تريد أن تكون سامَّا؟ غاضبا؟ ساخطا على عدم كمال الأشياء؟ كن تفصيليا ومفيدا! اقترح حلولا، ومسارات لجعل هذا الذي أنت ساخط عليه مفيدا!
العُصابية التي تدل على شخص قلق، حائر، لا يعرف ما الذي يفعله، هذه تنقلب عليك!
ماذا تريد أن تقول. تردد بهلع للجميع أن أي شيء لا "يرقى" لأن يكون مبدعاً؟ أو صوابا؟ أو صحيحا! الناس بالنسبة لك حمقى لا يفهمون شيئا؟ المتحمسون سوف يحبطون! الذين يحاولون "ما فيهم عقل" وتعكس إحباطك، وقلقك، وخيبتك، ومشاعرك المضطربة، وشعورك بأنَّك ما عارف هين تروح!
إن كنت تريد أن تكون سامَّا على الأقل كن مفيدا! بقاؤك في حالة [محلّك] سر لأنك تنتظر العالم أن ينصت لصوابك الفلسفي، وأن يمنحك الفرصة المناسبة لكي تحقق رؤيتك العظيمة والعميقة والهائلة في هذه الحياة ليس أكثر من تعطيل آخر، وتأجيل آخر، وخطأ آخر، وربما عليك أن تفهم أنَّك أنت الشخص الخطأ في المعادلة!
المعضلة ليست في الغضب، ولا الشعور بالخيبة، ولا الضيق الشديد بواقع الحال، المعضلة أنَّك علقت في دوامة متتالية من الغضب والخيبة حتى أصبحت هذه مهمتك، أن تكون ذلك الشخص الذي يصرخ ليل نهار في وجه الناس: أنتم لا تفهمون أي شيء! أنتم حمقى.
وسواء كنت مديرا تصرخ في موظفين، أو ربَّ أسرة مرهق يصرخ في أبنائه، أو زوج يؤنب زوجته ليل نهار، أو زوجة تؤنب زوجها ليل نهار، أو أخ مع أخيه، أو صديق مع صديقه، أو زميل عمل مع زميله، يجب عليك أن تفهم أن غضبك لا يعني أي شيء للآخرين، غضبك، وسخطك هو مشكلتك الداخلية التي عليك أنت حلَّها.
وشتَّان بين غضب وغضب، ذلك الذي يقود إلى مخاض الإرادة والتغيير، وذلك الذي كل مهمته أن يرهق الآخرين بأعباء نفسية لإنسان مرتبك داخليا! شتان بين إلغاء وإلغاء، وكلما كنتَ أنت الطرف الخطأ في المعادلة، وكلما كنت أنت سبب المشكلة، وكلما كان اعترافك بخطئك وتقصيرك صعبا، وكنت تكابر، وتقاوم الحقيقة المريرة أنَّك فشلت، أو تعبت، أو أنَّ خطتك لم تسر على ما يرام، كلما كنت رافضا لهذه الحقيقة، غضبت أكثر، ووصلت إلى صراع صناعة الخوف، والهيبة، ولعلك تصبح غادرا، أو انتقاميا، أو مصارعا للأشباح.
على الأقل إن كنت أن تريد أن تكون عصابيا سامَّا، اقترح حلولا، افعل شيئا ما يقود إلى نهاية ما تراه خيبةً، أما أن تقع في غرام هذه الخيبة، وكأن الآخرين عليهم تقبل اضطراب مشاعرك الداخلية، هذه مشكلتك، وهذا ما سيجعلك في موضع يتجاوزك فيه العالم، وتتجاوزك الحياة، وتفقد فيه الرفقة، والزمالة، وربما تفقد علاقاتك الشخصية فقط لأنَّك توجه غضبك للمكان الخطأ، ومن الأساس، الغضب لا يخلو من الحيرة، ومن صعوبة المواجهة، فراقب وضعك الداخلي أولا قبل أن تتحول إلى أحد هؤلاء الذين يعيشون غضبا متراكما، وسخطا، وخيبةً، واستحقاقا هائلا، وانتهى بهم المطاف كشخصيات لا تطاق، لا تستطيع أن تكمل حوارا، ولا تتمكن أن تفهم الآخرين، شخصيات موجودة بكثرة في هذه الحياة، شخصيات لا تحاول تعديل نقائصها وأخطائها، شخصيات تصنع الإنجاز من العدم، شخصيات تلوم، وتبرر، شخصيات كثيرة حولنا تصنع المشاكل بلا توقف، وتظلم، وتزوّر، وتجادل، ولا تتوقف عن هذه العصابية حتى يأتي من هو أقوى منهم فيتخلص منهم نيابةً عن الجميع!
