بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2024

النجاة قبل الحياة!

عدتُ للتو من جلسة العودة لتنس الطاولة، هل كانت ستة أسابيع؟ أم شهر فقط من الانقطاع التام عن كل أشكال الرياضة؟ الصنفرة العدمية كانت تشتغل على أجمد وجه. ولا أظن أنه من الممكن أن أذهب إلى صالة التنس في نفسيةٍ أسوأ من هذه التي أنا عليها. منقطع عن التدخين قبل أيام، لا شعور بالسعادة، خمول تام، الهجمات المنطقية من التعوّد العميق على التدخين تهاجم بضراوة، الكتابة متأثرة، التفكير متأثر، قدرتي على العمل الشاق لساعات طويلة متأثرة، ومزاجي يميل للصمت وتجنب الحديث الطويل، لا أركز في الشطرنج، ولا أركز في الجيمنج، وكُل الأفكار العدمية عن الموت وتقبل السرطان، وتقبل الموت التي كانت تهجم عادة بعد شهرين من [نشعة] الانقطاع والشعور بالإرادة هجمت مبكرا!

نداء العدمية الغامض يأتي من اللاوعي، ومعه يأتي نداء الأمل. وذهبت لجلسة تمرين، لم تستمر أكثر من ساعتين، وكأنني في لعبة تعاني من ما يسميه الجيمرز [اللاج] ذلك التأخير بين أمر التنفيذ والتنفيذ الفعلي. لم أفقد مهارتي كما كنت أحسب، لكنني كنت أشعر أن شيئا ما ليس على ما يرام. أعود إلى سابق عهدٍ، ولست أصنع شيئا جديدا.

لا أعرف ما العلاقة الوثيقة وقوتها بين مستقبلات [الأستيل كولين] إن كنت أتذكرها جيدا، وارتباط ذلك مع مستقبلات أخرى، الدوبامان، وذلك الذي به نفرين وأبوالنفرين وأبو الثلاثة أنفار، والخلطة المعقدة بين تأثير النيكوتين على هذه المستقبلات. لخبطة لا أظن أنني بحاجة لفهمها، بقدر ما أحتاج لإثبات وجود علاقة بين النيكوتين وباقي مستقبلات الشعور بالسعادة، والرضا، خبصة لا بارض حقيقي لأذاكرها.
كل شيء يتأثر، الدافع، الإشباع، والشعور العام، والانطلاق، والتفكير المستمر بالتطور والنمو. كل ذلك تعرض لضربة حتمية، والنتيجة أن هذه الجلسة من الرياضة أيضا كانت ذات إشباعٍ عادي جدا. ثمَّة شيء يمنع كل ما هو مبهجٍ من غزو العقل بسهولة!

على الجانب الآخر، المزاج ثنائي القطب المندفع الذي دائما ما يحرجني، ودائما ما يضعني في مواقف سيئة، يبدو أنه متراجع كليا عن حياتي، لا أشعر بأن دماغي في حالة حركة عالية، ليس بطيئا، لست مكتئبا، لكنني قطعا لست بتلك السرعة التي تُفقدني توازني الفكري والسلوكي أحيانا!
هذا أكثر ما أمقته في اضطراب المزاج المزمن، هذه الموجات التي تشعرني بالتهديد، تخيفني من العواقب، أخاف أن "أنزحط" في إحدى لحظات الانطلاق زيادة عن اللازم، تلك الموجية التي تأقلمت عليها معظم عُمري، يبدو أنَّها في حالة كمون مخادع، هذا الانطفاء المؤقت، حالةٌ نادرةٌ من الهدوء الحقيقي. هل هذا هو العقل الطبيعي؟

إن كان ثمة شيء تعلمته من ثنائية القطبين، ونوباتها، فهو الخوف الشديد من الحماسة. لأنَّها قابلة لتدمير كل شيء، هل تعلم معنى أن تتعرض لصدمات متعددة من الخوف من دماغك؟ تزحلق سريع، قهوة زيادة عن اللازم، سهر ليوم أو يومين، استجابة لأجواء الاستثارة المزاجية، تزداد سرعة الكلام، تتسارع الأفكار، سيالات الكتابة تصبح بعشرات الصفحات، شعور عارم بالثقة، وكأن تلك اللحظة لا تتوقف، ولا تنتهي، وأنا هُناك تحت وطأتها وسيطرتها، أريد المزيد، المزيد من النشاط، المزيد! وبعدها!

