عشتُ تجربةً جديدةً للغاية اليوم، متعددة الملامح الأبعاد، وايضاً على صعيد ردة الفعل كانت التجربة مختلفة. وأستطيع أن أقول بصراحة تامَّة أنني لأوَّل مرة أستفيد من الذين يعلقون بغضبٍ وسخطٍ، ليس لأنني أتفق معهم بالضرورة، ولكن لأنَّهم نبهوني إلى نقاط وجيهة جدا تتعلقُ بحضور وتغطية الفعاليات الرياضية.
يبدو أن البعض غضب علي بمعنى الكلمة عندما نقلت صورة التنظيم الذي كانَ في هذه الفعالية. وأنا لم أبالغ، ولم أزوِّر، ولم أجامل، ولم أدلس أي حقيقة، التنظيم فعلا كان دقيقاً، الطائرة التي أخذت رابطة المشجعين بقيت مكانها تنتظر في حال لا سمح الله لم يجد المشجعون مقاعد لهم! والإشارة إلى الأحداث التي حدثت أيام كأس الخليج!
الاستعداد لم يكن فقط من الجانب العُماني، أيضا من الجانب العراقي، كان هناك سلوك تعويضي واضح للغاية، الاستقبال من المطار، تهيئة الطرقات، حماية حافلات المشجعين، المدخل المخصص، تسهيل الإجراءات، هذا ليس رأيي فقط، هذا رأي معظم الذين شاركوا في هذه الرحلة.
لا أميل إلى الاستجابة إلى خطاب الذي لسان حاله يقول "معاوية، اغضب نيابة عني" فالذي يريد أن يغضب على الاتحاد، يغضب على الاتحاد، والذي يريد أن يغضب على المنتخب، يغضب على المنتخب، هذا حقه، وشأنه! لكن لا يحق له أن يهاجمني أنا لأغضب نيابة عنه، وأن يضعني بين المطرقة والسندان، إما أن أستجيب لخطاب السخط والغضب، أو بالتالي أنال ما أناله من غضبه وسخطه، علما أن الهجوم الذي تعرضت له لم يكن سيئا كثيرا، كان جارحا بعض الشيء لكنه لم يخلُ من بعض الصحة، كنت دبلوماسيا زيادة عن اللازم وأخذتني دهشة المكان الجديد، وزيارة العراق! ويا إلهي! إنها العراق، بحضارتها، وتاريخها، وأدبائها، وحضورها الباذخ في ذاكرة الأدب والشعر والتاريخ والسياسة والحضارة بشكل عام!
دهشتي في هذه الرحلة كانت فعلا هي العراق، ولعل البعض استفزه ذلك، عراق الجواهري، عراق السياب، عراق ناظم الغزالي، عراق طالعة من بيت أبوها، عراق فوق إلنا خل، عراق الأشياء الكثيرة التي في الذاكرة. أما مباراة المنتخب! ليس لدي رأي كروي ذا بال يمكن أن يغير معادلة النتائج! لدي رأي تجاه جهود الشباب الذين نظموا مسار الرابطة، جهودهم، وتعبهم، وتنسيقهم مع الجانب العراقي الذي أيضا أبدا كل التعاون في سبيل عدم تكرار ما حدث أيام كأس الخليج، المشاكل التي لم أكن حاضرا فيها ولم أعلم عنها سوى من المتناثر من مواد الميديا المرئية هنا وهناك في العالم الرقمي.
تجربة جديدة على الصعيد المعرفي، أجواء المشجعين، فكرة [الرابطة] وكيف هي عبارة عن طاقة تبح فيها الحناجر، وتتعب فيها العقول، وتبث الطاقة بكل قدرتها في الجماهير الحاضرة، وفي المنتخب الذي يلعب في الميدان. كيف رأيت المنتخب! لعب مباراةً لم ينقصها سوى هدف، هذا ما استطيع قوله، الجميع يتكلم عن الحاجة لمهاجم [صريح] هل هذا هو الصواب؟ أم هذا تحليل الذي يجلس في تويتر ويظن أنه يفهم أكثر من المدرب الذي لديه المشهد اللصيق مع اللاعبين، وإصاباتهم، وتفاوت مستوياتهم، فضلا عن خططه الأخرى! لأن هذا محتمل. أن الغاضب الساخط على أداء المنتخب فعلا يفهم كرة القدم ويشخص الأخطاء، ويتحدث بنية سليمة تقود إلى كرة قدم أفضل!
وأيضا قد يكون هذا الغاضب والساخط مجرد غاضب ساخط آخر، التعبير عن الخيبات، والخسارات، والضيق الذي يعاني منه أهم من أي هدف بنيوي، أو من تراكم الخبرات النقدية. كلاهما محتمل، ولست أنا الذي يقيم هذا، كما هو الحال مع كثيرين لا مشكلة لديهم أن يخبروا مدرب ليفربول ما هو العمل الأفضل لمحمد صلاح!
هذا عن تجربة المباراة! أما عن دهشة العراق! هذه دهشة أخرى، أن تزور بلاداً قضيت في ذاكرتك نزرا ليس يسيرا، هذا قبل أصدقائك! هذه دهشة أخرى، تُكتب في سياق آخر.
في المجمل العام، التجربة كانت مفيدة لي، ومتأكد أنني سأقوم ببناء مقاربة أخرى لي، سواء تلك المكتوبة، أو تلك المرئية، تجربة حقيقية بمعنى الكلمة، تجربة اندماج مع عالمٍ مليء بالحركة والنشاط، قد يرى البعض العالم الكروي بلغة النتائج والخسارات، وقد يراها البعض الآخر بلغة التجارب، والحياة، والتفاعل مع الناس ومع الثقافات الأخرى، كل إنسان حر في الزاوية التي يقرر النظر لها.
الخلاصة!
على صعيد التنظيم، شتان بين الذي أسمعه عن ما حدث في كأس الخليج، وما أعيشه اليوم، على صعيد نتائج المنتخب، رأيي لا يقدم ولا يؤخر شيئا، على صعيد حماسة الجماهير، أعتقد أن بناء أي حماسة تجاه تصفيات كأس العالم سيحتاج إلى فوز واحد على الأقل قبل أن يقرر الجمهور العريض إيقاف استراتيجية حماية النفس من الصدمات، والاندفاع لمؤازرة المنتخب. والمشوار لم ينتهِ بعد.
أعيد، وأكرر، فخري واعتزازي بجهود أصدقائي نصر البوسعيدي، ويعقوب البلوشي، هذه ليست شهادة مني فقط، هذه شهادة من كل الذين ذهبوا للتشجيع من الرابطة، أو من صناع المحتوى، يمكنك كشخص بعيد عن الذي حدث أن تؤطر ما تشاء، كما تشاء، كشخص حضر هذه الفعالية أستطيع أن أقول، كان خير تنظيم، وخير ترحيب، ولقد مضى كل شيء على ما يرام، وعشنا تجربة جميلة!
وهذا يكفي
تحية وسلام، طائرة العودة إلى عمان تنادينا!
للحروف بقية