على الأقل، إن وجدت نفسك سامَّا، ومتسمما، حاول أن تكون مفيدا، على الأقل حاول أن تعتبر نفسك في نهاية مرحلة وبداية أخرى، عدا ذلك، الرفوف مليئة بما يكفي بهؤلاء الذين انقطع الأمل والرجاء منهم، والذين ربما يعيشون خيبتهم لنهاية العُمر، غير قادرين على الاعتراف بخطأ، أو بخيبة، أو بفشل، ويواصلون هذا المنوال حتى النهاية فقط لأنَّ الواقع يجب أن يلطمهم لطمة هائلة ليزيح العدسة التي يرون بها كل شيء.
إن كنت ترى ما بداخلك كبيرا للغاية، وترى ما بالخارج صغيرا جدا، فربما لديك مشكلة، وربما أنت هو المشكلة، وربما أنت سبب معاناة كثيرين لأنك وصلت لسلطة، أو لنفوذ، أو لمسؤولية، أو لقدرة على التأثير على حياة الآخرين وبدلا من أن تستثمر ذلك لصناعة شيء مفيد للعالم، تستغل ذلك لتُسقط اضطراباتك الداخلية على كل شيء، ملغيا، ومحطما، ومصغرا أي شيء عدا ما تعتقده أنَّه "إنجازاتك الكبيرة" التي لا يراها إنسان سواك، وحتى ما يراه العالم سيكون بكل بساطة أصغر بكثير من الحقيقة التي تضخم بها كل شيء.
يمكنك أن تمارس هذه الهواية بينك وبين نفسك، وتأزمك، وأصدقائك الذين يتحملون نقائصك ويجيدون التعامل معها، لكن أن تكون إنسانا يرتبط به مصير أطفال يربيهم، أو زوجة تنتظر منه أن يحسن معاملتها، أو زوجا يريد أن يُعامل بإنصاف، أو موظفين، أو طلاب، أو ما يكون من الضحايا لعصابيتك، وقتها ستعرف لماذا كُل العصابيين في هذا العالم ينتهي بهم المطاف للنهاية نفسها! إن كنت تريد أن تكون سامَّا، كن على الأقل منصفا، وترفق بنفسك قبل أن تتعلم الرفق بالآخرين، أو قبل أن تزعم أنكم تمنحهم العدالة الفلسفية التي تراها صوابا!
إن كنت هذا الإنسان، الذي يجعله اضطرابه الداخلي ظالما إجرائيا، وظالما في قراراته، ومكابرا، ومستعدا لخوض معارك التنصل للنهاية لن أقول سوى: كف الله شرك عن نفسك وعن الناس، لست أكثر من عصابي آخر سيمر على العالم، قبل أن يهرسه العالم بكل قوَّة، وقسوة، فلحسن الحظ إن كنت أنت قويا، هناك دائما من هو أقوى منك، ثمَّة حد أقصى من العصابية يمكنك أن تعيشه كإنسان قبل أن يصل كل من حولك لخلاصة أنَّك إنسان مدمّر، تحطم الأحلام، مرتبك داخليا، ولا تستطيع أبدا أن تتقبل أن الصواب لا يتم، وأن الحقيقة ليست بيد أحد، وأنك كغيرك، بشر، تخطئ، ولديك نقائص، ولديك مشاكل، وأقصى همومك هو عدم إصلاحها، تطلب من الكون أن يسامحك وأنت لا تسامح أحدا، وتنتظر من العالم أن يصنع لك الزهرة التي تناسب عينيك!
والسلام!