الاستحقاق المفرط هو أغربُ ما في كُل زمان. في عصرٍ سابقٍ، عندما تسلطَ المحافظون، إطلاق رأيٍ عن تزمتهم، أو رؤيتهم للحياة، أو تمسكهم بدين، أو حزب سياسي، أو يمينٍ شعبي كان يسبب ردة فعل هائجة من قبلهم، فيغالون في الإلغاء، وإفساد الود، وفي حالاتٍ أخرى الاستهداف، والهجوم والاغتيال الاجتماعي.
ثمَّ تنقلب الآيات، اختلفت التوجهات والأفكار، وبقي الاستحقاق نفسه. أي عصر هذا الذي نعيش فيه اليوم؟ نُكتة كفيلة بإثارة الرأي العام، والضغط على شركات عابرة للقارات لإلغاء عقد مع ممثل، أو كوميديان لأنَّه [خالف حساسيات الآخرين].
إلى أين يسير هذا اليسار المجنون! حتى اليساري الذي كان يعتبر متحمسا قبل عشر سنوات أصبح اليوم يمينيا محافظا بالمقارنة مع هذا الجنون!
مات والش، جوردن بيترسون، نماذج عالمية تدق أجراس الإنذار مرارا وتكراراً. وإيلون ماسك يشتري تويتر، ويعيد حساب ترامب، وهي خطوة كبيرة جدا، وحسابات أخرى مشاغبة أيضا، ولكن هل هذا موضوع وقت؟ قبل أن تنهار المنصات المناوئة لليسار المتشنج؟ ثم ماذا؟ عالم تحكمه خوارزمية موجهة؟ الصين من جهة تتدخل في الصناعة التقنية، وتضع لنفسها موطأ قدم، والولايات المتحدة والغرب تواصل الدفع بهوسٍ بنظريات الحياة المحدثة [الحداثية، وما بعد بعد الحداثية].
المؤسف حقاً هو كل الذي لا يفهمُ إلى أي مدى من المهم أن تصنع نموذجك المحلي الخاص بك من [الخطأ، والصواب] ونعم، أعيدها، من الخطأ والصواب، إفساح المجال لبيئتك المحلية كي تتعلم من هذه التجارب في مكانٍ متفقٍ عليه، تتسرب إليه أعراف عقود التعايش الاجتماعية ضمنيا، وتصنع تناغمها الخاص بها، دون التشنج في التوجيه. قليل من الواقعية، وإدراك فارق القوى بين هذا الطوفان العالمي الكاسح، والنظرية العتيقة التي حتى هذه اللحظة تتعامل بحساسية مضادة مع كل هذا الجنون العالمي. كل شيء ينذر بالصدام، الحرب في أوكرانيا، التشنج، سجن الرئيس ترامب، أزمة الغاز، اقتراب الصين، الطغيان الإسرائيلي، سقوط النظرية الغربية كنظرية حياة وحقوق، والباقي في كل هذه المعمعة هي الديمقراطية والتمثيل الشعبي، والتي هي المشكلة والحل.
سأبلغ الأربعين بعد أربعة شهور، ولا أعرف في عمر سأكون لأرى المحصلة النهائية لكل هذا الصراع! أوروبا وأمريكيا مسيحية محافظة؟ حرب عالمية ثالثة تأكل الأخضر واليابس؟ تقسم روسيا إلى عدة دول بعد حرب أهلية؟ أزمة في الخليج العربي؟ أزمات جديدة في غرب أفريقيا؟ ما الذي يحدث؟ كل هذا يقود إلى تغيير عالمي، والزمان سيقول لنا من المنتصر إن كنا أحياء وقتها! غير ذلك، كل التوفيق للصراصير في التعامل مع الغبار الذري الذي سيملأ الكوكب ..