بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 1 يوليو 2023

 

 

يوميات إنسان #مال_إعلانات:

 

شديدة هي حالة الضيق الشديد، والسخط حيال الذين يسمون [مشاهير السوشال ميديا]. ولست بصدد تحليل هذه الظاهرة، لأنَّ الذي لا تروق له ظاهرة ما عليه أن يطرح منافساً نوعيا يتغلب عليها. وهذه مهمة مؤسسات متكاملة، هي التي يجب عليها أن تدعم، وتصنع، المحتوى النوعي الإلكتروني، ولأكون صريحا أقصى درجات الصراحة كصاحب تجربة تدخل الآن عامَها الــ21 من النشاط الرقمي فإن الذي ينفعك كصاحب نشاط تسويقي في الإنترنت هو الجانب الترفيهي، أمارس كتابة المقالات، وأنشر مقاطع فيديو كثيرة جدا في مجال علم النفس، ومجالات اجتماعية أخرى، نصيبها من الزيارات لا يتجاوز عُشر فيديو فكاهي أظهر فيه [بكاركتر] ماريو الغاضب الذي يتنازع كأنه أحد الشيَّاب على قوطي رد بول مرمي في الشارع.

اليوم تاريخ واحد يوليو المجيد، أعود للانضمام إلى جهود فريقنا الناشئ ضمن مشروع ميزان للمحتوى الرقمي، الحلم كبير، وبعيد، والبدايات متعبة ومرهقة، اليوم أعود للعمل الإداري اليومي مع الفريق الذي يتولى العقود مع الشركات الكبيرة، وأنا وصديقي المصور ووالمونتاج والخبير التقني وفني الإضاءة والصوت نتولى جانبنا الذي نحبه، الشركات الصغيرة والمتوسطة.

لأكون صادقاً، لا أحب مطلقاً التعامل مع موظفي الشركات الكبيرة، ليس لأن بهم مشكلة، ولكن لأنني دائما شخصي في علاقتي مع الزبون، وعالم الشركات ليست لديه هذه [الشخصانية] في التعامل مع صاحب المنصة الذي يعلن لهم، يتغير الموظف، ويتغير المدير، ويتغير الناس أما العقد فهو أساس التعامل. تجربة العمل مع الشركات الكبيرة مربحة، لكنها ليست ممتعة للغاية، والحمد لله يتولى فريق ميزان هذا الجانب إداريا وماليا وتبقى مهمتي هي جانب التصوير، والحضور، والاتفاق على الفكرة، وتفاصيل أخرى فنية بحتة كلها اضطررت لتعلمها بالتجربة والخطأ، وبحمد الله، تجربة مع أواصر، وأونك، وفودافون، وعلاقات جميلة مع تم دن، وشركات أخرى كلها لطيفة جدا، لكن يبقى ذلك العامل الذي يجعل وقت العمل مليئا بالشغف، أو مليئا بقلق الإنجاز.

 

كنت مصابا بالذعر من عودتي بعد عام من الدراسة، والضغط الدراسي، والهلع، والانتقام من عقدة الفشل الدراسي، وحققت بحمد الله المعدل التراكمي الكامل [4/4] بنتائج [أ] في كل المواد لمدة فصلين. خفتُ أن طاقتي في العمل قد قلَّت، وأنني لن أستطيع أن أفعل ما كنت أفعله من قبل، العمل لمدة 12 ساعة في اليوم.

عندما تعمل في مجال الإعلانات يبدو الأمر من الخارج سهلا، وهذا ما يجلب امتعاض البعض من [سهولة] حياة الذين يسمون بالمشاهير، من هذا عساه يكون لكي يخرج في زيارة، ويصور مجموعة فيديوهات ويحصل على 300 ريال، وأحيانا ألف ريال وأكثر، لا بد أن حياته سهلة للغاية وأن الذي يحصل عليه لا يستحقه!

هذا ما يبدو من الخارج، ولكن الحقيقة شيء آخر. عندما تعمل في مجال الإعلانات، فأنت تضيف إلى عبء إدارة المنصات، وصناعة المحتوى، وعصر ذهنك لكتابة وتصوير أفكار جديدة عامل العمل التجاري. أن تعمل في مجال الإعلانات يعني أن تكون ملتصقا بهاتفك، وبزبونك، تتفق، تعقد الصفقة، تحدد المواعيد، تنتظر معلومات إضافية، وبعدها تدخل التنفيذ، وتنتظر المزاج الملائم للتصوير، وتشرب قهوة، وأحيانا أضطر لممارسة رياضة لمدة نصف ساعة فقط لكي أعدل من وضع مزاجي المضطرب وشخصيتي التي تميل للاكتئاب مع أبسط رفة جفن من جفون الوقت!

