وهذي كلمة نصح من القلب أقولها لكل إخواني الموحدين، والمؤمنين أولا وأخيرا. يشيع في الساحة العُمانية استقطاب جديد، وما أوَّل مرة يصير، وبتكلم بصراحة ومن قلبي. وعسى أن يقع كلامي في قلوبكم موقعا حسنا.
أتحدث عن قلقي على سلامة المدرسيين، من التوجه الديني.
شوف يا صديقي المؤمن، يا عزيزي الموحد، يا أخي في الله أولا وأخيرا. أنت تعلم أن العالم مدارس وشيع، وتعلمُ حتمية الحياة العربية.
لحرية التعبير في عُمان سقف يحدده ماذا؟ القانون، طبعا هذه كلمة ملطفة تستبدل كلمة أخرى [السلطة]، هذه حقيقة حتمية لست بصدد تفنيد أو تأييد واقعيتها.
فكرة تضاد حريات الثقافة [المدرسية اليسارية] .. أو اليمين [المدرسية الدينية] للأسف الشديد ظاهرة عالمية، وفي عُمان بدأ الاستقطاب يميل إلى كفة سابقة، عشناها في عُمان لفترة من الزمن، وقتها ظننا أن طريق [سقف حرية التعبير] خطي، وأن ما تم اكتسابه لا يزول. طبعا هذا كله وهم، والواقع يختلف
وعاشت الثقافة كاميكازية امتدت لسنوات، وكما حدث أيام إعلان أحداث 2005 الدينية، انفلتَ لسان اليسار الثقافي مشيطنا اليمين، وحدث ما حدث وتعلمونه. وانقلبت الآيات في وقتٍ لاحق، كل هذا جزء من تاريخ متعلق بصراعات الاستقرار، والحرية في عمان، وتضادات المدارس الفكرية، كل هذا مفهوم.
وما الذي يحدث الآن؟موجة التوازن العُمانية الجديدة، وحالة الاستقرار السياسي، وانعكاس هذا الهدوء على عُمان بدأ يكوّن حالة من نشأة [السقف الأعلى] ولن أقول [الحرية] لكي لا أكون مطبلا من الدرجة الأولى. هُناك سقف ثقافي جديد، وحالة ثقة حذرة من الطرفين بين السلطة والثقافة. شيء مبشر ولكن!
يجب أن تفهم شيء يا عزيزي المتدين، كاميكازيتك لن تنقلب على رأسك أنت فقط، هُناك خصم يتربص بك، وعُمان تتجه كل يوم لتكون دولة كل أمنياتي أن تتبنى حريات الكويت الثقافية، وهذا لن يحدث دون أن تكون أنت جزءا من الطاولة الكبيرة، طاولة الحوار للجميع. يجب أن تفهم، أنت جزء من حرية الجميع.
يجب أن تفهم عزيزي المتدين المحافظ أو اليميني، بالعماني [المطوع] أن حمايتك لنفسك، وسلامتك ضرورية في المرحلة الحالية، ضرورية للجميع، ضرورية لخصمك الفكري. ضرورية لنا كلنا كعمانيين، لأنَّ الخطوة الأولى التي بيد السلطة قد حدثت، هُناك انفراج نسبي، والآن الكرة في ملعب اجتماعي، لا سياسي.
يجب أن تفهم عزيزي المتدين،أن حفاظك على سلامتك يحافظ علينا أجمعين،وأن الذي يحدث الآن هو حالة اتزان تقترب من الرجحان في خط المنتصف، تحمّل خصمك أولا، وكن حكيما رشيدا. إن تهورت كما فعل كاتب هذه السطور وكثيرون، فليتك ستخدم قضيتك على الأقل، ستهلك كثيرين معك، وستجعل الكلمة مخيفة للجميع.
ويجب أن تفهم أن الجميع مستعد أن يكون ضدك إن اقتربت من المفاهيم الفلسفية الجديدة التي تحدد مفهوم الحرية الفردية، أيضا هذا هو حكم الأمر الواقع لست بصدد تفنيد أو تأييد ذلك، وإنما هي الحتمية الواقعية وأنت تعلم ذلك جيدا. أنت كائن سهل أن يُشيطَن كما يستمرئ بعض رفاق أن يُشَيْطِن.
إن انتصار مدارس الضغينة، وتحولها إلى فتن اجتماعية يعزز مدرسية البعض، مدرسية إدارة أزمات التجمّع البشري، وأنت تعلم مقصدي. يعني دخولنا في حالة موجية جديدة. يعني [ما سوينا شيء] ..
المدرسية الرقابية تدعمك حتى تقمع غيرك، والآن ضغينة جديدة، نتيجة صمتك عن ما حدث للمدرسة الأخرى.
ومن السهل شيطنتك، وتحويل حماستك إلى كلمة [متطرف]، وأنت لست مشروع لاجئ مقبول عالميا، ولا مشروع [فرداني] لكي يصطف معك المنهج الشائع في الفردية [المعلنة والسرية] في عُمان، أنت ضحية جاهزة، واليسار الثقافي بعضه جاهز لكي يشمت فيك، ولكي يخرّب ركنا من الطاولة الكبيرة، طاولة الرأي للجميع.
