بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 25 يوليو 2018

أغسطس القريب!



 متى سأكتب؟ هذا هو السؤال الذي لا أتوقف عن سؤاله. كلما جئت لأتحرش بالمساحة البيضاء أجد نفسي في شلّالٍ من أعاصير النفس، غضبٌ حادٌ صافٍ قانٍ واضح المعالم صارخ الكلمات. سكين بمعنى الكلمة! ومرة أخرى أسأل نفسي: هل الكتابة وسيلة حقا لتفريغ الغضب أم لصناعته من الأساس؟ المسلمات الأولى الحمقاء التي يعلكها كثيرون ليست صحيحة مطلقا، أن [يفرغ] الإنسان مشاعرَ ما لأنه يشعر بها هي ليست أكثر من محاولة للتحايل عبر التشبيه، في الحقيقة النفس موضوع ديناميكي متحرك أكثر تعقيدا من فكرة الدخول والخروج، أو الاحتقان والتفريغ. لذلك لا أتساءل الآن عن شيء ما سيخرج من رأسي بالضرورة، أو جمجمتي وفق تعبير آخر، وإنما أتساءل عن اللحظة التي ستتفاعل فيها خلايا دماغي مع هذا الكوكب مجددا. ليس في قلبي سوى الغضب الشديد والشعور المرير بالغضب على النفس نتيجة أشياء كثيرة متراكمة. مع الغضب على النفس يأتي الآخر أيضا متجليا في أقبح حلله، الماضي الذي لا يمكن أن يفلت منه الإنسان. من هذا الذي اخترع الكليشيه الأحمق عن النسيان والغفران؟ هؤلاء الحمقى لا يكتفون بالوهم لنفسهم فقط ولكن يمررونه لتصبح مقولة أخرى بدون قائل، حقيقة جديدة من الحقائق دون اختبار، كالكتابة بشكل أو بآخر، نداء غامض من الأماكن المظلمة والساطعة في الروح، وماذا بعد؟ لا أحد يعرف كيف سيكون شكل الكلمات غدا، الإنسان يفهم مشاعره بشكل أو بآخر لكن الكتابة شيء آخر، أبعد من فهم النفس، خارجها وتكاد النفس أمام الكتابة أن تكون شيئا من أشيائها، حتى حياة الإنسان الكاتب تنعجن في عجين معركة تجربة الحياة حتى تبقى الكلمات فقط. من قال أن الكلمات قدر جميل؟ من هؤلاء الحمقى الذين فرشوا طريق الكتابة أمام الآخرين بالورود؟ أي كتاب فاشلين هؤلاء الذين يظنون الكتابة جميلة؟ والذين يظنون أن الكتابة شيء يُنال أو يوصل إليه، نقطة في الطريق. من هؤلاء الحمقى الذين وضعوا هذه القوانين؟ لماذا كل كتاب الأرض العظماء لم يتبعوا هذه القوانين؟ هناك سبب ما تعرفه الكلمات، والكلمات صفقة لعينة، إن أعطيتها كلَّك فربما تمنحك بعضها، صفقة بائسة من البداية وكل من يدخله يعرف جيدا الدرب القادم من الخسارات، هذه أسرار الكتابة الكبيرة التي لا يتجرأ كاتب على فضحها، خساراتها، ومآسيها وتضحياتها. الباقي سيتجلى في شكل من أشكال الاعتراف أمام الآخر ذات يوم، الكتابة درب لم يبدأ يوما، درب المشي في الخطوة نفسها مرارا وتكرارا، الكتابة استباق الخطوة الألف بتكرار الأولى ألف مرة. الكتابة شيء ما غريب ولا أفهم حقا ما معنى أن يكون [سين] كاتبا [وصاد] غير كاتب، الجميع يكتب، الكتابة من حق الجميع؟ أليس كذلك؟
أفكر بالكتابة فقط ولكنني لا أكتب. عقلي حصن نفسه وتعوذ مني. مشاعري هائجة يمينا ويسارا، غاضب ونقوم والحسرة التي كنت أظنها حزن من الغفران أصبحت سما من سموم العدوانية. إلى أين ستذهب بنا الكلمات؟ وهل من الحكمة أن تكتب أصلا وأنت غاضب على كل شيء؟ لا أعلم توقيتا مناسبا لأكتب، أعلم أنني أكتب بلا توقف. لكنني حائر، حائر للغاية، حائر ومرهق إلى الدرجة التي تجعلني الآن فقط أفهم لماذا كتبت هذه التدوينة.

يا أنتِ أيتها الكلمات؟ أي لغز تعيسٍ أنت؟


معاوية
24/7/2018