بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 سبتمبر 2024

الصعب حقا!

لا أعرف متى عشتُ حياةً طبيعيةً. أقصد تلك الحياة النمطية. بلا قطيعة، بلا معارك بلا اضطراب، بلا معضلات وجودية، بدون صناعة ذلك التشويق المتمرد، أو المواجهات ضد كيانٍ ما، فكري، أو مؤسسي حقيقي!
ربما كانت الفترة منذ عام 2006 حتى عام 2010م هي الفترة الوحيدة التي كدت أن أعيش فيها ما يُسمى بالحياة العادية، أو الطبيعية، أو النمطية، أيا ما كانت التسمية!

ثمَّ تنقلب معادلات الفهم في رأسي كلها! حياة التمرد والمواجهات أسهل بكثير من الحياة الطبيعية! حقاً أسهل، نفسيا أسهل، والاستعداد للخسارات وغير ذلك ليس صعباً. كنت أظنُّ أنَّ تلك الحياة المضطربة كانت أصعب! يتضح لي الآن فقط، أنَّها كانت أسهل بكثير من هذه الحياة التي تسمى الطبيعية!

أن تكون بلا أحلام، وطموحات، تعيش هائماً في أرجاء الأرض قرارٌ ليس سيئا. إنه سيء فقط عندما يتخذ كعذر للتنصل من مسؤولياتك في هذه الحياة. مسافر يحب الترحال والمغامرات، يرمي بعائلةٍ، أو بمجموعة من الأيتام، لكي يصبح عازف جيتار، يختلف عن إنسانٍ لا يتأذى أي أحد بمغامراته. من الذي يدفع ثمن مجازفاتك، هذا هو السؤال الكبير!

صناعة التبرير لحياة مليئة بالمواجهات، يختلف جذريا عن اضطرارك للمواجهة لأنَّ الحياة فرضت عليك ذلك. بعض القرارات تتخذ نتيجة الخواء الكبير الذي تشعر به، شعورك بالرغبة في فعل أي شيء للتصدي إلى ذلك العدم الذي يتربص بمعناك في هذه الحياة. هذا ما أكاد أكمله كخلاصة عن الفارق بين الحياتين.

أن تختارَ حلما عظيماً، كبيرا، ضخما، هذا لا يعني أنَّ الحياةَ لن تسمح به، كل شيء ممكن، لكن عليك أن تفهم أنَّه لا وصفة متكاملة تسمح لك أو لغيرك بأن يحقق هذا الحلم، ثمَّة أشياء ليست بيدك، قدرٌ هائل كبير يصنعك أنت وغيرك، ويدمرك أنت وغيرك. أمَّا أن تتلاعب بقدرك، وتقرر أن تجعله رهن الغموض، وتلعب بالنار، أو باليأس، أو بمهرجان من اللذة، أو بالفوضوية، أو بغير ذلك من المغامرة لأجل المغامرة!
يتضح لي الآن فقط، هذا هو الخيار السهل! ليست تضحيةً بقدر ما هو قرار، قرارك أنت، وكلما كان غيرك يدفع ثمن مغامراتك، كان قرارك هذا أنانيا، يفقد الدافع الحماسي مع الوقت. هذه الحياة النمطية هي حقا القرار الصعب، بما فيها من استهلاك للعمر، وخيبات متتالية، وشعور مرير بصعوبة الحياة على الجَميع.

أما حياة المسافر الذي يعزف الجيتار، هذا هو اختيار البساطة، الحلم الرومانسي، والذي قليل من الناس يستطيع أن يعيشه، قليل جدا، وبعضهم يفعل ذلك، وبعضهم لسبب ما يتوقف عن عيشه، ويعود إلى هذا الكوكب العجيب بما فيه من طموحات وخيبات وفقد وخسارات وآلام أحيانا لا تطاق!

الحياة الطبيعية خيار صعب، صعب بمعنى الكلمة. لسبب ما، ما يُبنى من صروح لسنوات وسنوات يمكن تدميره في ساعات. لسبب ما، تدمر الحرب ما بني في قرون، لسبب ما من السهل أن تدمر نفسك، لكن من الصعب جدا أن تعيد بناءها!

الآن فقط أدركُ، أن الصعوبة الحقيقية تكمن في هذه الحياة الملتزمة بالسياق، أما أن تكون خارج السياق، هي لعبة نرد، قد تكون محقا وبطوليا في عيشها، وقد تكون مجرَّد مغامر آخر، لم يحتمل أعباء المسؤوليات التي عليه فقرر أن يصنع عذرا مثاليا ليهرب من كل شيء، وليعيش في ذلك العدم الممتد الذي لا وقت يحدُّه، ولا أفق يردُّه. عندما تحرمك الحياة من فرص البطولة، أن تحارب محتلا، أن تعيل أيتاماً وتفعل ذلك حقا، أن تعين أما مريضة، أو أباً مرهقا، قد تظن أن البطولة هي صناعة معركة تختارها. المعارك الحقيقية تختارك، تلك التي تختارها ليست أكثر من تشويق عابر لحياة طبيعية هي أصعب بكثير من أي فوضى تخلقها بكامل قواك العدمية.

معاوية

4/9/2024