وأعلم حساسية، وخصوصية الكثير من الأشياء المتعلقة [بتاريخانية] المدارس الدينية، كل هذا مفهوم لديك ولدي، تقوله بدون أن تقوله، لكننا أبناء في مجتمع واحد، وكل هذا التفتح التدريجي [الحذر] لسقف الحريات قد يتحول إلى مشهد مأساوي إذا لم نعامل بعضنا البعض كما نعامل الغريب المُختلف.
وسأقولها لك من قلبي، محبا، ناصحا، متمنيا أن أراك تقول ما تقوله وأنت تقوله، كما أتمنى لخصمك أن يقول ما يقوله وهو يقوله. سنخرج من مدارس التأشير، والترميز فقط عندما نقرر ذلك اجتماعيا، أما على صعيد السلطة، ثمة بشائر قد لا تكون ساطعة كما نحب ونشاء، لكنها ليست مظلمة كما نخشى ونخاف.
المؤشرت تقول أن إغلاقا لملفات كثيرة [لشخوص] يتم إغلاقها الآن، وهذا قد يستفزك، وقد يستفز أناسا من الطرفين، ما الحل يا صديقي المؤمن؟ يا رفيقي في التوحيد؟ هل الحل الآن هو أن ترمي نفسك فدائيا لكي تكون المقموع في العصر القادم؟ هذا ليس حلا، ولن يكون.
وللأسف، يجب أن نعامل بعضنا كما نعامل الغريب عن عُمان. وأن نقرَّ أننا عدائيون بمعنى الكلمة تجاه بعضنا البعض، وأن فكرة أحادية التوجه الفكري العُماني هي ضرب من ضروب الخيال، آمنت به السلطة، أم الثقافة، أم التيار الديني. نحن لطفاء مع الغريب المختلف، وقساة جدا على بعضنا البعض.
ومن البريء؟ لا يوجد إنسان بريء. كل الحراك الفكري يحمل في طيّاته سلطةً ما، وقمعا ما والتناسب المنطقي هو الذي يحدد التناغم الاجتماعي، الجميع يعلم ذلك، ولكن من الذي سيخطو الخطوة الأولى؟ من الذي سيتحمل النقاش مع خصمه؟ أرجوك يا عزيزي المتدين، لا تكن الكاميكازي القادم في الطريق.
وهذا الكلام الذي في قلبي، نابع من الأمل، والتجربة من الخطأ. أتمسك بأحلامي الغبية، أن نعتبر الطاولة كائنا جامدا، لا مساحةً يتقاتل الأطراف للحصول على أكبر عدد من أعمدتها وسطوحها. كلام مثالي تافه لكنني أتمناه لك ولي ولخصمك ولعدوك وعدوي، الرأي بمعناه الصافي المجرد.
وهذا ما كان في قلبي، وددت قوله منذ زمن. ما لازم حد مقموع عشان ينتعش كيان شخص آخر. فلنعامل بعضنا البعض كغرباء، هذا خيرٌ لنا من كل ما يحدثُ خارج النقاش، من التأجيج والاغتيالات الاجتماعية، من صناعة أدوات الصدام، ومن تحويل الأفكار إلى سهام متطايرة إن أصابت خابت، وإن خابت أصابت.
ولتكن المواقف، وليكن النقد، وليكن التحليل، وليكن كل شيء، إلا أن تُبنى حرية المثقف على قمع الديني، أو تُبنى حرية الديني على قمع المثقف، أو أن يتم التعامل مع هذه البشائر الشحيحة الحذرة من الضوء بلغة الاستحواذ، والاستحقاق الجمعي والمدرسي، حنانيكم أجمعين. هذا المجتمع يستحق طاولته.
أما عن السلطة في عُمان، فندائي [الفردي] هو العودة للوضع القديم، وتجنب الاعتقالات، تحقيق ويعود لمنزله، واعتماد سياسة العفو ما استطعتم لذلك سبيلا. لست بصدد تأييد أو شجب ما تفعله السلطة، هذه أمنيتي [الفردية] خارج أي اعتبار جماعي، وعسى ألا تسبب لي هذه التغريدة أزمة لا أريدها.
وفي الختام. هذا كل الكلام الذي كان عالقا في قلبي. لا أتمنى أن ندخل عصر [المطوع الكاميكازي] بعد أن ينتهي عصر المثقف الكاميكازي، هذه الدائرة المريرة التي هي طاولة اجتماعية قبل كل شيء، هل تريد السلطة ذلك؟ أم ترفضه؟ لا أعلم. كل ما أتمناه أن نترك للغد طاولةً للأفكار، ومسرحا للإبداع.
هذا وسلام الله على الجَميع، أكبر أزمات عُمان الآن على صعيد المعيشة ستحل بالعقول الاقتصادية، أما أكبر مشكلات عُمان على صعيد التعبير عن الرأي فهي هذا الاستقطاب، ومن الذي عساه أن يكون سباقا للخطوة الأولى [لا أدري]!
قلت كل ما عندي وبريت ذمتي ..
والله يحميني من ردة فعل غاشمة أو ظالمة.