الطريقة قليلة التكلفة التي يُعامل بها مدمنو المخدرات الثقيلة. ولا سيما هذه الشرسة جدا في إدمانها مثل المورفين، والهيروين. مصحات إدمان كثيرة تمارس هذا السلوك. لماذا يمارس؟ لأنه تكلفته أقل، سجن بس باسم مصحة. وعواقبه وخيمة، من مدمن إلى شخص يمر بتجربة شاقة بمعنى الكلمة، وانسحاب شديد الوطأة، يجن، ويتألم، ويعيش الآثار الانسحابية، ويطلع من هناك مصدوم بطريقة تجعل عودته للإدمان ربما خيارا مطروحا أمام ما يعاني منه من آثار هذه التجربة.
المجتمع يتعامل مع المدمن بقسوة شديدة للغاية، وعائلة المدمن أحيانا تتعامل معه بيأس تام، يأس يقوده إلى العودة للإدمان مرارا وتكرارا، والسؤال: هل هدفي فقط أن يتوقف عن الإدمان؟ أم الهدف أن يغرس حب الحياة، والنجاح، والعمل، والإنتاج، والسعادة التي تأتي من الإنجاز والحب؟
لأنك لو بغيت الصدق، أنت لا تدعو المدمن إلى حياة جميلة، على صعيد السعادة! هو يعيش سعادة حقيقية كيماوية تفوق كل ما يمكن أن يعيشه إنسان غير مدمن، أين المشكلة في الإدمان؟ أن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا بطريقة نحتمل فيها هذه السعادة الكيماوية، هل خلقنا الله نستطيع أن يكون كل طعامنا سكّر؟ كل يومك تأكل سكر؟ ما نهايتك؟ ستمرض!
الأمر نفسه، لسبب ما ولحكمة ما لا يوجد إدمان ليس له نهاية تعيسة، كلما ثقلت المادة الإدمانية كانت عواقبها أشد وخامة. قد تتأجل ربما لسنوات، لكنها ستزور المدمن عاجلا أم آجلا.
تتعامل مع مدمن، لو كانت كل همَّك [يغيب، بس المهم يوقف] معناه سيكون لديك مدمن متعافٍ، ولكن مكتئب، بلا طموح في هذه الحياة، وبلا طريقة للعودة، ولا للاندماج مع المجتمع، وعاد لو كان مدمن مال مشاكل، معناه احتمال تخليه يدفع ثمن كل المشاكل اللي عملها فيك وهو مدمن، لكن بعد ما يتعافى، يعني انتقام نفسي وهو في وسط معمعة سؤال وجودي كبير: أصلا ليش يكمل الحياة بدون إدمان!!! لأنه اللي يعيشه عبارة عن مستقبلات عصبية غير قادرة على السعادة بسهولة، وفوق ذلك، ما شيء سلوك فيه مكافأة على إنه يعيش ويحاول ينجح، ومعه ألف سؤال: ليش أتعب نفسي هذا التعب؟ الحياة بدون إدمان أصعب، والشخص اللي يدمن يحتاج جهد هائل، ودعم حقيقي، ويحتاج تعاطف بمعنى الكلمة عشان يقطع شوط ويصنع معنى للحياة غير هذاك المعنى الكيماوي.
لازم يفهم الجميع شيء، لما تدعو مدمن عشان ينقطع، أنت ما تدعوه لحياة أجمل، تدعوه لتحدي، ولازم تغرس في نفسه إنه هذي طبيعة الحياة، لا تعاش بإدمان كيماوي يجعلك في سعادة مموهة ومزيفة، وإنه اللي الله يرحمه ويفلس، وشيء ناس أغنياء نهايتهم جرعة زايدة، أعان الله كل مدمن مورفين، وأي عائلة فيها مدمن مورفين أو هيروين أو شبو، يحتاجون لدعم نفسي، وإرشاد، وجلسات علاج إدراكية، وإشراف اجتماعي، وعائلة تساعدهم على العودة إلى حب الحياة، وتقبل أن المكافأة فيها شحيحة، ولازم تتعب عشان تشعر برضا، كلما طالت مدة الإدمان كان من الصعب على المدمن المتعافي الاندماج مع الناس والمجتمع، أصلا الوصمة اللي يعيشها ستلاحقه للنهاية، حتى من السفيه اللي ما له علاقة بإدمانه وما تضرر منه!
التحدي عالمي، والمدمن له حقوق، وقليل منهم ينجو من مأزق الإدمان لحياة منطقية، بعضهم يخرج من الإدمان بتلف دماغي، أو جسدي دائم، بعضهم لديه أصلا مرض عقلي أو نفسي لم يعالج وتفاقم، ومعظمهم يدورون في دوامة الاكتئاب، بعضهم يدمن صامتا منعزلا، وبعضهم يتعافى في عزلة تامَّة دون تدريب على الحياة الاجتماعية، ومن تلوم؟ العائلة؟ مسكينة هذه العائلة التي عليها أن تدرس تخصص علم النفس لأربع سنوات فقط لكي تفهم ما الذي يمر به المدمن، لا عائلة جاهزة لفهم هذا الشيء.
علاج الإدمان في العالم كله يحتاج لمؤسسات حقيقية، تؤمن بهم كبشر لديهم حق في الحياة، وحق في إرشادهم لطموح يذهبون له، يتعافون، يفحصون دوريا، يتدخل الأخصائيون فورا في حال انتكاسهم، والعائلة تتلقى الإرشادات من المختصين النفسيين والأطباء، ومنظومة حماية متكاملة.
في حياة كل مدمن متعافٍ ذلك رقم الهاتف للتاجر الذي يشتري منه، وفي حياة كل مدمن متعاف لحظة إغراء ممكن أن تنسف سنوات من التعافي، وفي حياة كل مدمن النكسة التي قد تجعله يعود للإدمان، فكرة النكسة ليست مفزعة بقدر فكرة عدم تداركها سريعا.
أعان الله كل مدمن، وكل عائلة بها مدمن، التعامل معهم صعب جدا جدا، والبعض يظن أن القسوة هي الحل! أو التنصل التام، أو فقط القبول بالأمر الواقع، ينتظر أن يسجن أو أن يموت بجرعة زائدة، لأنه ليس بيده شيء!
فعلا، أعان الله كل مدمن، وعائلة كل مدمن، بلاء حقيقي تعاني منه مئات الأسر، وفي كل دول العالم، يسقط ضحايا هذه السموم القاتلة المصنعة بإتقان والموزعة بكل شيطانية ربحية لا تقيم أدنى اعتبار لحياة إنسان أو لمشاعر عائلة.
الشر موجود في هذا العالم، موجود وإنكاره ليس أكثر من خطوة أولى للشر لكي يجدا ضحيته القادمة!