أربع سنوات في مهنة الإعلانات، وأنا أنضرب من جدار لجدار في عالم [البزنس] .. تخيل، مثقف وكاتب ومدون ويحصل نفسه [مشهور] .. ما عرفت بصراحة أتأقلم مع هذا الذي يسمى عالم المشاهير، أؤديه كمهنة، وأحاول أتقن مهنتي قدر الإمكان، لكنني بكل صدق، أشد تعاسة من هذه السعادة التي يجيدها زملائي في الساحة بكل اقتدار!
مقدار هائل من المهنية والاحتراف الحقيقي تحتاجه عشان تكون بهذه الطاقة! اليومية! وبعد أربع سنوات من دوار الرأس أخيرا اكتشفت الخط الذي سأمشي عليه، والمحتوى الذي سأصنعه، والمنصات التي سأشتغل فيها، بعد تجارب وخيبات وضغط واحتراق.
المعلن كائن صعب للغاية، وبكل صدق لا يوجد شيء يستنزف الجهد مثل معلن يريد إعلانا بكل تقنيات التصوير لكنه يريد أن يدفع مبلغا بسيطا، وأنا أسعار الإعلانات عندي بسيطة، وكل واحد ونموذجه.
سهل جدا جدا إنك تكون غشاش وكذاب في عالم الدعاية، تنفخ إعلان نشرته بروبوت وتوصل زياراته مئات الألوف، هذا اسمه غش ومال حرام، وهذا يتعبني جدا في سوق الإعلانات، إني عنيد للغاية، فكرة إني أسوي مسابقات وأصنع بها جمهور من الأرقام هذي فكرة غير مطروحة، مع إنه صحيح المسابقات تجيب متابع حقيقي، لكنه متابع [متابع] ما يتبع خطاب ولا حكاية إنسان. وبصراحة هذا اللي اسمه [جمهور] يحول حياتك جحيم. كيف أتعامل مع شخص ما قرأ لي حرف في حياته؟ عشان كذاك تويتر هو مكاني المفضل.
أنا بصراحة تعبت من محتوى ماريو الذي يصرخ، أو الذي يصنع محتوى بس عشان يحافظ على المنصة نشطة، ومستعد أقبل بأرقام أقل لكنني سأنشر المحتوى الذي أنا أحبه، والمعلن الذي يبحث عن الضجة والصخب لعله يجب أن يبحث عن شخص غيري. هذي مقاربتي الجديدة في مهنتي.
هو خيار صعب، ودخلي سيقل بمعنى الكلمة سيقل، لأنني سأخرج من [مؤثر الستوريات] إلى المدون، لكنني أقبل بدخل أقل لأنه الخيار الثاني صح مربح جدا، لكنه فعلا فعلا فوق طاقتي! اشتغلته أربع سنوات واحترقت نفسيا بكل معاني الاحتراق!
أسوي إعلانات كمدون، ما كمشهور، أسوي تغطيات كمدون، ما كمشهور، أكتب سيناريو، أعتمده مع فريق شغوف، أسوي شيء ولو كان بسيط وما فيه [ضجيج هائل] لكنه يعبر عن قراري، وعن حقيقتي كإنسان فعلا فعلا فعلا هادئ في معظم أيامه.
شخصية المشهور هذي بدأت تضايقني فعلا، لأني فعلا حائر ما عارف موه أسوي بها! صح الفلوس حلوات، لكن الضريبة هائلة! حياتك صداع، وقتك كامل يروح لهذي المهنة، لازم تعطيها حياتك، ووقتك، وتركيزك، ولازم تكون موجود في كل مكان، ولازم موه؟ لازم تشتغل على سناب شات، أبغض ما خلق الله في السوشال ميديا هو هذا التطبيق الملعون اللي يحسسني إنه الإبداع ما يله قيمة، مؤقت!
كنت أكره تويتر بمعنى الكلمة لكنني سامحته لما صار يسمح لي أنطلق في الكتابة على راحتي، وكذلك أنشر نسخة من التدوينات في مدونتي، ولو تويتر كان على الطبّة القديمة مال ميتين حرف، كنت أيضا سأعلن مغادرتي له. أسميني لن أشتاق سناب مطلقا، أخليه فقط للفعاليات، وللتغطيات، ويكون مبني فقط على تصوير حدث يحول لاحقا لتدوينات.
