك الأيام إلى بساطتها المبهرة!