بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 ديسمبر 2020

ما الذي يحدثُ في عمان؟

 

 

 

أخذتُ وقتا ليس بالقليل منذ عودتي لأرض الوطن الطاهرة لأتقبل حقيقة أنني عدتُ إلى أرض الميدان، ميدان الكتابة النابض بالقلق والمفعم بالتوجس، الميدان المتربص بما فيه من رقباء، وحكماء، بمجتمعِه سريع التكهرب. أخذت وقتا لأعتادَ على الخطاب الجمعي ونظرية [غزيَّة] المنغمسة في نخاعِ النخاعِ العُماني، إنها أرض الميدان حيثُ بدأت كلماتي، وحيث ولدتُ وعشتُ وانتميت ولاحقا حيث اخترتُ أن أكمل رحلةَ الحياة. تناسيتُ لشهورٍ من الفرحِ الغامر الهموم العمانية العامَّة، ربما لشعوري بالخجل الشديد الذي رافقني أيام هجرتي المؤقتة، التي تحولت لاحقا إلى تجربةٍ أخرى من تجارب الشباب، وكأنني غريب ويجب أن أكون أديبا مرَّت عليَّ الشهور وأنا أراقبُ ما يحدث كأنني لستُ من هذا المكان، كأنني لست في أرض الميدان، كأنني لا أستحقُ شجاعةَ الكلمات ولا إقدام ابن البلاد. يا له من شعور مرير أن تشعر أنك لا تستحق الكلمات في وطنِك!

تلاشى هذا الشعور مع الوقت، كان آخر عهدي بالتعبير عن رأي في قضايا عُمان أيام معركتي العبثيَّة وارتيابي الهائل الذي ولله الحمد استطاعت عُمان أن تدمره شرَّ تدمير، لم تخن أجهزة الدولة وصية السلطان قابوس، لم يخن السلطان قابوس عُمان، أكمل رسالته وسلمها ليدٍ أمينة، كنت وقتها أغوص في أغوار الزمهرير في برمنجهام في المملكة المتحدة أنا ودراجاتي الخمس، أراقب المشهد العُماني بحسرة وأنظر لكل هؤلاء الذين يمسكون راية القلم والكتابة والرأي الحر بحسرة ولوعة، أي شجاعة للكلمات وأنت بعيد؟ العزاء الوحيد هو تلك الشجاعة الأدبية، والعدالة الشعرية، ولكن هل خلق الله الكلمات لتُسجن في الأدبياتِ النمطية الكلاسيكية، لتضخّم في الكلام الكبير عن الحرية، والديمقراطية، وما يقوله الشعب وما يجب عليه وما يتوقَّع منه؟

تعيشُ ساحات التعبير عن الرأي الفردي حالةً من التعافي بعدً سنواتٍ من الحيطة المبالغِ فيها، ضرائب باهظة أدت إلى تراجع الحماسة في الكتابة عن الشؤون العمانية العامَّة، ولم يتغير شيء بالطبع في مؤسسات الإعلام في عمان، فالحكومية منها التي تدفع رواتبها مخصصة للدولة وما تريدُه الحكومة أن يصل للناس وللعالم، وتلك الخاصَّة منشغلة برأسمالية الإعلام في العصر الحديث ولا أظنُّ أنها ستقحم نفسها في احتدامات العلاقة بين الشعب والحكومة؛ فهو مجال عامرٌ بالخسارات الماديَّة ولا يخلو من الأخطار المقلقة التي قد تهدمُ المؤسسة الإعلامية على رأس رئيس تحريرها، ولذلك ينشغل الإعلامُ الخاص في مواويله التجاريَّة دون أن ينسى ذر الرماد على العقول والبصائر عندما يموج المجتمع وتتحرك أداته الإعلامية الكُبرى في العَمل. عندما يتحرك الواتساب في عمان وتتبادل المجموعات الإلكترونية النقاش فاعلم أن عُمان دخلت في حالة رأي عام، وتأتي الأداة الثانية ضمن قائمة التفضيلات الإعلامية العُمانية لتكون منصة تويتر الإلكترونية، وإن اشتعلت المنصتان بالآراء والنقاشات فهذا معناه أن خطبا جللا يحدثُ ويتعلق بعموم المجتمع العُماني، قضية كبيرة كما يحلو للبعض أن يسميها.