 

عمل شاقٌ بمعنى الكلمة، وكأن زحام الحياة لا يكفي، والكتابة لا تكفي لشغل كل الحياة. هكذا كنت أتصور عودتي للعمل في مجالي في الفريق، مع الذين أحب التعامل معهم مباشرة، أصحاب المشاريع. طريقتي في العمل للأسف الشديد [شخصية] وما أن أرتاح لإنسان وأجد منه تعاملا لطيفا أجدني أتحمس في العمل معه. المدهش فعلا، هي تلك الدروس اليومية من أكثر من عشرة اتصالات، معظمها لا يصل لإعلان، البعض يريد أسعار مخفضة للغاية، البعض لا يريد الإعلان سريعا وإنما بعد عدة شهور، هذا ليس مهما أمام جودة ونوعية التواصل، عندما تتواصل مع صاحب المشروع مباشرة، يختلف التفاوض، ويصبح وديا، وأكثر أريحية من عالم الشركات الكبيرة، حتى لو كان الموظف الذي يتواصل معك رائعا بمعنى الكلمة فهو ليس مالك المشروع، مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وجدت راحتي، وافتقدت تلك الساعات اليومية من التواصل. درس تعليمي، وراء درس تعليمي، وقد يصل الاتصال إلى مدة ساعة كاملة، ولا إعلان يتم الاتفاق عليه، لكن تلك الدروس المتبادلة، بين خبرتي في عالم التسويق والإنترنت، وخبرته في عالم التجارة تجعله ربحا فوق كل ربح، فمن هذا التواصل تأتي الخبرة التجارية، ومن هذه البداية نشأت فكرة ميزان، وحلمها الكبير، وصناعة المحتوى، وغيرها من الأشياء التي نشتغل عليها على مهل.

 

عدت للعمل اليومي، وصدمة اليوم الأول أنَّه كان أجمل بكثير مما أتوقع. زحام في زحام، إنه الساعة الرابعة عصرا، لم أشعر بالوقت وهو يمضي. الواتساب مليء بالمحادثات، أنهيها وأكتب تغريدة قصيرة مثل هذه في تويتر، ثم أتابع فيديو في اليوتيوب، ثم أخوض حوارا مع تشات جي بي تي عن أنواعه الشخصيات النرجسية، ثم أدخل موقع المؤسسة الأمريكية لعلماء النفس وأبحث أكثر، ثم أتابع فيديو عن الحالة، ثم تصلني رسالة، وأرد على اتصال، وزحام بمعنى الكلمة، الفرق الوحيد بينه وبين الملل هو أنه لا يوجد شيء يتكرر. كل صاحب مشروع حكاية، وأسباب نجاحه حكاية، والتحديات التي يمر بها حكاية، خبرة تتراكم على مدار اليوم. هل أنا متعب؟ نعم متعب، لكنني مستمتع بكل ثانية تمضي أو هكذا أقنع نفسي.

لقمة العيش عن طريق [السوشال ميديا] ليست سهلة أبدا، والساعات المهولة التي يحتاج المرء لوضعها للحصول على رزق منها ليس سهلا. ونعم قد يظن البعض أن [الاستحقاق المجاني] هو السبب، يظن ذلك، حتى يجرب يومين فقط في هذه المهنة المرهقة، وقتها سيعرف كم هو صعب للغاية، أن تقضي ست ساعات متتالية وأنت تتكلم في الهاتف، وترد على الاتصالات، وتتابع الإعلانات قيد التنفيذ، وترد على الملاحظات، وترجع لتعطي المونتاج كل الملاحظات، ثم تحدد موعد النشر، ثم تكتب المادة النصية التي مع الإعلان، ثم تجدول الإعلان، ثم تتذكر وضع كل التفاصيل، وتتجنب الأخطاء، وتتواصل مع ثلاثة معلنين آخرين، يردون عليك بالموافقة أو بالتأجيل، كل هذا في وقت مكثف تصبح فيه العشرين ثانية ثمينة، والخطأ باهظ التكلفة.

 

الحمد لله على كل حال، لا أشتكي، والحمد لله هي نعمة من نعم الله، أدرك الآن بعد عامٍ من الانغماس التام في الدراسة أنني مشتاق كل الشوق لهذا الجو المليء بالحماسة، ولهذا التعب الذي يجعل نهاية اليوم خالية من الحسرات، والندم، والشعور بملاحقة الماضي.

 

علمني عامي الثالث في عالم الإعلانات أن آخذ الأمور بهدوء، وأن أعمل في المجال الذي أجيده، صرنا فريقا، وكل ما لا أتقنه أتعلمه من زملائي وشركائي في حلم ميزان، الذي تقينت منه، أنني جاهز بكل قوتي وطاقتي وحماستي لأي ضغط من ضغوط العمل، ما دامت هذه الخبرة تتسرب إلى خلايا دماغي، وتجعلني أتشوق بمعنى الكلمة لتلك الجلسة التي مهما طالت، هي رصيد خبرة ثمين تجعلني أتساءل لماذا صاحب المشروع يدفع لي ولست أنا الذي أدفع له؟

 

بالطبع، لا يخلو يوم العمل في هذه المهنة من الآلية، أو الجمود، ولن يخلو من الشخص العملي جدا الذي يريد أن يختم الاتصال في خمس دقائق، لكنه أيضا لا يخلو من هذا الذي يتيح فترة للعصف الذهني، فنخرج معا بفكرة إعلان نطمئن إلى نجاحها.

 

في تدوينة قادمة سأحكي عن الصناعة المشتركة بين صاحب المشروع، وبين المسوق الإلكتروني بتفصيل أكبر. لأن الأمر تكاملي، وليس من طرف واحد، ومن هنا يُصنع الإعلان الناجح، الذي يجمع بين ضفتين، التقنية، والتسويقية.

 

للحديث بقية.

 

ماريو