بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 25 يوليو 2025

إسرائيل الموت!

 أحتار في فهم الذي فعله نتنياهو بإسرائيل! وأستغرب تارةً من ثقته التامَّة وإدراكه الشديد لدوره في بقاء إسرائيل، كما أستغرب تارةً أخرى من الرهان العتيق على أن تتحول إسرائيل من دولةٍ إلى (وطن) حقيقي!

كسر نتنياهو عقدة الدم اليهودي الغالي، وسمح للإسرائيليين بالموت، وما أخطر العدو الذي أصبح لا يهاب الموت! وهذه الإسرائيل التي كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها لاختطاف جندي، أو لموتِ مجموعة من المستوطنين في عمليةٍ فردية أصبحت اليوم تقدم هباتها من لعنات الدم لمن تريد وتشاء من مواليد الأرض المحتلة. أظن في رأيي أن هذه النقلة هي الأخطر في تاريخ كل اللعنات الصهيونية التي لطالما كانت عشقا للحياة، ونفعيةً بحتةً مشروطةً من دولة المهاجرين.

لعنة الدم! هذه التي قدمها نتنياهو الراحل إلى شيخوخته، صك الأمان الصهيوني الأكبر، والوسيلة الأقوى لجعل الأمر خارج معادلات الدولة ذات السبق العلمي، والتقدم التكنولوجي. هوية من الثأر، والقتل، وطريق لم يعد من بعده عودة. ماذا بعد أن جعل نتنياهو جيشه نازيا؟ يبيد، ويقتل؟ أي عودة بعد هذا القرار؟ 


بينما يلوك الناسُ أطراف الحقائق عن ورطته السياسية، وعن خوفه، ثمَّة ما هو أخطر يدور في الأفق، ملك اليهود الأخير، الجديد، الذي كسر عقدة المُحتل الأكبر، وقدَّم القرابين، وأنشأ لعنات الدم التي لا سلام بعدها يمكنه أن يطهّر هذا الجحيم الذي فتح وابله الشيطاني على المدنيين.


أخشى أن نتياهو فعلها، وأخذ إسرائيل إلى أحد الحدين، إما طريق البقاء بالموت، أو إلى طريق الفناء بالموت. لم يعد أمام الإسرائيلي الحديث سوى أن يقتل لنهاية الطريق، إما أن يُقاتِل ويَقْتُل، أو سيُقتل. فعلها نتنياهو، وأخذ إسرائيل إلى طريق لا عودة بعده، ومهما حاولت هذه الإسرائيل تجفيف نهر الدم الذي سال، لا عالمَ يصدقها، ولا حليف يطمئن لها، الأمر أصبح بيد القوَّة والعنف، والكراهية، والثأر، وبين أهل الحق والاستحقاق. 


ستنتصر إسرائيل عندما يموت آخر فلسطين في كوكب الأرض. هذا هو النصر الوحيد الذي يضمن لإسرائيل الخلود والأبدية، عدا ذلك، كل هذا الموت وعد بالمزيد من الموت. فلا نامت أعين الجبناء!


والله غالب على أمره!


بقايا خطط ترامب وقوته، وكيانه الهش. وملك اليهود الجديد نتنياهو، واهب اللعنات لشعبه، فعل كل ما لم تحلم المقاومة يوما ما بحدوثه! جعل إسرائيل حقيقية!

أظهر التطرف الحقيقي في العالم كيف يكون. التجويع، الإبادة، معاقبة المدنيين، جُبن الجيوش، جُبن المواجهات. وراهنَ على لعنة الدم حتى النهاية.


التحليل القائل أن نتنياهو لا يعرف ما يفعله هو تحليل ضحل، ولا يخلو من الغباء. هذا المتطرف يعي جيدا ما يفعله، يعي قيمة كل قطرة دم يزهقها الجيش الصهيوني الجبان، يعرف جيدا أثر هذه اللعنات. 


الجيل الجديد، اكتسب ما يكفي من الوحشية، والمكابرة، والتلاعب، والكراهية لكي يوضع في موضع الوحشية المستمرة، وأي شيء يجعل إسرائيل تستمر؟ السلام؟؟؟؟؟ كلا طبعا، السلام هو أكبر خطر على استمرار إسرائيل في المنطقة، العدوانية، والكراهية، والحرب هي الطريق الحقيقي لبقاء إسرائيل، ولكن هل يدفع لخلودها؟ أيضا كلا طبعا! نرجسية تكفي لإرهاق إسرائيل على المدى الطويل رغم تعاسة كل المعطيات على المدى القصير.


