بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أغسطس 2017

اعترافات ليلة لئيمة ..


 أعترف أنني لا أفهم ما الذي يعنيه أن يكون الإنسان كاتبا، ظننت لسنوات أن الكاتب هو إنسان ما لكنني لم أستطع إيجاد ذلك، لا في الإنسان الذي أعبر عنه ككاتب، ولا في الكاتب الذي أعبر عنه كإنسان، المغالطة غير منطقية من البداية بين الكتابة والحروف، وذلك التمايز الدقيق بين نص وآخر يجعلك تتساءل أحيانا عن الفرق، في ليلة تنتج فيها نصا أدبيا، وفي ليالٍ أخرى لا تفوح من الأفكار إلا الثرثرة التافهة، ونعم للأسف بعض الكتابة ثرثرة، تحوم دائما حول تلك المناطق التي لم يكن يجب أن تكون [حمى] فضلا عن أن تكون شيئا آخر، لا أعرف ما الذي يعنيه أن يكون الإنسان كاتبا، هذا سؤال معقد، أطرحه ببراءة ظاهرية في مدونتي، التي هي أيضا [محل كتابة] وأتذكر، ذلك الإنسان الذي كان يكتب بذلك الإفراط الكبير المبالغ فيه عن قضايا قد لا تبدو مهمة جدا، أو عن قضايا كبيرة لا يعبأ بها كثيرا. مغالطة الكتابة معاكسة بين الكاتب، وبين فهمه لما يكتبه، الأمر مثل البئر، التي تضطر أحيانا إلى تعميقها، بئر الكتابة غدة تشبه غدة العريفي، فيها شيء من السحر اللامعقول من تكامل كل الظروف العقلية لكي تنتج كتابة، تدهشك أنها خرجت من عقلك، نوع من العلاقة الطويلة جدا بين البئر وبين كل لاجئ إلى معينه.

