بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 أبريل 2023

ربما لأنَّه معاوية!


 

 أكملُ [21] سنةً منذ أو وطأت أناملي لوحةَ مفاتيحٍ في موقع إلكتروني. كان ذلك عام [2002] ووقتذاك الإنترنتُ هو الوعدُ الذي سيجعل العالم قريةً صغيرة. وما الذي نراه الآن؟ إرهاصات عصر الذكاء الصناعي، والأنظمة التي قد يصل بها الحال إلى الاستماع لضربات قلبك، وربما فحص دمك بساعة تخزك برفق، وغير ذلك من الأحلام، أمَّا في عام 2002 فالدهشة كانت هي وجودُ المكان الذي تكتبُ فيه بسقفٍ أعلى نسبياً من ذلك الموجود في الصحف والمجلات، ولن أفتح باب الكلام عن الرقيب لكيلا يتلف هذا المقال ويتحول إلى مهرجان من الحزازات التي لا أستطيع لجمها مهما حاولت.

تركتُ عالم الكتابةِ في الجرائد سريعا. وبعدها تركت أيضا التقديم في الإذاعة. أوَّل صدماتي مع نشر أوَّل قصيدة لي في ملحقِ شرفات. غيِّرت كلمات في القصيدة دون الرجوع لي! منها أدركتُ في أيِّ وضع رقابيٍّ أعيش. لم يثر حفيظتي وجود ما يُقنن أو ما يراقب، فحتى عندما بدأت تجربتي في الكتابة في الإنترنت بقيت لمدة عشر سنوات كاملةٍ متماسكا. أكتبُ ما هو مرفوض نقديا، أو ثقافيا، أو موضوعيا، هل كتبت ما هو غير مسموح قانونيا؟ أخذت عشر سنواتٍ منذ دخولي إلى عالم الإنترنت قبل أن أتحول من معاوية ذلك الكاتب المتلعثم، التائه، الذي لا يعرف ما الذي يريدُه، إلى تلك الشخصية الاجتماعية التي يُكال تجاهها الكراهية وتحيط بها الشكوك، ويدور حولها عالمٌ من الغموض والتأويلات.

تمنيتُ أن يكون دخولي للسجن بطولياً لكنَّه ويا للأسف لم يكن كذلك. هممم! دخلتُ السجنَ في قضيةِ سبٍّ وشتم. هذه كانت نهايةُ مسيرتي الطويلة في النأي بنفسي عن الدخول في مشكلة مع القانون في عُمان. لأصف بعض جوانب تجربتي، لقد امتلأت بمختلف الكتابات التي هوَت في قلب السقوط الأخلاقي والقيمي بالمعايير العُمانية. ومقابل ذلك الشاب الذي حافظ على رباطة جأشه، وثباته، وإدراكه لماهية الممكن وغير الممكن في الكتابة في عُمان، برزَ مسخٌ قبيحٌ في سماء الكتابةِ العُمانية، وأيضا استطاع هذا المسخُ الثبات لسنوات دون أن يخالف القانون، ولكن هذه المرَّة لم يستطع الثبات أكثر من عامين أو ثلاثة قبل أن ينزلَ على الساحةِ في عُمان بصدمةٍ جديدة من صدماتِ شخصيته المشوهة، وحالته المضطربة. 

لستُ بصدد لا الاعتذار ولا التسبيب، ما حدث قد حدث، ولماذا؟ وهل أنا معذور؟ وإلى أي درجة أنا معذور! هذا أيضا ليس محور الحديث، ما حدثَ قد حدث، حدثَ ما يخالفُ كل المعايير العُمانية للأخلاق، والدين، والعرف الاجتماعي. كنت أعودُ بين الفينة والأخرى لصوابي، ولكنَّ الوقت لا يطول حتى تتمكن الكراهية التي أتلقاها، والتي أرسلها من إدخالي للدائرة نفسها، شهور متتالية من الكتابات المضطربة، ومن ثمَّ مواجهة دونكيشوتية إما للسلطة، أو للدين، وكذلك ضمن تجربتي في الكتابة الإلكترونية، ومشاركتي في اليوتيوب وصل بي الحال إلى تهديد إنسان بالقتل، فضلا عن مهرجان من الشتائم، كان ذلك مؤقتا أيضا، ليس أكثر من ستة أسابيع من عامي الذي عادةً أكتبُ فيها بهذا المنطق تقريبا. 