صوت التطبيع يتراجع، يخفت، واعتبار إسرائيل دولة طبيعية مع الشعوب العربية يتراجع ويتحول كل يوم إلى مشروع خطر للغاية على وحدة هذه الشعوب وعلى ترابطها وتماسكها، الذين تسابقوا للتطبيع نعم ينالون الآن نعيم وخيرات الرأسمالية والبحث العلمي، واستثناءات المجتمع الدولي ولكن إلى متى؟ هذا الشق المتعمد للقيم العالمية له ما بعده، وإن لم يظهر الآن، بعد جيل، بعد ترسخ هذه الحقائق في مجتمعات البحث العلمي، وفي الحقائق الشعبية، هُناك ما سيتغير، وأبسطها عودة الشخصية الصهيونية إلى حالة المسخ بعد سمسرة طويلة المدى على دموع المظلومية.


أثبت نتنياهو حقائق العالم الفلسفية دفعة واحدة، أن القوَّة هي الطريق الوحيد للبقاء، الفارق بينه وبين أي قوي آخر، أن قوّته الحقيقية هي أمام الضعفاء فقط، قوة تدمير وليست قوة انتصار، ما غُرس من ضآلة، وحقارة، وروح الفئران في جيشه أيضا له ما بعده، وإن نجح فقد صمد لبعض الوقت حتى يلاقي مصير العُمر الحتمي ويهرم، وإن فشل فلا عجب إن اتجه لمقاربة شمشون، وهدم المعبد فوق رؤوس الجميع بما في ذلك رأسه.


ما يبدو الآن مثيرا لليأس، وما يبدو الآن ظُلما بلا هدف، بلا سبب، بلا عدالة يتسرب إلى وجدان العالم كحقائق. كُل الذين يرون العالم بمنظور المسطرة والقلم، والمصالح السياسية المادية البحتة يعيدون النظر في كل هذه الفيوض المعنوية من التغيير. تلوم المقاومة، تكرهها، تفعل ما تفعله، نعم هي التي سعت لهذه الحرب، ولكن إسرائيل لم تحارب، إسرائيل لم تحارب المقاومة، إسرائيل حاربت المستشفيات، والرضع، وحاربت المدنيين، واستخدمت كل ما هو نازي وممنوع، إسرائيل لم تدخل حربا، إسرائيل دخلت معركة يائس، تبددت كل تلك الأوهام عن قوتها المنيعة، وظهرت جيوش أخلاقيات الفئران والجرذان، وظهرت حقيقة الشخصية المتطرفة الصهيونية، وظهرت حقائق اليمين، كُل هذا له ما بعده، وما بعده قبيح، قبيح للغاية على إسرائيل وعلى نتياهو، دولة وليست وطنا، هذه نتيجة أولى ستكفي كثيرا. 


الآلة الحاسبة تقول كلاما مختلفا عن المآلات، واقع الحال مزر للغاية، تعيس بمعنى الكلمة، مليء بالمجازر والدماء والضحايا، ولكن لا طريق لإسرائيل لإنهاء فلسطين سوى قتل كل فلسطيني في كوكب الأرض، ليست المقاومة وحدها هي فلسطين، أما جيوش المتواطئين مع إسرائيل، والقابلين لبطشها، فهم أيضا لهم يومهم. كيف أطمئن لذلك؟ قبل اطمئناني لقضاء الله وقدره، اطمئناني لهذه المعطيات المادية أن التاريخ يوما ما لم يترك من فعل إسرائيل وشأنه، لسبب ما يسعى الإنسان هذا الدموي الشرس المتحيز المليء بالغضب والذاهب بسهولة للامتثال الجماعي والأنانية لسبب ما يسعى هذا الكائن البشري للسلام، لأنه يعلم أن الحرب لها نهاية، ولا طريق لأي حرب سوى إفناء العدو تماما، هل سيفنى هذا العدو (الفلسطيني) من يموت يولد، ويتضاعف، ويتكاثر في الأذهان قبل أن يتكاثر في النطف وبالنطف. 


خلاصات الآلة الحاسبة تقول شيئا مختلفا عن خلاصات المعنى الحقيقي لصمود شعب يقاوم من أجل التحرير، في كل قلب فلسطين بذرة لفلسطين كاملة، وهذه البذرة عندما تقتل تموت قضية فلسطين وتنتصر إسرائيل. وهيا يا جرذان الصهاينة، اقتلوا كل بذرة في هذا العالم، ستجدون ألف بذرة أخرى تنمو في مكان آخر. 


انتصر نتياهو نعم، بما يكفي لعمره الشخصي، لكن إسرائيل هُزمت بما يكفي لتآكلها مع الوقت، لا سلام، ولا أفضلية أخلاقية تُركت لها، بقيت الدولة وذهب الوطن اليهودي، وعندما يقضي الله بأمره، سيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون!



والله غالب على أمره