بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أغسطس 2017

تدوينة !


 مرحبا يا أصدقاء. زمنٌ مرَّ وأحداث كثيرة حدثت منذ آخرة مرة التقينا هنا في هذا المكان بالحروف والكلمات. مدونتي الجديدة [دون حبر] .. ستكون امتدادا لما أفعله عادة في الفيس بوك. تعريف الكتابة بالنسبة لي هو أن تفكر حتى تفوح الكلمات من أفكارك، وهذا المنطق أواصل هذا العبث الكتابي المرير الذي أترك الحياة بسببه، وأنقطع، لأشاهد تدفق هذه الكلمات عبر لوحة المفاتيح. حسنا! .. الحروف تسير بشكل جميل وسلس، إن في هذا إشارة جميلة بشكل أو بآخر.

لمن لم يعرفني من قبل، اسمي معاوية الرواحي، أنا لاجئ عماني في بريطانيا، هربت من الانتقامات الحكومية المتتالية التي تطال كثيرين في عمان، بعضهم ليس لديه ظروف تسمح له بالهجرة. مهاجر عازب، كنت حكيما بما فيه الكفاية لأعيش حماقة الحياة كعازب حتى الثالثة والثلاثين. معاوية قصة عمانية مختلفة قليلا، وأعلم كم هو غريب أن يصدر هذا الكلام مني، لم أعد أعبأ كثيرا بتفسير حياتي، الأسباب كثيرة ومعقدة ولم أعد أريد خوض هذا الموضوع. أنا مدونٌ وكاتب، عشت دائما وأنا أفضل الكتابة بالنوعية، والتدوين بالكم، ولذلك مع الزمن، وجدت نفسي أنسى ذلك العالم المهم في حياتي، عالم الشعر، وعالم الأدب، وصناعة ونحت اللغة من العدم، كل هذه الأشياء، كانت أشياء جميلة عشتها، قبل أن تتغير حياتي إلى التدوين، التدوين الذي جعلني بسبب انفلاتة غاضبة [كانت حمقاء حقا] أعيش ظروفا لم أكن أتصورها. اسمي معاوية، وأنا خريج سجون، تكلبشت في حياتي مئات المرات، وقضيت حياتي أتنقل من تجربة لأخرى في حياة لست نادما عليها. سأكتب في هذه المدونة كثيرا عن ذكريات سجن الوثبة، سأكتب محافظا الحفاظ على ذاكرتي التي صرت أخاف عليها من الانهيار. عشت أشياء غريبة، منها ما يسمى "المرض النفسي" ومنها ما يمسى [العداء من قبل الدولة] قصتي صارت عامة، قلتها بكل ظنونها وجنونها وما عرفته منها، ولم أعد أعبأ، نعم لم أعد أعبأ مطلقا بأي حياة لي في عمان. اسمي معاوية، وأنا إنسان وطني، وطني جدا حتى النخاع، مؤمن بعمان بجنون، لست مؤمنا بها كدولة أو كمكان، وإنما مؤمن بها على أنها حكاية جميلة تاريخية عتيقة بها الكثير من الأيام التي تستحق أن تفهم، سعدت أنني ولدت عمانيا، سعدت أنني عشت في عمان معظم شبابي، سعدت أنني أكملت كل شبابي في عمان، لكن جاء ذلك اليوم الحزين الذي وجب فيه أن نفترق. عشت حياة غريبة حقا، لكن لا يعنيني منها أي شيء. أي شيء، سوى ما يمكن أن يتحول ذات يوم إلى خيال. إلى لغة تصنع فارقا في حياة البشر، إلى شيء إنسانية يجعل الكلمات والحروف ذات معنى وفائدة، وذات قيمة، وذات رائحة يجب أن تفوح بين زكام وزحام الأفكار.

حسنا، بعيدا عن الثرثرات النرجسية .. هناك شيء يجب أن أخبركم به. وهو أنني لست براجع إلى عمان مهما كانت الظروف. من الصعب أن يفهم أي شخص معنى أن ترى ذلك القبح الإنساني من شخص يحمل اسم [عمان مثلك] .. ذلك الجو المقيت، البغيض الذي تدفع فيه ثمن تلفظك برأيك .. تدفع الثمن لأنك نسيت أن تخاف، ومن بين جميع الأشياء التي يجب أن ننساها، يجب أن ننسى الخوف، بقدر أكبر مما نتذكر الألم ..
ومن يفهم ألم عمان إلا العماني؟؟ وياه يا أم عمان؟ ما أكبرك؟

