بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 مارس 2025

عن اللقاءات العامة

 لا يوجد أي داعٍ لكي يكون الوزير دفاعياً عندما يوضع في أبسط لقاء مع الناس! أن تكون وزيراً يعني أن تتكلف بتحدياتٍ جسيمة، وأن تكون دائما صاحب طموح، وأن تريد الأفضل، وأن تؤمن إنك مقصِّر مهما حاولت لأنَّ السعي لما هو الأفضل لبلادِك هو أساس نجاحك كوزير.

ثمَّة خطاب رُسِّخ حتى انتشر كالعدوى، وهو خطاب (كُل ما فعلناه كافٍ، ووافٍ). مُنذ متى هكذا كان
خطاب البناء؟ والطموح؟ والسعي للمزيد من النجاحات؟
مؤسف جدا عندما يحاول أي وزير أن يربط عملَه بالبلاد بشكلٍ عام. يستخدمُ بلاده درعاً لكي يواجه انتقادات الناس لماذا؟ فقط لأنَّك لا تستطيع أن تكون شفَّافاً؟ وأن تقول أن هناك تحديات؟ إمَّا استخدام الدفاعيَّة المتشنجة وتشتت أي سؤال بحجة إنه هجومي، وإنه (انتقاد) لمجهودات الدولة ككل؟
لا يا عزيزي الوزير، أنت موظف، لديك موازنة، ولديك إمكانيات، ولديك وضع اقتصادي، ولديك دورك في هذه المنظومة، يمكنك أن تكون واضحاً وأن توضح خطتك لمواجهة التحديات، ومقاربات وحدتك الحكومية، وأن تُطلع الناس على المرحلة التي أنت بها.

هذه اللقاءات التي تحدث بين الوزراء والمواطنين فرصة لبناء خطاب تفاعلي جديد وما هو المهم حقا؟ تبادل التعبير العاطفي عن مشاعرنا؟ أم محاولة اشتقاق أفكار جديدة، وحلول جديدة؟ والأهم إعطاء معلومات صادقة من رئيس وحدة حكومية ستؤثر على اتجاه الحلول، كلمة يقولها وزير تدفع بمنظومات الحلول للتوجه إليها، مشكلة يطرحها وزير آخر في قطاع صناعي تدفع بمنظومات الابتكار لكي تقدم الحلول، تعطي مؤشرات للسوق، وللمجتمع، وللإعلام، ولأشياء كثيرة لا يمكن اختصارها.

يتعامل البعض من الناس بحساسية بالغة عندما يتعرض وزير لانتقاد، أو لكلمة جافَّة، ويتشنج للدفاع المستميت عنه، ولا خطأ في ذلك، اعتناق نجاح وزير ما والإيمان به كقدوة في العمل العام ليس خطأ، لا يختلف عن دفاعك عن أستاذك في المدرسة، أو الدكتور الذي أثَّر عليك كطالب وأصبح رئيس قسم، أنت هُنا تريد من الناس أن تمنحه فرصة.
لكن أن توجَّه طاقتك الذهنية لكي تُرهق الذي انتقده في جدالات بيزنطية فقط لأنّ كما تسميه (انتقد)؟؟ إن هذا لشيء عجاب!

الخطاب يحتاج لبناء، وإلى تفاعلٍ لكي يأخذ اتجاهاته المثمرة، والأهم أن يؤدي إلى نتيجة. الكلام العمومي التشخيصي شيمة الإنسان المختنق بكلامٍ لم يكن يستطيع أن يقوله. عندما يستطيع الجميع قول ما كان صعبا أن يقال، يصبح من المنطقي أن يتجه كل إنسان إلى مشكلةٍ صغيرة محددة، يحاول تفتيتها بالمنطق أو بالخطاب، بالفكرة أو بالخطط، بالحلول أو بالوقاية.

الوزير موظف في الدولة، وإن كانت وظيفته مرتبطة بشكل مباشر بخدمة الناس، وشؤونهم العامَّة فعليه (كأي موظف في أي مكان) تطوير مهاراته في التخاطب مع الناس. ونعم هذا الكلام سهل أن أقوله، وسهل أن أكتبه، لكنه في الحقيقة صعب للغاية ويحتاج إلى ثباتٍ ذهني متعدد المستويات. وكما أن كل شيء يبدأ بسيطا، المنطقي هو تجنب تلك الدفاعية المفرطة، والتعامل مع وجود إنسان (غير راضٍ) يقول رأيه بكل احترام وصراحة كفرصة جيدة لتغيير شيء ما، ولاحقاً ذلك الخطاب الذي كان يعبر عن عدم الرضا سوف يعبر في وقت لاحق عن الامتنان للاستجابة، وهذا ينفع الوحدة الحكومية بشكل عام.
الوزير أخٌ للناس في وطنٍ واحد، ليس مختلفا عنهم في شيء سوى في التكليف والمسؤولية، ولا يوجد أي داع ليتعامل مع الحوار بدفاعية، وأيضا من باب الفائدة الوطنية لا يوجد أي داعٍ لتحويل لحظة الحديث العام إلى اصطناع متعمد لحدث إعلامي له بريق كبير وليس له فائدة عملية، السؤال الجوهري يكمن في الفكرة، حوض الأفكار العام أوسع من حوض أفكار شخص واحد، لذلك هي تلك الفكرة التي قد يفتحها الله على لسان إنسان قد تقدح حلا في عقل إنسان صفته (وزير) ولكن حقيقته هو مواطن يطمح لبلادِه النجاح والنمو، ويطمح لنفسه أن يكون سببا لذلك. ما دام السياق هذا سليما، فالحوار يقود إلى أفكار، والأفكار تقود إلى خطط، والخطط عندما تنفذ بشكل جيد تقود إلى حلول، والحلول تقود إلى نمو، وهكذا دواليك تستمر دائرة التفاعل بين طرفين كلاهما يبحث النمو والنجاح العملي والفني والاقتصادي.