شئتُ أم أبيتُ أنا جزء من الساحة العُمانية. عشرون سنة من النشاط في النت في دولة قليلة السكان، ونشاط كتابي هائل، وشخصيةٍ مشوهة بمعنى الكلمة، لا عجبَ أن أكون جزءاً [منتشراً] في الساحة العُمانية، وتفاوتت الصفات التي أوصف بها على حسب حالاتي الحقيقية. كاتبٌ منطقي تارةً، مدمن مخدرات شاطح ويهذي، مريض نفسياً لا يسيطر على اضطرابِه، وشخصية قبيحة في حالات، وإنسان جميلٌ قليلا بين فترة وأخرى. رغم كل ذلك الشوق الذي يأخذني للعودة إلى عالم الكتابة لم أستطع العودة، فقد علقت في دائرة فوق طاقتي، وكنت أعيش معركتين داخلية وخارجية، وحكايتي تملأ النت، ولقاءات اليوتيوب لو كنت تشعر بالفضول تجاهها عزيزي القارئ.

 

كنت قد أكملتُ 14 من دخولي عالم الإنترنت، عندما بدأت بذاءتي في الكلام والكتابة بالانتقال بي من المسخ الاجتماعي المشوَّه المليء بالأمراض الخلقية والنفسية والقيمية، إلى السجين داخل وخارج عُمان. لم يكن هناك أي طريق يمكنه أن يوقف مأساتي عن الحدوث، والحمد لله الذي أنعم علي بالسجنِ خارجَ عُمان، أيضا في قضيةٍ جانبياً لها علاقة بالكتابة، ورئيسيا أيضا له علاقة بالموضوع الرئيسي [السب، والشتم]. هل من المؤلم أن أصفها ببساطة السجن بتهمة [قلة الأدب]. ظننتُ أنني وصلت لأبعد ما يمكنني الوصول له ككاتب مشاغبٍ. كنتُ أحنُّ، وأحنُّ للعودة لكتابة الأدب، ومع الوقت لم يبق لي إلا الشعر، والقليل والشحيح منه، والنثر، هذا النثر التأملي الغزير الذي ساعدني على علاجِ نفسي بالكتابة. 

ظننتُ أنني وصلت إلى أقصى مدى من البذاءة، بعد سجني في الإمارات في سجن الوثبة تحديداً، انتصرَ الحنينُ للكتابة، فقمت بكتابة روايةٍ عن الموضوع. تمنيت نشرها في عمان، ومنذ أن قدمتها للنشر، سنوات، وسنواتٌ وهي لم تنشر، ولم أجد ردا، فلا هي مُنعت، ولا هي نُشرت، ولا عرفت ما الذي بها لأعدلها. شعرتُ وقتها أنَّ العالم كلَّه يريدني أن أتقبل مصيري، أنا من؟ معاوية؟ من يكون؟ ذلك الكاتب الذي يدهشك أحيانا بدأبه في الكتابة، وصبره، وكثرة محاولته، وهو أيضا تلك المأساة الاجتماعية المليئة بالبذاءة. لا أنا برواية أنشرها، ولا بشعر أكتبه، والمثير للأسى أن كل كتبي التي نُشرت كنت وقتها في السجن.

عُدت لعُمان، قضيت بعض الوقت، ثم قررت الذهاب للنيبال. قررت في قلبي أن أهب كل أيام حياتي للكتابة، ولكن هيهات! ذلك الدماغ المفعم بالمخدرات، والصدمات النفسية، والاضطرابات، وأخطائي الكثيرة وما تركته في نفسي جعلتني أدرك أي مسخٌ تحولت إليه. حتى مع مقاومتي الشديدة ورغبتي الهائلة في العودة إلى عالم الكتابة المنطقية والهادئة، فشلتُ، ثم فشلتُ، ثم فشلتُ مرارا وتكرارا. أدركتُ أن بقائي في عمان وفق تلك الظروف يعني موضوع وقت قبل أن أدخل السجنَ في إحدى حالات الانفلات، لست أعرف تشخيصي الطبي، أعرف أنني أعاني من نوبات، وأعرف أن لدي اضطرابا في الشخصية، وكل هذا الإطار غير مهم، أعرف أن لديَّ مشكلةً جسيمةً بمعنى الكلمة، قررت الهجرة وقلتُ: فلتكن حرية الكتابة كما أريد!