حسنا، الأشياء ما زالت [هجلو نسبيا] .. لوحة المفاتيح تعمل بكل جيد، هناك بعض الحروف التي لا تنطبع جيدا بسبب كثرة الأشياء التي أسقطها على لوحة المفاتيح. وهناك اعترافات غبية، أود لو أكتبها اليوم، اعترافات عمياء، حمقاء، قد تبدو بغيضة نسبية، ولكن لا بأس، في الحياة مساحة لكل مشاعر بغيضة وجميلة، لم تصنع الكتابة لكي تكتب الأشياء الجميلة، العالم به نسبة كافية من القبح كفيلة بجعل لون الحروف بغيضا، وإن كانت رائحة الحبر جيدة، نعم الأشياء ما زالت هجلو نسبيا، ما زلت أكتب، ما زلت [أدوّن] وأعتقد أنني أكتب هذا الفعل المضارع لمرات نادرة في حياتي. لم أترك التدوين ذات يوم، أقول للجميع ذلك، ولكنني نشط يوميا في الفيس بوك إلى أن صارت [ظاهرة منشورات معاوية] سببا لإيقاف متابعتي من قبل كثير من الأصدقاء يقرأون ما أكتبه في وقت لاحق. لا أعرف حقا من أكون عشان أكون صادق معكم، أنا شخص ما، يحب الكتابة لدرجة أنه لا يعبأ بأي شيء آخر. أنفقت وقتي وجهدي على التدوين، دون هدف ربحي، أو شخصي، أو أي شيء آخر، كنت أكتب في حالي وحال نفسي حتى حدث ما حدث، نعم أعرف أين انفلتت الأشياء، وهذه لها حكاية، وما أكثر حكايات ماريو!

عدت من يوم كبير في حياتي، يوم عشت فيه اعترافات عظيمة، مع الصديق ناصر البدري، الحليم الغفور لزلات أصدقائه المجانين والحمقى. كانت ذكريات جميلة جدا، كتمت دموعها وأنا أعود إلى بلدتي التي أسكن فيها. بيرمنجهام، مدينتي التي أعيش فيها حاليا لاجئا. وهي تجربة، أنوي الكتابة عنها بشكل مفصل وكبير هنا، في هذا الدفتر الذي أجمع في قصاصات الأوراق. حسنا، لماذا اسم المدونة بدون حبر. لذلك قصة غريبة ..
هل تتخيل أن يعشق  إنسان الكتابة بجنون، ولكنه للأسف يملك خط يد سيء زاده سوءا كسر في اليد بسبب كرة قدم مفاجئة. عشت طفولتي أتوق لذلك اليوم الذي أكسر فيه هذه العقدة، حتى التقيت مع لوحة المفاتيح للمرة الأولى، هناك، هناك فقط شعرت أن الكلمات تتدفق بشكل طبيعي بدلا من النحت المؤلم لليد الذي يحدث لي كلما وقعت أحد كتبي. يا إلهي، حفلات التوقيع، أنسى أنني كاتب دائما، لا أفهم ما معنى كاتب. الكتابة هي الكتابة، هي أن تكتب هي أن تجعل الأصوات كلمات في تعريف صوتي، وهي أن تجعل الأفكار رسما وخيالا بتعريف آخر، الكلمات رائحة تفوح من الأفكار، شيء أكثر غموضا من معرفة سبب حدوثه، ويجب أن يترك وشأنه لأسباب حكيمة، من هذا الذي يريد أن يخمد شجرة الحكمة في فؤاده؟