انطلاق مجموعة من الجلسات تجمع بين أبناء المجتمع والمسؤولين فكرة حسنة، وهذا من الأساس ما أراده الناس منذ فترة طويلة. وقد بدأ ذلك، وهذا أيضا شيء حسن. دعونا الآن نفكر سويا لصناعة بنك أفكار مشترك يجعل هذه اللقاءات أكثر تأثيرا، وذهابا إلى لغة الحلول. لدي بعض المقترحات أتمنى أن تكون نافعة: - تحديد سياق واضح للجلسات. ليس من النافع عمليا أن تحمل هذه الجلسات ضمنيا روح (جلسة الفضفضة) بلغة بسيطة، المواطن يفضفض للوزير، والوزير جزاه الله خير يتحمَّل العتب، وفقدنا فوائد فكرية ونقدية كبيرة فقط لأن روح (الفعالية) كانت تسيطر على السياق. لا أقول هذا يحدث، أقول هذا الذي أتمنى ألا يحدث. الحل: تحديد سياق لكل جلسة، مثلا؟ لقاء مع وزير الزراعة: يؤطر على أنه (جلسة الابتكار/ اللقاء مع صناع الابتكار/ الجلسة الابتكارية) لن يغلب أذكياء التواصل الحكومي التوصل إلى تسميات عديدة تخدم الرسالة، بهذا الشكل، يكون للجلسة هدف يأخذ بها إلى بنك أفكار عملي، ومنها إلى شيء يتحقق حقا. مثال آخر: لقاء مع وزيرة التنمية: ويؤطر على اسم (صُنَّع المبادرات/ مبادرون/ من أجل الخير) شيء من هذا القبيل وهذه القبائل من التأطيرات. مجدداً هذا الإطار سيجعل من هذه الجلسات الدورية اجتماعا مكثفا، به تركيز، وبالتالي احتمالات إصابة كبد مشكلة بفكرة بها حل ترتفع. مثال آخر: لقاء مع وزير النفط + الاقتصاد: تؤطر على اعتبار أنها جلسة العصف الذهني الاقتصادي، وهكذا دواليك، من المنطقي جدا إداريا أن يتم التعامل مع الناس على اعتبار أن عقولهم وتفاعلها مع الوحدة الرسمية يؤدي إلى نتائج عملية، وهذا هو المهم، النتيجة العملية. توسعة فكرة هذه اللقاءات جدا جدا جميلة، وقد تؤدي إلى صناعة منابر تعبير شعبية وشبابية وحوار بين الأجيال، والفوائد الجمَّة لهذا التوجه من الصعب اختصارها. يجب أن يُنظر إلى هذه الجلسات بروح إبداعية تختلف عن لغة "التقرير السنوي" أو التقرير الاجتماعي، بحيث لا تكون من جانب الوزارة أو الوزير جلسات تسويق أو تبرير، ولا تكون من جانب الحضور جلسات نفث انفعالية، ونعم هذا له جوانبه الجيدة جدا في الشعور بالمشاركة وتقبل الرأي وما إلى ذلك من أهمية، الجميل أن يضاف إلى ذلك النحت التدريجي للاستفادة من هذه الجلسات لما يتجاوز تشخيص المشكلات إلى حلِّها. النماذج العملية لتحويل هذه الجلسات إلى بيئة مثمرة فكرية موجودة، لكن هل الاعتياد موجود؟ هُنا يأتي دور العقول الابتكارية والمبدعة هذه المرة لا لتخرج خارج الصندوق، وإنما لتضع هذا المتناثر داخل صندوق موجَّه مفتوح من جانبين، جانب به باب يدخله المواطن، وجانب به نافذة يتطلع بها المسؤول إلى عالمٍ من الحلول. وسيحدث بلا شك، بدون أي شك سيحدث ذلك التوتر المحمود، أن يفلت من لسان وزير تصريح في غير محلّه، أو تتحول مداخلة من المداخلات إلى صدام طفيف لا يفسد للود قضية، هذا جزء من طبيعة الجلسات، ونعم سيميل البعض لاستثمار ذلك في إطارات تسويقية مبالغ فيها مثل: شوف كيف الحكومة تسمع؟ شوف كيف الوزير طيّب ويسمع؟ وغيره من الكلام الذي له فوائد عاطفية غير عملية. جلسة أسبوعية مع وكيل، جلسة كل أسبوعين مع وزير، وجلسات عديدة مع مدراء العموم في الوزارات، وموقع إلكتروني لآلية مع الوقت تتحول إلى نافذة ليست فقط للمداخلات والكلام المرتجل، بل أيضا للعروض التقديمية وعرض المشاريع، بالتالي دخلنا في تركيب آخر نافع وذكي. وإليكم المثال. جلسة تجمع وزارة التربية والتعليم مع فريق من طلاب الجامعات لديهم مشروع ومقترحات عن الذكاء الصناعي، يمنحون خمس دقائق لطرح مشروعهم، ويكون ذلك بحضور الوزيرة، وبحضور الناس، وبعدها عشر دقائق لمناقشة ذلك المشروع، وهكذا دواليك، تمضي تلك الجلسة لتحمل مع الوقت تقاليد، وأعراف، وتكتسب حضورا واقعيا عمليا يحوّل هذه الجلسات من حدث إعلامي إلى حدث عملي، وعلمي، وربما حدث فكري. أعتب كثيرا على كل إنسان يظن أن جلوس الحكومة مع الناس هذا (يكفي) وكأن زوال الحاجز بين المواطن والمسؤول للجلوس والدردشة هذا في حد ذاته هو الإنجاز، ألا نحب وطننا؟ ونريد له الخير؟ هُنا يجب توسعة وتعميق كل ملمح من هذه اللقاءت، في النهاية إن كان الوزير سيحضر هذه الجلسة فقط لكي يتلقى التأنيب، وبالتالي سيتولى هو التبرير، هذه إضاعة لوقت مسؤول رسمي ليته جلس فيه في اجتماع لينجز شيئا أهم. ومجددا لا أقول هذا الذي يحدث، هذا الذي أتمنى ألا يحدث. كمواطن فرد يسعدني أنني أعبر عن رأيي في أداء وزير في جلسة من الجلسات، وأن أرى التباين في الخطاب بين الوزير الذي يعامل الناس معاملة الشريك لهم، والذي يقف في صف واحد يذهب فيه الجميع إلى هدف واحد، والوزير الذي يتعامل بدفاعية لا تخلو من التشنج مع أن الناس فعليا تستشعر جهده وعمله، أو الوزير الذي يستخدم كلمة (نحن) في المنجز وكلمة (أنا) عندما يكون هناك تحدي، أمام الوزير الذي يستخدم كلمة (أنا) في النجاحات وكلمة نحن في التحديات أو التقصير. كُل هذا يفتح أبوابا جديدة للعصف الذهني الجماعي، ولصناعة بنوك أفكار، وبنوك مقترحات، وهذه (الفعاليات) تتحول مع الوقت إلى ما يشبه المؤتمرات الصغيرة، والتي بها تمكين للجيل الشاب، وحضور وتفاعل وتعارف، وأشياء لا حصر لها من الفوائد. الجلوس سويا لكي ننظر في ما هو غير ممكن، والتشكي عن الميزانيات، أو تأنيب وزير على عدم تمام مشروع، أو وزير يبرر بلا توقف، أو جلسة مديح لوزير بأنه السوبر خارق والذي فعل كل شيء وختَّم سجلّات النجاح، أو العكس إلغاءه تماما وكأنَّه لم يفعل أي شيء. هذا التفاعل ليس إنجازا، هذا ا لتفاعل هو حدوث لما هو طبيعي، وما هو طبيعي يقود لما هو فاعل ومثمر، وبالتالي، عسى أن تنفع هذه المقترحات في شيء ما. هو اجتهاد أولا وأخيرا وعسى أن يقود إلى أي نفع عام حتى لو كان من أجل تخطيط جلسة من الجلسات، أو إعطاء إطار معين يقود إلى استهداف فئوي (علمي وليس بناء على العلاقات) يجمع الوزير مع بنك أفكار اجتماعي لا نعلم أي توفيق إلهي قد يقدح زناد فكرة تتحول إلى واقع. لا أستطيع أيضا أن أخفي سروري الخفي ببعض (الأكشن) الذي يحدث في بعض الجلسات، خروج التواصل بين الحكومة والناس من تشنج الخوف من النقد خطوة أولى، ما بعد ذلك من خطوات هي التي تتحول إلى واقع عملي، وعسى أن نرى توسعا وتعمقا في هذه الجلسات لتأثير عملي أكبر. معاوية سالم الرواحي