أن تكون حرَّا في الكتابة يختلف عن أن تكون مقيدا. الحريةُ مفهوم داخلي. في بريطانيا لم أعرف ما الذي أريده بالضبط. النتيجة هي خيبةُ الأمل. إن كنتُ بذيئا مؤقتا في عُمان، أصبح حالي في بريطانيا هو بذيء بدوامٍ كامل. لعامٍ أو ربما أكثر كانت مهمتي في الحياة هي البذاءة. لاحظ عزيزي القارئ، لا أتكلم في سياق ندمٍ أو حسرةٍ، إنما أصفُ ما حدث كما حدث، قد يكون بعض ما بدر مني يقع ضمنَ تعريف [الجهرُ بالسوء لمَن ظُلم] لكن قطعاً هذا لا ينطبق سوى على بعض ما كنت أقوله. ماذا فعلت الحرية لمعاوية؟ جعلتني أفهم كل الذي يدور في لا وعيي الذي لم أكتشفه إلا بعد أن أخرجته للعالم، ومع أن تلك التجربة كانت مؤلمة، لكنها ويا للعجب! ساهمت في تبصيري بمشاكلي كلها دفعةً واحدة، وعندما حان وقت مراجعة الذات عرفت ما الذي عليَّ مراجعته. توقفت بذاءاتي منذ سنوات، بدأ هذا التوقف وأنا في بريطانيا في السنةِ الأخيرة لي هناك، نجحت في الخروج من الإدمان، وتغيرت المعادلة من البذاءة بدوام كامل، إلى البذاءة بين الفينة والأخرى، وكما هي هذه اللغة التي أكتب بها الآن، اللغة التي أنا شخصيا أرتاح لها وأستطيع الاطمئنان لها، عدت للقدرة على الكتابة. 

لم أكن أكذب عندما نويت تغيير حياتي السابقة، أنا حقا تغيرت، إنها السنة الرابعة لي وأنا في حياتي الجديدة الهادئة، هل هناك ترسبات سيئة! نعم، هل بي طبائع سيئة؟ نعم. هل هي المنتصرة الآن؟ هنا أقف بكل فخرٍ وأقول: الغلبةُ لذلك الجزء الذي بين الذي يقاومها. لم أشتم أحداً منذ أربع سنين! ولم أخالف قانوناً، سنةٌ من العمل الشاق للتخلص من الإدمان، ثم شاء رحمة الله أن أعود إلى عُمان، وهُناك تغير أسئلة الحياة والحريَّة.

أنا أحد منبوذي الوضع العام في عُمان. الوسط الثقافي يحتقرني لسوابقي وخياراتي السابقة. الوسط الحكومي لا يضمن جانبي نتيجة انقلاباتي وشدة خوفي منه، ومسارعتي إلى التشكيك بنواياه حتى وإن كان يريد مساعدتي. حياتي الشخصية تسير على ما يرام، وضعي العائلي مستقر، وصداقاتي القريبة مني جدا تساندني في رحلتي. إن كنت شخصا مشوها، قبيح الأفعال مثل حالتي فمن الحماقة أن تنصت إلى كلامِ الناس. يحسن كثيرون الظنَّ بي، وأنا لست كما يحسنون الظن بي. يسيء كثيرون الظنَّ بي، وأنا لست بالسوء الذي يظنونه، أو يتمنونه. الحقيقة الواضحة، أنني شخص مختلف حوله، الجميع يتفق أن بهذا الإنسان [الذي هو أنا] بضعة قذرة بمعنى الكلمة، ولكن أيضا هناك اتفاق ما أن هذا الإنسان [الذي هو هذا الذي يكتب هذه السطور] يرفض تلك البضعة القذرة، ضمن كل التأويلات وسياقِها، بقيتُ وأبقى مرفوضاً ومشكوكاً بي، إن فعلتُ حسَنا فهو موضوع وقت قبل أن أسيء، وإن فعلتُ سيئا فهو [أنا]. 

أكثر شيء أضحكني في حياتي هي تلك العقوبة القدرية أن أصنَّف ضمن [المشاهير] في عُمان. يا إلهي! وكأنني بحاجةٍ إلى عقوباتٍ أخرى. هذا الإطارُ الذي سُجنتُ فيه، واضطررت للتعايش معه لسببٍ واحد، هو أنني أحتاج إلى مصدر للدخلِ بعد عودتي لعُمان. نداء الكتابة، والحنينُ لها لم يتوقف، ولذلك مع ضرورة أن أركز على المنصات ذات الدخل الرائع مثل [سناب شات] أو منصة مفيدة تجاريا مثل [الانستجرام] بقيت لمدة عامين ملتصقا بتطبيق [تويتر]. ليس من السهل أن تكون بقبح أفعالي السابقة فتعود بكل سهولة للوسط الثقافي، كما قلت لك أعلاه عزيزي القارئ، أنا أحد منبوذي عُمان، من قبل النخب الثقافية المُجمعة تقريبا على أنَّ معاوية لا يستحق فرصةً ثانية مهما حاول.