لم تعد المرحلةُ العمانية معنية كثيرا بهموم النشأة والتأسيس، لقد تكفل الراحل السلطان قابوس بن سعيد رحمة الله عليه بفعل ذلك، أدى رسالته بأمانة وسلم البلاد ليد السلطان هيثم بن طارق في انتقال سلمي وسلس للسلطة، لم تختلف عائلة آل سعيد الحاكمة ولم تنقسم البلاد، وكان مشهدا حضاريا يوطّن الفخر والاعتزاز بالوطن العُماني، مرَّت مرحلة تأبين المرحوم السلطان قابوس بن سعيد وبعدها بدأت الخطابات السلطانية المبشرة واحدا تلو الآخر، والسلطان هيثم بن طارق قليل الكلام كثير العمل، ما أن يُعلن خطابُه السامي حتى تدخل البلاد بأكملها حالة التنفيذ، ورصعت خطاباته بنجماتٍ من الكلمات، [المراجعة، المحاسبة، المساءلة، الإنصات لصوت الشباب، وأن تكون عمان بسقف طموح العُمانيين]، كان الاقتصاد العُماني هو المستهدف من عمل الحكومة في المرحلة الحالية، تعزيز مصادر الدخل، وإعادة النظر في الاستثمارات الحكومية والشركات المملوكة للحكومة، التخصيص، ومساهمة المواطن العُماني في رؤية عمان 2040 الطموحة. شاءت أقدار الله أن يتولى السلطان هيثم بن طارق الحكمَ في حالةٍ عالميةٍ غير مسبوقة، وباء كورونا الذي صعَّب على الزخم العماني القادم أن يبدأ بكل طاقته، الاقتصاد متأثر، والشركات الصغيرة والمتوسطة تُعاني من آثار الوباء وساهمت الإجراءات الاحترازية الضرورية في تغيير الحياة الاجتماعية وفي تعطيل أرباح الكثير من المؤسسات التي تصب ضرائبها في الاقتصاد العام، وضع السلطان هيثم الاقتصاد العُماني نصب عينيه، جهاز الاستثمار العُماني، ثم جهاز الضرائب، وأخيرا بدأنا نقرأ كعمانيين أخبارا عن الرقابة، وبدأت المرحلة العُمانية لتأخذ طريقها إلى التفاؤل الحذر رغم تقلبات أسعار النفط العالمية والظروف الاقتصادية العُمانية وتقلبات السوق. لم يزل القلق العماني كليَّا، ثمَّة قلق شعبي وترقّب لما ستؤدي إليه هذه الإجراءات، تناثرت الأخبار عن سياسة اقتصادية جديدة وأصبحت الإجراءات المالية الجديدة تميل إلى توفير النفقات، وحملة من التقاعدات وبدايات لتغيير آليات العمل الحكومية وتحديد واضح وتجديد إداري لمساهمة الموظف الحكومي في البلاد، عدل مؤخرا قانون التقاعد، وبدأت البلاد تأخذ توجهها السوقي، انتهت تقريبا حكاية أن الوظيفة الحكومية هي الطريق الوحيد للدخل المضمون والتقاعد المريح، وبالمنطق الاقتصادي كما يحلل الخبراء تتجه عُمان إلى بلادٍ تتوازن فيها الوظائف بين الحكومة والقطاع الخاص، وهذا هو التوجه الذي يمكن استنتاجه من القرارات الأخيرة، انتعاشٌ في القطاع الخاص، وتوظيفٌ متوازن بين الحكومة. بدأت في الآونة الأخيرة إجراءات لرفع الدعم الحكومي عن بعض الخدمات، قبل سنوات كان ذلك في الوقود الأحفوري الذي يشكل رافدا رئيسيا للاقتصاد العُماني، وقبل يوم من تاريخ هذه التدوينة نشرت الجرائد تسعيرات الكهرباء والمياه، واشتعل مجددا الرأي العام العُماني في النقاشات وفي الجدال، فريق يقول بأن الإجراءات الحكومية في محلها وتقود البلاد إلى اقتصاد متوازن وتستثمر رأس المال البشري في رفد الاقتصاد، فريقٌ آخر دشن الوسوم في تويتر ممانعا التكاليف الإضافية التي ستترتب على القرارات الجديدة، وتبادلت الأقلام النقاش، ولست بصدد تفنيد أيهما أفضل للاقتصاد العُماني عزيزي القارئ لأنني لست خبيرا اقتصاديا، أقصى اهتمامي هو رصد الخطابات وتحليلها، ولعل أبرز ظاهره تحدث في عمان الآن هي ظاهرة التعبير عن الرأي ومساهمة الفرد في النقاش عن شؤون عُمان المدنية، وما يتعلق بالخدمات وغير ذلك من انفراجٍ في مجال التعبير عن الرأي، أو بالأحرى عودة المياه لمجاريها، عودة فيوض الكتابة والحروف لتكتب حبَّها وقلقها ولتساهم بأفكارها في العصف الذهني الجمعي العُماني العام، أين وصلنا إلى هذه اللحظة؟

