بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 11 فبراير 2019

بعد أن تهاجر!



 تبصرُ كل شيء غفلتَ عنه. حياتُك في ترددها المرير، طنين الحوارات مع الأصدقاء. تدرك كم كانت حياتك تعيسة، وتقف أمام هذه الحياة قلقا، لا تعرف تذهب إلى أين. معك الكلمات طوال الوقت ولكن أين هذه الحياة التي تسمح بكلماتٍ بالانهمار بلا توقف! تدركُ بعد الغفلة أيامَك. تتذكر بتمزقٍ وألمٍ أيامَ الحيرة. أيام الجنون، والأرق، والحب، ومساءات مسقط. تتناقض، بين الحب، والشوق، والعزلة الشاحبة.
تقطع الحبال وأنت تلقي بسفينة العمر في محيطاتِها الشاسعة. تدرك مرة أخرى، كم كانت حياةً تعيسة، عندما يصبح الصديق عدوا، وعندما تجد الغدر حيث ظننت أنك ستجد الأمان. عندما ترى في عيون أصدقاء الأمس قترة المخطئ، وتعاسة النادم. عندما يمر عليك الناس، والبشر، والوجود وأنت ترثي تلك النجمات التي لم تضئ في سماك، ترثي رفاق الدرب الذين تخاذلوا واحدة بعد الآخر.
بعد الهجرة، تعرف إنك ستكتب. تعرف ما ستكتبه، تعرف ما تريده. تعرف ما لا تريد أن تكونه. بعد الهجرة، تصبح كل حياتك السابقة رمادا يمكنك أن تجمعه في صرّة صغيرة، في ورقةٍ واحدة مكونة من أسماء الخذلان، ومن ذاتك التي تعلمت الدرس جيدا، وأن الحياة ليست حتميةً بالقدر الذي يتوقعه شاعر، وأن البشر يتغيرون، وأن الأصدقاء يغدرون، وأن الحياة والمصالح الشخصية أقوى من حماقات الصعاليك، وأن الدول أقوى من الأفراد، وأن الناسَ لا مزاج لهم، وأن الحقيقة هي آخر ما يهم أي كائن، باسمٍ أو بلا اسم، لا فرق! كل شيء بعد الهجرة يصبح واضحا، ولا يبقى سوى الذكريات التي تجمّل بانوراما الكتابة، وتصنع يومها السعيد، بعد عدة جمل أو سطور.

المجد للصعاليك أولا وأخيرا.