هُناك شيء أحترمه كثيرا في نفسي، وضوحي التام. سعيتُ لكل إنسان أسأت له لأعتذر إليه. وناديت مرارا [من كان له حق من معاوية فليدلِ بحقه] وما كان له سأؤديه. صنع لي هذا الوضوح مساحةَ حياةٍ مريحة، فكما أنني أحترم وضوحي هُناك أيضا شيء ما أكرهه في نفسي، وهو حقدي، وعدم قدرتي على التجاوز والغفران. يؤسفني أنني إنسان لا يسامح، حتى وإن استطاع أن يهدأ لفترةٍ من الزمن، ما لم يجمعني مع خصمي عهد متفق عليه من الطرفين، فهنا معاوية القبيح الذي ينتصر، ذلك المتأهب للدفاع عن نفسه مهما كانت الخسارات. نعم قلت أعلاه أنني تغيرت، ولكن هذه طاقتي على التغيير، لم تصل إلى حدِّ إعادة تشكيل أطباعي، هناك ما سأتعايش معه حتى نهاية العُمر، وأحقادي التي تعاود الهياج هي واحدة من هذه المشاكل.

أحاول أن أفعل الأشياء الخيَّرة، والحق يقال، أن الصحبة مع الأنقياء تطهر النفس وتعطي شعورا جميلا بالحياة. هذا الذي يجعلني ألتصق دائما بالذين يفعلون الخير، مع علم أنَّ كثيرا منهم لا يطمئن لي. اندمجت مع دور النجم الاجتماعي، أو [المشهور] كما يقولون! وأكملت العامَ، والعامين، والثلاثة، والأربعة وأنا في حالي في أوضاع الكتابة في عمان، أكتب مثلما يكتب الجميع، وفق السقف المتاح. سؤال لقمة العيش حاصرني، ودفعني دفعا للمكوث في الإنترنت وفي عالم المنصات المؤقتة، ولم تكن ظروف العودة للكتابة متيسرةً مطلقاً وقتَها. بالجهدِ والعمل الشاق والساعات الطوال أسستُ لنفسي مخبزاً صغيراً متعلقاً بالإعلانات في المنصات الرقمية. انضمَّ لي الأصدقاء، وبدأنا نحلمُ سويا بفعل شيء ما متعلقٍ بصناعة المحتوى الرقمي، تغيرت بعض الأشياء، ولم تعد فكرةُ الكتابة بعيدة المنال، دخلت عالم الدراسة الجامعية، حققت معدلا جميلا للغاية، وها أنا أكتبُ مجددا.

بعد أن تقضي سنوات لا بأس بها في الحالات العامَّة. ويختلطُ وجودك الاجتماعي، بالكوميديا، والضحك، والبداهة، ويرتبط بماضٍ من الشتائم والسب، وغيرها. يفهم القارئ الحقيقي أنَّك قد توقفت عن كل ذلك وبدأت حياةً هادئة، ويدرك المتابع الحقيقي أنَّ المنطقَ العام الذي تمارس به إنتاجَ النصوص والمواد المرئية قد استمسك بعروةِ المشي وفق الممكن، ذلك الذي لا يذهب بالحياة إلى جهنمِ الخسارات. وفي جانبٍ آخر أنا ذلك الشخصُ الذي تجوب مقاطع الفيديو الشاطحة التي قطعها البعض ويعيد نشرها الهواتف والمنصات، لأنني معاوية، حتى وإن كتبتُ ما هو متوافق كُليا مع الكتابة، وتحليلها، ورؤيتها، واجتهدت، هُناك ما هو خارج النص يجعلُ الآخر يقرؤ الواضح من كلامي بطريقته الخاصَّة، ويصنعُ معناه بطريقته.