مرَّت عمان بمراحل اقتصادية عديدة، لا أفقه أرقامها لأقدم جديدا، ولكن إذا نصبت عيني على متابعة التغيرات الاجتماعية يمكنني أن أقول أن عمان تتجه إلى ثقافة حياةٍ جديدة، الحلم العماني المتمثل في أن راتبا حكوميا يكفي لشراء سيارة، ولمهر زوجة، ولبناء بيت وبقرض واحد أصبح الآن مختلفا في عصر عُمان كبيرة السكان، الوباء فعل فعلته كذلك في الاقتصاد، تراكمات التصرفات الإدارية والمالية وما تعاني منه بعض المؤسسات من ترهل أو من تضارب في اتخاذ القرارات ألقى بضلاله على الاقتصاد، وبدأ يؤثر في المجتمع، وليتني أمتلك عقلا خارقا يمكنه أن يخرج بحلول أمام هذه المنظومات المعقدة، أقصى ما أستطيع فعله في هذه التدوينة أن أتأمل تغيرات عمان الثقافية والاجتماعية، وكيف تتغير عمان تدريجيا على صعيد مشاركة الفرد العماني في شؤون بلاده، وكذلك كيف تتغير قرارات الحياة وما تفعله الأجيال الجديدة وما تغيره أيضا من ثقافةٍ سابقة كان قوامها الاتكاء الكليَّ على ما تصنعه الحكومة من وظائف وعلى ما يمكن للقطاع الخاص أن يقدمه للعمانيين من فرص، يغرق سوق العمل في عمان بالعمالة الوافدة التي توفر التكاليف التشغيلية والتي تحقق أرباحا فلكية في بعض القطاعات، تظهر مطالباتٌ عديدة وخطابات عدائية مع الوافدين، ويغالي بعض اليمينين في عمان في هذا الخطاب مطالبا بطرد الوافد ليحل محله العماني وكأن الأمر عملية استيلاء مباشرة، وكأن مبادئ الاقتصاد الحر تسير بهذا الشكل، على الجانب الآخر تبادر بعض العقول الناصحة باقتراح تغييرات، ولكن لم تتغير الثقافة السائدة كليا، انتظار الحكومة شيمة تعودت عليها من أبناء جيلي والجيل الذي قبلي، أما عن الأجيال الجديدة فقد أصبحت تفكِّر بطريقة مختلفة عن السابق.