هذي المدرسة الجديدة، وأعرف إنه فلوسها أقل، لكنني أفضل أكون سعيد ولا أكون غني وتعيس. مدوّن في مجال الإعلانات، أما هذي سالفة [مشهور] أسميني فرحان جدا لأنها ستسحب من حياتي تدريجيا، أمامي تغييرات جذرية في صناعة المحتوى، وشعور بالسعادة على اتخاذي مسار مهني مختلف.
المهم، هذا الإعلان هو أكثر إعلان أعتز به، وهو أول إعلان حقيقي يعبر عن رؤيتي لهذه المهنة، سيناريو، وتم تنفيذه، أخذ وقته، تم تخيله قبل تصويره، ولاحقا تم تنفيذ الخيال، وكان قريب جدا من ذلك الشعور، الأداء فيه تغير عن نظام صريخ المشاهير، وحاس إنه هي هذي المدرسة التي سأستمر عليها. قد لا يكون لها سوق كبير، معظم التجار يفضلون نظام الإعلان بالصريخ، وأنا عن نفسي ما معي مشكلة أسوي إعلان في هذا القالب، لكن أسويه فقط من باب أداء الواجب واحترام تفضيلات العميل، بس الشغل اللي أحب أشتغله هو هذا في هذا الإعلان اللي بصراحة فرحان به واجد.
أحسّه كذا إعلان مثقّف، لازوردي، قريب جدا من روحي الحقيقية.
عموما، أنا كائن كئيب، مليء بالتعاسة والجروح، وبي خيبات مهولة، صعب أشتغل [سعيد] بس عشان السوشال ميديا تتطلب ذلك، كنت قبل فترة أقدر أؤدي هذه المهنة [السعيد دائما] بس أظن أنني وصلت حدي، أعيش تعاستي بصدق، وعاد يوووووم أضطر أضطر أخرج في حالات قليلة في سناب شات وثقافة الستوري البغيضة فقط لأنني أؤدي واجب، ما لأنني أريد ذلك.
قدامي شغل هائل يخص اليوتيوب، وشغل هائل يخص المحتوى المكتوب، وكل شيء من الآن فصاعدا يكتب له [سكربت] وينفذ بعد كتابته، وأقدر أقول إنه مرحلة محتوى [الصريخ] تعيش أيامها الأخيرة، زيارات واجد ولا زيارات شوية، يوم تجي مادة كوميدية زينة وتبث السعادة أسجلها وأنشرها، ويوم ما شيء، أسوي حاجة أفرغ بها غضبي، لكن ما شيء يتجاوز كونه لحظة، اللحظة اللي أنتمي لها هي هذي اللي تو أكتب فيها.
أشعر براحة تامَّة، هذا القرار كان محيرني لفترة طويلة، ولا أعلم كم سيأخذ حتى أنفذه، لكنني على الأقل أبدا طريقي نحوه.
المهم، هذا الإعلان أعتبره أول إعلان حقيقي أنتمي له. لحظة تستحق الاحتفال.
وهلابلاه
ما يضبط، الشهرة مهنة، ما تحقق، ما نجاح، ما شيء جيد أو سيء، هي مهنة، تشتغلها وتكد وتكرف فيها إلين توصل لمجموعة كبيرة من الناس، وعاد وأنت مقاربتك!
وأصلا هذا النموذج ما اخترته، وجدت أنني صرت عملة متداولة في عالم الواتساب بعد تجربتي في بريطانيا، وطبعا ما الذي سينشر وينال [الشهرة، والتريند] شيء من السب والشتم والمحتوى الخارج عن السياق الداخلي العماني.
كان طموحي في هذه الحياة الكوميديا، بس بعد ما صرت كائن تعيس يتقبل جروحه واكتئابه العميق، كنسلت الفكرة، وعاد لما رجعت عمان كانت معي معضلات اندماج حقيقية، وتعاملت مع الموضوع كرزق ولقمة عيش، والحمد لله كونت بعض الحرية المالية، ومصادر دخل معقولة مع معلنين مرتاح لهم ومرتاحين لي، لي أخطاء، ولي إخفاقات، ولكن في المجمل أن تكون [مشهوراً] هذي مهنة، متعبة، تشتغلها، وممكن توصلها حتى بلا موهبةبس عاد تكون شخص معه بارض فلكي! يعني هذي شغله ليل نهار لازم تشتغلها، وما شيء معك وقت، طول وقتك تصنع محتوى، وتنط من مكان لمكان، وتكون حاضر، وبعده لازم تتواصل مع المعلنين وتتفق معهم وتصنع صفقات، وغير، وغير، وغير، وغير، مهنة صعبة ولا تطاق وأحيانا ما فيها أي سعادة.