لا أعرف متى عشت آخر نوبةٍ لي؟ كل هذا لغزٌ لا أملك إجابته، كل الذي أمامي دساتير الأطباء وأرقامهم، متى كانت نوبة كبرى، متى كانت نوبة صغرى! متى تستدعي التنويم، متى تستدعي التدخل الدوائي الجذري، متى تُخدَّر بجرعة عالية فقط لكي يعود عقلك إلى مستوى معقول من النشاط. لكن في حالة الاستقرار المعركة تأخذ طابعا مختلفا، أن تكون مراقبا لصيقا لحالة عقلك، لأنك تخاف منه! ويا إلهي، الاكتئاب! صديق جيد للغاية أمام نوبة الهوس التي لا تبقي ولا تذر، بكل ما فيها من تهور واندفاع، ومع إنسانٍ عاشَ ما يكفيه من الصدمات! تكون الخلطة مروعة!

أنا أعرف أنني أعاني من معضلة عقلية مزمنة، ثنائية القطب، واضطراب الشخصية التشخيصان الرئيسيان اللذان بقيت أتلقاهما حتى أكملت خمس سنوات من الاستقرار القطبي، بلا نوبات تقريبا! ربما بين الشهور مزاح ثقيل من الاكتئاب، ومزاح خفيف من المزاج المشحون بالسعادة غير المسببة، مشكلة التركيز، الوسواس الذي يكاد يفوق الحد الطبيعي، الانتباه المرهق للتفاصيل، والمعايير العالية، خلطةٌ من السلوك والطبائع والخصال، والباقي في المشهد الكبير هو الخوف الكبير من الخروج عن السيطرة، مضاد الاكتئاب الصديق/العدو المنقذ والخطر الأكبر، والجرعة التي يجب أن يضبطها الطبيب بحرفنة!

قبح المرض النفسي، ليس قبحا في حد ذاته. القبيح حقاً عندما كانت حالتي محل جدلٍ محلي، بين الجاهل والعالم، بين السفيه والحكيم، والعالم والمتعالم، والذي لا ناقة له ولا جمل في عالم فهم الأمراض. كان المشهد قبيحا ويختصر في كلمتين [يستحق السجن/ لا يستحق السجن] هذا كان الشغل الشاغل للغرباء الذين سمحت لهم الظروف بذلك التدخل السمج والوقح في حياة إنسان! أما ماذا عن استقرار هذا الإنسان؟ ماذا عن حياته؟ ماذا عن حقوقه! السؤال كان يصل متأخرا، متأخرا للغاية.

الآن! لم أعد أهتم لأسئلة الإطار العريض، ولا أهتم حقا للتشخيص الكبير، لعبة الملفات هذه لا تهمني، أعلم أن مزاجي قابل للذهاب لنوبة هوس إن لم أنتبه له، أعلم أنه يجب أن أبني وسائل علاجية متعددة للحفاظ على نفسي من عدم الاكتئاب، ومن اندفاع المزاج الخارج عن السيطرة، ذلك الحصان الهائج الذي يتحول إليه دماغي، وهات يا تعقيدات بسبب حياتي العجيبة بكل سجونها، وقطيعتها، ومراحلها الفكرية، ومآلاتها النهائية التي لا أزعم أنني فهمتها كليا!

يا إلهي! عُمان فعلا دولة لا تريد أن تخسر عقلك فيها، الخوف من ذلك الانتهاك الصارخ لكل حقوقك، وأن يلغَ كل كلب شامت في حالك، أن يتفلسفَ حتى ذلك الجاهلُ الذي يتقيأ الثورية الصدامية في الحانة ليخبرك كيف تعيش حياتَك، امسك عليك عقلك، إن أردت أن تعيش في عُمان، وفي مجتمعها العربي الخليجي، امسك عليك عقلك، هذه بلاد حقاً النجاة فيها صعبة للغاية وأنت لا تمسك بتلابيب عقلك بشكل محكم!