أنا أعرف جيدا أنني أعيش حياة غريبة، حياة تشبه غرابة الأفكار التي في رأسي، لكنني أعلم أنني لم أكن دائما مخطئا، لسبب ما عندما تحاصر الخصم المفترض بحججك، تعيش نوعا من الجزاء المعنوي الذي يلاحقك، هذا الجزاء يعاني منه كل شخص يعيش في عمان، كل شخص يعرف إنه عمان وطن رائع وعظيم وجميل، لكنه موبوء بحزمة من المنافقين في حب الوطن، ومن الفاسدين الذين يملكون خبرة قوية جدا في الحفاظ على فسادهم بعيدا عن الالتقاط المباشر من المجتمع، عمان قصة كبيرة للغاية، وحكاية كبيرة يعرفها العمانيون، بلاد مشغولة ونشطة دائما بالتفكير في إعادة عمان كما هي، أمة جميلة، منتجة، متعلمة، لا تحارب الحرية ولا تقبل الجهل، عمان .. عمان !! عشقنا الدائم الذي يجعلنا نندم دائما على أحلامنا الجميلة. نعم لدينا حياة جميلة في عمان وتستحق أن يحافظ عليها، ما بكم؟ أليست الحياة جميلة في عمان؟ لولا البراغيث البشرية التي أصيب بها ما يسمى بالوطن؟
عمان عمان .. كما هي منذ قديم العصور، بلاد متناقضة ترى فيها العجائب والغرائب. تميل للصمت، ولا تحب أن تثرثر كثيرا، ومن المحزن جدا، أن شيئا قد اختفى من منها. تاريخها حاليا. نعيش كما عاشت عمان عدة مرات فترى ذبول حاكم قوي، كان ذات يوم يصنع التاريخ بثقة وإقدام، لكنه الآن ليس من كان، ويتغير كل يوم. نعم، عمان عمان، بلدة صارت فيها الكلمات عدوة للنظام، وصارت فيها الحرية آخر ما يفكر به المواطن الذي بدأ يحرم من رفاهية العيش الوهمية التي تضع عمان زورا وبهتانا مع دول الخليج.
عمان عمان .. لم تكن يوما دولة خليجية، ولم نكن يوما أثرياء ولم نكن ذات يوم إلا دولة كان يمكنها أن تكون وفية للطبقة الوسطى المسحوقة، وأن تصنع توازنا ما، يضمن حياة الجميع بسلامة، كان يمكن لعمان أن تفعل كل هذا، لكنها اختارت أن تكون حكومة توزيع نصيب من النفط، والمضحك أن عمان أيضا من الدول التي تشارك نصيبها من النفط، بعقودها الخارجية الغامضة، نعم، عمان عمان .. الدولة الغريبة التي تحتاج إلى سنوات لكي تفهم تناقضاتها الملعونة، فأن تكون عمانيا يعني بالفطرة أن تكون متناقضا، لذلك علاقة قديمة جدا بعمان نفسها عبر العصور وعبر الدهور السياسية التي تمر عليها.
لا ننكر، أننا عشنا عهدا استثنائيا في عصر السلطان قابوس، يبقى السلطان قابوس شخص ممتاز جدا بالنظر إلى [كواليتي] باقي الحكام العرب، لكن عمان تستحق أكثر، عمان تستحق أكثر من قابوس، عمان تستحق أكثر من سلطانها، وهذه مشكلة عمان الكبرى، المشكلة التي جعلت عمان تتلقى الضربات بعد الأخرى، ونعم، جسد الوطن صامد، متحد، لكنه كل يوم يصاب بما يأكله من عمقه، من فساد وتنفع، نعم، عشنا، عشنا عمان الجميلة في عهد قابوس، وكانت لدينا أحلام. نعم الكثير منها كان مبالغات في صناعة شكل الحاكم، لكن في الحقيقة كانت أيضا صناعة شعب لديه عزم وطموح ووطنية جميلة تؤمن بالإخاء والاختلاف. عمان لم تعد تؤمن بالاختلاف. عمان صارت فقط، تؤمن بما يؤمن به الحزب القابوسي الحاكم، حزب من السياسيين المتعفنين بكل معاني الكلمة، كان سلطانهم يراقبهم بشكل لصيق ودقيق وصار الآن يقول [لم أكن أعرف] حتى قامت شبه ثورة ضده، أين؟؟ في العهد المجيد، في أكبر العهود التي يتشدق فيه سياسيوها بالحكمة والعدالة، وماذا كانت النتيجة، شتات الكل يعيش لحظته حتى هذه اللحظة، والسلطان قابوس يتنقل بالبزة العسكرية ليفتتح المتاحف، وينشغل بالتصوير مع نفس رجالات الدولة التي تسجنه في قصوره.
قابوس قصة من قصص عمان، الحزينة والمحزنة. دعونا منه الآن من باب عدم فتح جروح الماضي.
اسمي معاوية، وأنا من عمان ..
أحب التدوين ..

وأنوي أن أكتب في هذه المدونة كثيرا

أراكم بعد حين .. سأحتاج إلى بعض الوقت لأخرج من أزمة التدوين في الفيس بوك. لعين هذا الفيس بوك لكنه يعلمك أن تفهم اللحظة بشكل أكبر. سأضع قانونا، اسمه قانون الألف كلمة. ومع الوقت تدريجيا، سوف أتخلص من هذه النزعة القهرية للفيس بوك، الذي لا يزعجني فعلا. لكن التدوين مكان أجمل من الفيس بوك، مساحة أوضح للتفكير بالكلمات.
وهذه كل المسألة. التفكير بها ..


أراكم لاحقا



ماريو