وصفة الشهرة ما صعبة، لكن أن تكون لديك شهرة حقيقية! أجمل شهرة في عمان بلا منازع شهرة محمد النوفلي، ما شاء الله، شفته في العراق والناس تركض عشان تصور معه، من كل الأعمار، شفته في صلالة وما قدرت أمشي مترين من الزحمة اللي حوله. هذي شهرة الواحد يتمناها، شهرة موهبة، ما شهرة منصات!
موهبتي في الراب ووحدها تحتاج وقت، بس ما تضرب كما المواهب التي تنفع تسوي [موهبة/شهرة] .. إنك تكون صاحب منصة نشطة وتصير [مشهور] معك ألف وصفة:
- تستوي جلاد، ومتنمر، ويكون كل محتواك ملاحقة سقطات الآخرين، تخليك مشهور وجمهورك كله ناس يحبون الشماتة.
- تستوي مال [المجتمع يريد] وتشتغل عشان ترسخ التحيزات العمومية، أيضا بتحصل جمهور يحب الوصاية، ويؤيدك على ممارستها.
- تستوي ليبرالي، وتتحدى المجتمع، ولكن تكون ذكي وما تخالف القانون، ايضا بتحصل جمهور، يا يكون فرداني جدا، أو يكون ضمن كثيرين يتمنون حياة الحرية الفردية بكل جوانبها.
- تستوي مطوع جلاد الفاسقين وملاعين الوالدين، ممكن، تصير مشهور مع جمهور عريض، وكل ما كنت شراني وعصبي وتعق كلام قاسي زادت شهرتك.
وعشان تكون مشهور في عمان؟؟ ما يبغالك أكثر من كم شهر، بس تعرف كيف توصل، وخلاص بعدها عاد شغل نفسك تجاريا، وانته ونصيبك وذكاءك في الإعلان وقدرتك المهنية. بس السؤال ليس قبل الشهرة أو الانتشار أو بناء المنصة، السؤال بعده هل تطيق هذه الحياة؟
لأنها فعلا حياة صعبة! والله العظيم حياة صعبة ومرهقة جدا جدا، يبغالها صبر، وكبد، ويحتاج لها طاقة، وشغل ليل نهار، عشان يعرفوك مائة ألف إنسان ويتابعوك هذا شيء، عشان تكسب من منصتك هذا شغل ثاني، شغل عسير جدا جدا.
المهم، كلمة [مشاهير حقيقيين] فيها مغالطة كبيرة، المشهور هو من يعرف بالخير أو الشر، ما شهادة تكريم أو نجاح، ولعلك [تقصد/تقصدين] أن يكون الحضور الاجتماعي للنخب؟ يا سلام! هذا هو الدمار بعينه، معنا قسوة شديدة جدا في الواقع الرقمي، قسوة هائلة، وهذا الواقع يحمل أعباء تقصير مؤسسات الإعلام وأفقها الضيق، ظاهرة المشاهير كلها جاية بسبب تقصير مؤسسات إعلامية وثقافية في تقديم نماذج محلية لكل هذا الذي يحدث في العالم الحديث.
أعتبرها تجربة معرفية مذهلة ودسمة، لكن هذي الطاقة مال كل يوم أنط من مكان لمكان، وكل يوم أشتغل [سعيد] وأخفي تعاستي وشعوري بالخيبة من العالم، لا والله، أكون بكامل طيفي الوجداني حاضر، منصتي، وحر مالي، وأنا أفعل بها ما أراه مناسبا، أما هذي سالفة مهنة الشهرة، يوم يجي شغل أسويه، بعدين أرجع أكتئب كما أي إنسان طبيعي وعاقل!
وبس، هذا اللي حبيت أوضحه لأنني اليوم حاب أكتب بلا توقف.