نعم [يكفي!] .. أقصى ما يُراد الوصولُ إليه إزاء القلق الاجتماعي، والتوتر،
وأشكال أخرى من الرهاب الطفيف التي تكبِّل الإنسان، وتشتت طريقه في الوصول إلى
معنى وجوده بين البشر في هذا الكوكب. شعورُك بالاضطرار إلى التعايش يدفعك لفعل الكثير،
في معظم الأحوال يفعلُ البشرُ ذلك من أجل مصالحهم، وآمالِهم التي تحتاجُ إلى هامشٍ
اجتماعيٍّ ما، البعضُ يسعى بهوسٍ للحصول على التقدير، والقلةُ من القلة الذي يبنون
دفاعاتٍ محكمةٍ تمنعُ تسرب الأنذال إلى حياتِه. الوصول إلى حالة يكفي يعني الكثير
من السخط مع الذين يضمرون لك الأذى، وتحترقُ همزاتهم، ولمزاتهم بحثا عن المدخل
المناسب الذي سيكون كافيا لإيذاء إنسان بلا دفاعات. الوصول إلى حالة يكفي يعني
نهاية بناء الدفاعات حول مخازن الأسلحة، وبداية زمان الحفظ، والعناية، والصيانة
لكل ذلك الذي تحاول حمايته من حياة.
يبالغُ البعض في الاستخفاف بالحياة، واللامبالاة فنٌّ رائجٌ له سوقه في
زماننا الجديد. هو، وباقي سخافات الاكتفاء بالذات. يغالي المنعزلون في مديح
عزلتهم، ويمكن بسهولة الوقوع في الخلط بينهم وبين المتعالين على الآخرين، الفرق بين
الفريق الأول والثاني أن المنعزلَ لديه خطَّة ما لينضم إلى ركب الحياة، أو
قطارِها. المتعالي لا يفعلُ ذلك، ثمَّة شيء يحرقه في داخلِه، وذلك لا ينشغل بحياتِه بل يضع الآخرين نصب عينيه،
ويوجه اهتمامه إلى ما يفعلون، وينسى غرابة ما يفعله، ولا يعرف الآثار طويلة المدى
على سلوكٍ مثل هذا، على صحته النفسية، وعلى صفائه الوجداني، وعلى نقائه، ينعزل
محترقاً فإمَّا يكيدُ إن استطاع، وإما يفتك به الغلُّ على كل أولئك الذين كسروا
الحاجز الكبير، وانضموا إلى ركب الحياة.
هُناك حالتان من [يكفي] يصل لهما المرء. حالةٌ
يكون فيها ممتلئا بكل ما في الناس من الناس، وحالةٌ يكون فيها ممتلئا بكل ما في
الذات من الناس. في الأولى يصلُ إلى الحد المنطقي للحياة الاجتماعية التي يمكن
لشخص واحد أن يعيشها، وفي الحالة الثانية يصلُ إلى أقصى ما يمكن أن يقدمه [للآخر]
وذلك يشمل الغريب والقريب. هُنا تأتي أهمية الموجاتِ الصاعدة والهابطة، وفنُّ
إدارةِ الجهود، والأهم واجب العناية بالذات أمام طوفان الحياة الذي من السهل أن يجرف
فرداً في طيّات وديانِه الجارفة. يعلم المرء أن الوصول إلى حالةِ يكفي يعني التوقف
عن شيء ما، ولكن! يتوقف ليبدأ ماذا؟ هُنا السؤال الكبير الذي عليه أن يجيب عليه
قبل أن يعيد اكتناز بعض طاقته ليعاود الكرَّة، ويخرج للحياة وهو لا يعلم أنه يعيش
دائرة مفرغة، كلها حول الحضور المؤقت، والغياب المؤقت. الوصول إلى حالة [يكفي] يجب
أن يتبعه الوصول إلى حالة [أبدأ]، أبدأ بماذا؟ هذا سؤال آخر له موعده المُختلف.
معاوية الرواحي