تمر سنةٌ إضافية من انتهاء حكاية جنوني، العمر يلعب دورا، والعائلة تلعب ألف دور، الأصدقاء يلعبون خمسمائة دور، الرياضة تلعب مائة دور، والتأمل الصحيح يلعب مائتي دور، والثقة بالله تلعب خمسة آلاف دور في جعل هذه القصة منتهية، قصة معاوية، وجنونه، ومرضه النفسي، وهجرته، وطول لسانه، وتمرده، وتناقضه، وكُل ما ولغت فيه ألسنة الكلاب، وكل ما تألمت لنطقه ألسنة الأصحاب، بين العدو والصديق، كل تلك المعمعة تحولت إلى مهرجان صغيرة من الهمسات والنمائم، أصبح من المخجل أن تشمتَ في معاوية بعد أن قام بجانبه من الصفقة الاجتماعية، والسياسية، إنسان يعيش في حاله ولا يهاجم أحدا! أصبح من السهل أن يدافع عن نفسه أمام معتدٍ بادئ بالعدوان! أما تلك المعمعة السابقة! من هبَّ ودبَّ يقول في حقي ما يشاء، كانت متاهةً لا نهاية لها! جزاك الله كل الخير أيها السلطان هيثم بن طارق! أنقذتني من تعاسة حقيقية!

متعايشٌ ومتأقلم مع كل هذه الظروف بشكل ما أو بآخر، أصنع منطقا علميا محكماً لكل ما كنت أرتجله من حلول، مع تقدمي في تخصص علم النفس أكتسب لغةً وتعريفا لما أفعله، وأجد قالبا، وتجربة تراكمية، ورأيا علميا قاطعاً يرجّح ثنائيات حيرتي. ثمّة كفة تنتصر بكل نتائجها وضرائبها، وهذا ليس محزنا، ميزان معقول، منصف، وأدعى للحياة به من ذلك المبني على تضارب الأحكام، والتي من أقبحها ذلك الحكم بالإعدام على عقلي الذي أصدره البعض، الحكم الذي يمنعني من الكتابة، الحكم الظالم، غير العلمي، الجاهل، الذي يتشدق به الموسوسون المتباهين بخوفهم من ظلهم وعدم ثقتهم بأي شيء وعدم استعدادهم، وغضبهم من مبدأ الفرصة الثانية لأي مخلوق!

يا إلهي، كانت تجربة قبيحة بمعنى الكلمة! لم أكن أعلم أنها ستكون ثروةً جميلة لطالب علم نفس إن تحول إلى أخصائي ذات يوم فسوف يتمكن من كتابة أشياء جيدة للغاية، أشياء ستكتب في وقتها، وفي أوانها، وإن شاء الله أن تكون مفيدة ونافعة للآخرين، فسوف تكون!

لم أنج، أنا أواصل النجاة، ولم أتجاوز، أنا أصنع ما يكفي من الحواجز التي تمنع الانهيار، ولم تتوقف معاناتي، هي مستقرة نتيجة الظروف والمجالدة، والمغالبة، ولكن بشكل عام أستطيع أن أقول أنني لست تعيسا، لست يائسا، لست مهزوما، ولست معاوية الذي يقبل أن يُظلم حقٌّ واحد من حقوقه. من بين كل ثقافات العالم، ودول العالم، ومجتمعات العالم! عُمان، آخر بلاد تفرط فيها بثباتك العقلي، واتزانك النفسي، لأنَّك هُنا في دولة قليلة السكان، وهذه كارثةٌ حقيقية أثناء أزمتك، ونعمة حقيقية بعد نهايتها، السؤال سؤال نجاة قبل أسئلة الحياة.

والحمد لله على كل حال

معاوية

3/9/2024