عقولنا تسمعنا! هذا ما بتُّ
متأكداً من حدوثِه. أدخلُ معركةً من معارك الاعتياد. غير مستعدٍ، وبحالةٍ من
اللامبالاة بالخسارات. أحارب إدماني العميق القديم، سجائر البدايات، ودخان
الساعات. تنفست ما يكفي من القطران والدخان في هذه الحياة، والآن أنا غير قادرٍ
على الكتابة كما عهدت نفسي. تكثر النقاطُ، وتقلُّ الفواصلُ، وأنا في وجه هذا
الهجوم المباغت من قلب اللاوعي. سمعني عقلي، وفهم خطتي، ومقاومتي، وعرف كيف يهجم
مبكراً. اللاوعي بكل غموضه يتأقلم مع الوعي الذي يلعب على المكشوف. والنتيجة؟ هذا
العناء المقلق.
هل اختارَ الذهن العَميق
الحرب مبكراً؟ يفعل ما بوسعه لإيقاظِ مستقبلاته العصبية التي اعتادت على المادة
البديلة. يقول العلم أشياء معقدة عن مستقبلات الأستيل كولين، وعلاقة هذا المستقبل
العصبي مع الدوبامين، والسيروتونين. علاقات معقدة بين النيكوتين والمزاج،
والذاكرة، والانتباه، بل ودراسات شاحبةٌ تربطه بالزهايمر! العين تقرأ شيئا،
واللاوعي يقرأ أشياء أخرى. معركةٌ بين العقل والنفس، الوعي والذهن، الرغبة في
البقاء، والتصالح مع الفناء!
إن كانت الهجمة الأولى
شرسةً، واقتحاميَّة، فإن هذه الهجمة تختلف. هذه الهجمة كاوية، ناعمة، تشبه المبردَ
المبدئي الذي يستخدمُ في إزالة الزوائد عن المباضع التي تستخدم في الجراحة. صنفرةٌ
ذهنيةٌ موجهة للتلاعب بالوعي، وتغيير بوصلة القرارات. وأنا في قلب هذه المعمعة
أراقب هذا الجدال المحتدم، والأمر النهائي بيدي، هل سأنصاع إلى شلَّالٍ من
الطرفين؟ الأوَّلُ يأخذني إلى نشوة الإرادة، والشعور بالقوة، والتغيير. أما الثاني
فيأخذني إلى عدميةِ كُل شيء، والنهاية المحتومة للجسد البشري، والتساؤلات عن جدوى
كُل هذا التعب؟
الهجمة الشرسة تُجابه
بالصمود السلبي. الكمون في موضعٍ واحد، وجعل الوقت يمضي كما هو عليه، أما هذه
الهجمة التي تحكُّ المنطق الهش الذي قمت ببنائه، فحلولها ترطيب كل هذا الكي، منعه
من كحتِ هذه الطبقة من المقاومة. إن كانت الحياة عدماً، فما الذي يجعلني أكمل هذا
العدم مدخناً؟ علما أنَّ الأمر يتعلق بالنيكوتين أكثر مما هو يتعلق بالتدخين. هو
موضوع وقت قبل أن تتحول هذه الجرعات البديلة إلى جرعات ذات أولوية عالية، وسيأخذ
الذهن العميق إدمانه الجديد إلى حالة الصراع من أجل البقاء، وسيرمي بي إلى مختلف
الأنشطة، وسأرى النداءات تتعالى، وفي نهاية المطاف سأذهب بنفسي إلى هذه الورقة
البيضاء، وسأقاوم، وسأحاول فهم الذي يدور وتأمله، وسأخرج ربما بطريقةٍ تعينني على
هذه المعركة المؤجلة.
لقد سمعني ذهني وعرف خطتي.
أبكرت هجماته عن الاعتيادي. قضاءُ الشهر الأوَّل في نشوة إرادة التغيير وقتٌ لم
يعد متاحا. المعركة تغيرت، ووسائل المقاومة التي كنتُ أعتمد عليها تغيرت. إنها حرب
منطقية، صراع مساحات، صراع إرادات، ومن يخضع الآخر في النهاية؟ لعل الأمر ليس
إخضاعا، أم هو إخضاع؟ التفاوض مع الموت إخضاع، تقبله بشكل ما أو بآخر هو الانتصار
الحقيقي لأي هجمة عدمية قادمة من دهاليز اللاوعي المظلمة. لم أحسم هذا السؤال بعد،
هل أتفاوض مع ذهني؟ أم أقيم جدارا عازلا؟ وهل الجدار العازل يجدي؟ هو موضوع وقت
قبل أن تتسرب الأفكار عبره، يجب أن أصنع آلةً عقليةً تتعايش مع هذه الإفرازات
الذهنية، آلة تأخذها من أسئلة الفناء والموت إلى أسئلة الحياة وتحقيق الذات وصناعة
معنى من كل هذا الحطام الدنيوي!
كلمة "حُطام"
تكفي لأعرف أين موضعي من كل هذه الهجمات، لا أشعر بمتعة أي شيء، ولا بالانتماء
للحياة، ولا بالرغبة في أي سعادة، النيكوتين الضعيف الذي أستبدل به ذلك الإشباع
الزائد عن الحد يجعل كل شيء محتملا، لكن المعركة لم تبدأ بعد! وهذه الهجمة لن تكون
الأخيرة، لكنني أعرف أنَّ هذه الورقة البيضاء ستكون سلاحي الأكبر. عرفت استراتيجية
أولى! عندما تحدث تلك الهجمة يجب أن أغير اتجاه تفكيري، إلى عكس اتجاهها، إلى
الكتابة عنها، وتفتيتها، وفهمها، الخطأ الشائع الذي كنت أفعله هو الهجوم في موضع
آخر، وذلك الوهم الذي يسمى [تفريغ العصبية] في شيء آخر، اتجاه الهجوم خطأ! هذا
يساعد الهجمات على إقناعي أنَّ الإدمان العميق للسجائر يجعلني هادئا! إن كان ثمة
غضب، فليكن ضد هذه العادة، وليكن ضد هذه المادة التي أسوأ ما فيها أنها مباحة
ومتاحةً، العزلة والبعد عن الجميع ليست حلولا، الإغراق في الأنشطة الدوبامينية
المُشبعة ليس حلا، الحل هو المواجهة المنطقية، ويبدو أنني قد وضعت بعض أساسيات
المعركة، ولتكن الشطرنج بيني وبينك يا ذهني المرهق العزيز!
معاوية
1/9/2024