كل تلك الحياة!
والصراعات! والانتقامات الشخصية! والمجابهة المتهورة مع الهوية السابقة ! هجرة
المجتمع! الحياة في بلاد جديدة! المغامرة ببداية في لغة أخرى! مواثيق الخلاص!
التدوينات المرئية! مقاطع ذلك المعاوية الرواحي التي تعبر من هاتف لهاتف! لحظات
الجنون! التنظيم الشيوعي! ثنائية القطب! اضطراب الشخصية! الوثبة! والرحلة الأخيرة
إلى النيبال!
حديث كثير لكي
أتمكن من العودة بهدوء لنقطة البداية هذه. المدونة! وقد يبدو صراع كاتب مبتدئ من
أجل الحرية شيئا من الكليشيهات الاعتيادية التي قد يزعم أي كاتب الانتماء لها؛
لكنني أنتمي للكتابة! أنتمي لها بشكل مطلق يجعلني أتساءل في لحظات عودتي الأولى إن
كانت حرية الكلمات تستحق كل تلك الحياة التي عشتها، الحياة التي ألف وأدور عليها
في كل كلمة أكتبها محاولا إنقاذ تفاصيلها من كوابيس الذاكرة الأخرى؛ فالذات ليست
الكابوس الوحيد الذي يجب أن نخاف منه؛ يمكننا أن نخاف من الخوف! أن نقلق من جبننا
عن التعبير عن رأينا الخاص وقت الشدّة؛ فحرية التعبير عن رأيك ليست فقط في الشؤون
العامّة كما يوحي البعض إلى بعضه زخرف القول غرورا في عمان، هي حرية أن تقول رأيك
أيضا عندما يكون رأيك حقا لك. كل ذلك الصراع الآن يلقي رماده الأخير على ساحة
المعركة حيث تتجمع الرمال على الدروع والجثث الميتة؛ لا أصدقاء، لا وطن، ووحدة
طاحنة! أي نصيب من صفقة الحياة والكتابة يصنع نفسه الآن في هذه الرابعة من
الثلاثين العتيدة؟ كلها أسئلة تستحق الضياع، والكتابة أول الأسئلة الجسيمة!
كثير حدث وكثير
فعلته للوصول إلى هذه اللحظة البيضاء؛ لحظة الكتابة الصافية. هنا ساحة الملاكمة
بدون قفازات؛ هنا تقفز الكلمات للتاريخ لكي تضع معناها أو لكي تضيع في عشوائية
اللامعنى وسدم التفسير والتأويل، كثير حدث لكي أصل اليوم مرهقا إلى هذا الميناء
البعيد؛ وكأي بحار يصل إلى أرض المعنى، يقضي بعض الوقت في أسئلته، وهذه أسئلتي،
هذه كلماتي، هذه ألحاني.
فعلت الكثير من
أجل هذه اللحظة البيضاء، أكثر مما ظننت أنني سأفعل؛ وبعد كل هذا الركام والحياة
الضائعة والكراهية والجنون والمرض والعزلة والوحدة الخانقة؛ ها هي الكلمات تولد
جزافا من الظلام؛ كأي شمعة تحاول تفسير المكان الذي حولها بعين حارقة؛ تبدأ
الكلمات وتواصل الأفكار لعبتها الأزلية وبينما يحدث العالم أجمع، تتلاطم الكلمات
مع نفسها، والأفكار مع الأخرى؛ والشخوص مع الشخوص لتولد ورقة الكتابة البيضاء
الأولى ومعها نقطة بعيدة جداً لم يئن أن تحدث أو أن تكون.
معاوية الرواحي
8/7/2018