معضلة الكتابة الدائمة أنها تؤمن بالحرية، لديها نزعة للتطاول على الأشياء التي يعلم الجميع بوجودها ولكن لسبب ما يرفض أن تكون محور نطق، نوع من الأمر بالصمت، لممارسة جماعية للصمت يصبح فيها المستحق لحقه والممارس له، على الجانب الآخر من السياج المر. جانب مرير عاشه آلاف العرب، آلاف الشباب، لم أتوقع أن أكون منهم، لقد كانت لدغات الحرية مرعبة حقا.
معضلة الكتابة، أنها دائما مرتبطة بالثقافة لسبب غريب، لا أرى أي مانع أن يكون حداد كاتب أغاني راب، أو أن تكتب راقصة باليه قصصا قصيرة، معضلة الكتابة أنها واسعة شاسعة، لها مليار تعريف، نعرف جيدا أن التعريف الخطأ منها، نتاج [تجربة] خطأ، وحتى عنما نمارس هذا التعفف، أن نصف الكتابة بالتجربة، نعطيها صفة [غير كتابة] لأنها ربما لم ترق لنا، وهنا دخلنا في القارئ أكثر الأشياء مرعبة في الكاتب، هنا دخلنا في ما يمثله الكاتب خارج محيط حياته بين الكلمات والحروف، جانب الحقيقة أن كائنا في الجانب الآخر يتذكر جيدا ما كتبته ربما ونسيت الكثير منه، يعلم جيدا المنطق الحرجة في روحك، وتخرج الأشياء فيها، إلى كتابة أخرى، واسعة ممتدة، كتابة أشبه بمغامرة في الجبال المجاورة، دون ماء، ودون حقيبة، تتجول بملابسك في مكان لا ينتهي اتساعه، وهنا دخلنا، في التدوين، الذي جعل شكل الكتابة يوميا، وبالتالي جعلها واجب يومي.
هناك دائما مرحلة ما، تصمت الكتابة عن الكلام، وهذه المرحلة، هي التي تحدث الآن بكرم باذخ من قبل الوضع العربي المرير، كلنا الذين قررنا الكتابة بهذا اللغة، نعلم أنني اخترنا قارئا عربيا، ونعلم أنني نتحدث في مشاكل متشابهة، تشابهت الأحزاب والقمع واحد، سواء وجود شيء اسمه حزب الله في ما يفترض أن يكون دولة مستقلة ذات دستور وسيادة، إلى تسلط جهاز الأمن الداخلي في سلطنة عمان على المغردين والكتاب الإلكترونيين، إلى ما يحدث من كوارث إنسانية في الإمارات، إلى ما يحدث أحيانا من فصل لأكاديميين أمريكيين بسبب تعليقات كانت في أغلب الأحيان بريئة وتقع في نطاق الحرية، ولكن هناك دائما تلك اللحظة التي تسيس فعلا يوميا عاديا، وتجعله دائما في حالة عودة دائما للصمت الأول، النزعة الأصيلة الأكثر تطورا في الإنسان، نزعة الصمت.
الإنسان لا يحب الحرية كثيرا، هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، وعندما أقول الإنسان، أتكلم عن كوكب الأرض بكل تاريخ الأرض المتناقض، يعني الإنسان الإنسان العام، يرى دائما في الحرية شيئا مزعجا، ويحتاج إلى رعاية دائما وأسئلته لا تتوقف، وكل إنسان في مجتمع، يميل كثيرا، كثيرا إلى أن يأخذ من الحرية ما يكفيه، ظانا أن ما يكفيه لا يقع ضمن حقوق غيره، لذلك الكتابة، تبدو مغامرة دائمة مرتبطة مع الحرية، ومع الحياة، ودخلنا للحياة، كل إنسان بشكل ما يريد أن [يكتب] ما عاشه من حرية في حياته، بالمعنى العام، أنه عاش كل حياته دون أن يسجن، فهذه في حد ذاتها حياة جميلة جدا، كل شخص عاش دون دراما لعينة غيرت أفكاره بشكل جذري، يفهم جيدا حاجته إلى الحياة، وإلى كتابة هذه الحياة، وحتى المصور، يكتب ألف كلمة دائما في كل صورة على الأقل، عندما تتعدد المعاني والتأويلات، يمكنك أن تقيس فكرة هذه الصورة [كم كلمة] وتصل للنتيجة نفسها، بعض الصور تستحق مئات الكلمات، وبعض الصور أفرزت آلاف الكلمات، سواء كانت صورة دليل على جريمة سرقة بنك، أو كانت صورة لإنسان يوثق أيامه في جبل من الجبال، أو إنسان كان محبوبا، شاءت الظروف الصحية أن يودع كل من يحبهم، في سريره الأخير بعدما داهمه المرض عاجلا. كلنا نكتب بشكل أو بآخر، وهذا هو العناد الذي أمارسه بشكل قهري، أن الكتابة، هي ليست من [الأشياء الجميلة في الحياة] لكنها من الحقوق الأولى.
الكتابة، عندما تدون أي شيء فتلك كتابة، فكل التدوين كتابة، ولكن ليس كل الكتابة تدوين، أتحدث على الأقل عن التدوين كما عرفناه في السنوات الفانية، عندما كان يمكن للإنسان أن يعبر عن رأيه في عمان بحرية جميلة. بصدق كانت فترة رائعة جدا امتلأ الجيل فيها كاملا بحماسة حالمة عن اقتراب الإصلاح.
صارت هذه الكلمة، كلمة تودي بأصحابها للسجون!

حسنا
إلى أن أخرج من  جو الفيس بوك سأحتاج بعض الوقت للتعود.
فلنترك الأشياء معلقة في زمام أحلامها إلى أن أعود من هذا الصداع المفاجئ ..


والجو أصبح حارا جدا وخانق .. ولا مكيفات في هذه البلاد