 

جرِّب يوما ما أن تعيد صياغة شيء مما كتبتُه، واعرضه على بشرٍ كثيرين، ثمَّ قل لهم هذا المقال لمن وستفهم الذي أقولُه. قبل قليل وأنا أكتب هذا المقال، تجلَّت ظاهرة [ربما لأنَّه معاوية] مجددا. بعد كل الدق والحطيم الذي دارَ حول موضوع حرية التعبير الجديدة في عُمان. كتبت مقالا بكل المعايير الصحفية يعتبر ملائما لكل اشتراطات المؤسسة الإعلامية، ومع ذلك ماذا كان سبب الرفض: لأنه مرتبط بكتابات أخرى لي؟ أي أن هناك رقابة خارج النص! وهذه الرقابة تجاه من؟ تجاه الشخص. لم يحزنني ذلك كثيرا لأنني منتبه لهذه الظاهرة منذ زمن بعيد، هناك شيء ما يتعلق بمعاوية يسمحُ لكثيرين بفعل ما لا يمكن فعله لغيري. التحيز، ومجددا هذا طبيعي جدا، لا أشتكي منه، لكنني أقدم مجادلة فقط لكل ذي لب يريد أن يكون منصفا، التحيز انفعالات غير منطقية عادةً، وحزازات، وعندما يُمارس تجاه شخص في غير موضعه، لا حلَّ لذلك لأنه من الأساس: الموضوع شخصي، لأنه معاوية، هذا هو السبب عادة.

حضوري في الساحة العُمانية يُقرأ من عدة جهات. هناك قارئ منصف، ومتلقٍ منصف، يأخذ المادة التي قدمتُها ويناقشها، ولست بصدد سرد المدارس النقدية، وجدلية موت الكاتب، وحياة النص، السؤال لا يتعلق الآن بقبولك أو رفضك لمادة، السؤال يتعلق بأشياء كثيرة، لحياة اجتماعية، لحقوق، لماذا يستمرئ البعض أن يتجاوزَ منظومة القيم التي يؤمن بها فقط [لأنَّه معاوية] الذي يكمل سنته الرابعة وهو [ماشي جنب الحيط]، حتى على الجانب الرسمي لم أسلم من قراءة معاوية خارج النص، خارج كلامِه، وإذا بموظف رسمي يتصل بمذيع ليقولَ له [معاوية مريض نفسي، ونخشى أن تتهم من قبل المنظمات الحقوقية الخارجية باستغلال المرضى النفسيين] وهُناك كنت مستعدا للحرب، وسأبقى مستعدا لها إن تم استخدام هذا الملف من الشخص غير المختص، نتحدث عن [أهلية إنسان] ولكن مجدداً ربما لأنه معاوية يتجرأ أحدهم ويتدخل في ملفه الطبي، وتشخيصه، مجددا [ربما لأنه معاوية!].

لقد وصلت للخلاصة التي تسبب كل هذا، لماذا أُقرأ خارجَ النص، لأنني لا أُقرأ مضمونا، وإنما شكلا. المتلقي العُماني العام [عادةً] يقرأ انفعالي، أو اندفاعي. قلت لصديق ذات يوم، اسمع مضمون الكلام، دع عنك صوتي الصارخ، أو الهادئ! ومن يومِها انتبه إلى هذه الظاهرة، والتي ربما تدور حول كثيرين، ولكن [لأنني معاوية] أُقرأ حتى بما لم أقل، كما كانت أيام ما، أحاسبُ وأُكره على ما فعلت، وأُحاسبُ وأُكرَه على ما لم أفعل. لا ألوم نفسي مطلقا في شيء، أنني تحولت للكراهية، ووجدت في الكراهية والغضب ما يكفي من عزة النفس لكي أرفضَ الحب المشروط، والحق المشروط بالقبول الشخصي، حياتي لم تكن سهلة يوما ما، ولن تكون سهلةً، الذي أعرفه أنني سأقاوم حتى النهاية.

 أنا معاوية! أعرف قيمتي، وأحترمُ نفسي، وقضيتي، وبذلت السنين في الإيمان بحق الكتابة للجميع، وحللت، وكتبت، ومهما حاول أحدهم الانتقاص من جهدي وتعبي في هذه الحياة، أحترمُ نفسي بما يكفي لأواصل المحاولة، أنا لا أتعبُ، ولا أكلُّ، ولا أملُّ ولا أتوقفُ عن الإيمان بقضية الكتابة، وقضية رفع سقفها الإبداعي في عمان، وقضية التصدي للرقيب المزاجي، كتبت آلاف الصفحات، وأكتب عشراتها في ساعةٍ واحدة، مرنت نفسي على الكتابة لسنوات طويلة، واشتغلت على نفسي، وإن كان هناك من يرفضني فلا يهم، أحترمُ ما آل إليه حالي من منطق وهدوء، وأنطلق من رمادي دائما، أنا الذي لا يقفُ عن الكتابة، لماذا؟ لأنني معاوية!

 

معاوية الرواحي