ينتابني قدرٌ من الأمل في هذه البدايات الجديدة في عمان، لأسباب ثقافية واجتماعية. تؤثر الإجراءات الجديدة على ثقافة متراكمة وعلى نمط حياة وقرارات العيش في عمان، وتؤثر على حرية التعبير كذلك، كلما ساهم المواطنُ في دفع الضرائب صُنعت السانحة التي تسمح له بمشاركة أكبر في الشؤون العامَّة، لا أقول هذا مؤيدا للقرارات الجديدة ولا معارضا، أقول ذلك محللا فقط، كلما وضعت الحكومة ثقلا على دخل المواطن جاء من الجانب الآخر استحقاق معنوي جديد على عُمان، فالإنصات إلى المواطنين امتدادٌ لمدرسة السلطان قابوس، وواصل السلطان هيثم بن طارق هذه المدرسة، يتكلم العمانيون اليوم، ويساهمون بالرأي ومنبرهم الرئيسي المتمثل في مجلس الشورى له وعليه، لا توجد حالة كبيرة من الرضى الشعبي على مجلس الشورى ولكن في الوقت نفسه ثمَّة تطور ملموس في عمل هذا المجلس، لم يوفق المجلس في تفاعله مع المجتمع وصب جل اهتمامه على توجيه الخطابات الكلاسيكية للحكومة، أما المجتمع فصنع منابره الفردية وأصبحت السمة الغالبة على التعبير عن الرأي الجمعي، لم يتوقف الحس الجمعي في الكتابة العمانية، ولم تخرج الثقافة العمانية كليا عن سياسة الحزب المعنوي وغزيَّة الثقافة الصغرى، أما على صعيد الخطاب بين الشعب والشعب فقد ظهرت الآن ظاهرة المؤثر الفرد أو من يسمون في العرف الشعبي [المشاهير]، ويمكن رصد ذلك بسهولةٍ من خلال قيام بعض المغردين في تويتر بإعداد وتهيئة جموع الناس للقرارات الجديدة باستخدام أداة التلميح شبه الصريح، ويمكنك مراجعة وسم #يوم_الأحد في منصة تويتر لتجد أن التفاعل بالرأي قد اشتعل اشتعال النار في الهشيم حتى نشرت الجرائد أخبار التسعيرات الجديدة، وبدأنا مرحلة عُمان القادمة، الضرائب ستكون جزءا من المعادلة والاستثمار الحكومي أصبح أداةً مهمة للاقتصاد، وكل هذا يحدث بينما وباء كورونا يعطل كوكب الأرض ويحطم المزيد من الزخم العالمي ويضرب الرأسمالية العالمية في مقتل، الزخم الاستهلاكي، والرفاهية، والضريبة التي تُدفع في الدول الغربية وانتخاب ترامب وظهور اليمين وغير ذلك من مشكلات سياسية في الخليج، عُمان بعيدة والحمد لله عن الاشتباك السياسي المباشر مع كل هذه الظروف ولكنها كحال أي دولة أخرى تأثرت بوضع الكوكب الآن.

أي محاسن يمكن أن تذكر للضريبة؟ إنها الكابوس الحقيقي الذي يمكن أن يفزع أي إنسان، سيتم اقتطاع جزء من دخله ليذهب للحكومة وبأي مقابل؟ الواقع النظري يقول أن المساهمة تأتي مع امتيازات جديدة، وهي امتيازات معنوية حتى هذه اللحظة، حتى يتحسن الاقتصاد العُماني وتبدأ الإجراءات الجديدة في تثبيت مفهوم الرخاء الذي أصبح جزءا من النشيد الوطني العماني، تدفع ضرائبك يرتفع سقف حرية التعبير لديك، هذا ما فهمته من الحرية في بلاد الغرب وبالتحدي في بريطانيا؟ لماذا يمكنك أن تقول أي شيء تقريبا؟ لأن الحكومة والمؤسسات تنزع ضرائبها منك شئت أو أبيت، مقابل حقوقك السياسية، والإنسانية، والقانونية أنت تدفع إلى المال العام من دخلك، والجميع يدفع والتهرب من الضريبة جريمة كبيرة في بلاد الغرب، ولكن لا تطبق بلاد الغرب الضريبة بشكل أهوج لقد انهارت أنظمة غالت في الضرائب حتى افترست الفرد وأدى ذلك إلى خلل اجتماعي جسيم وبعدها إلى خلل سياسي عطَّل البلاد كلها تقريبا، قانون مثل [للجميع سقف] يطبق بنجاح في دولةٍ مثل المملكة المتحدة، ليس لديك وظيفة؟ ستسجل في مركز البحث عن الوظائف وسيصرف لك راتب يكفيك لتأكل وتشرب أما عن البيت فتمنح بيتا متواضعا من الحكومة أيضا يكفيك لتجد سقفا، حياة الكفاف فقط ولا يذهب بالك بعيدا، ما أن تعمل ستقوم الحكومة بحساب كل جنيه ذهب إليك، وستبدأ في دفع ضرائبك بالميللجرام، وهذا ما كنت أعيشه شخصيا في المملكة المتحدة عندما بدأت العمل في اليوتيوب وكنت أدفع لجهاز ضرائب ملكة بريطانيا مساهمتي قبل أن أستلمها، يحدث ذلك عبر رقم الضمان الاجتماعي الذي ينظم حقوق كل مواطن بريطاني وكل مقيمٍ بصفة قانونية. ما وجه المقارنة بين الذي يحدث في عمان والذي يحدث حول العالم؟

 

ما أظنُّه ويمكن أن أكون مخطئا أن عمان تتجه لأن تكون دولة سوقيَّة رأسمالية، وأن ثقافة الحياة وأنماط العيش على وشك التغيّر، لقد صعدت المهارة لتكون في سلم أولويات مصادر الوظائف للفرد، لم يعد مهما للغاية ترصيع السيرة الذاتية بشهادةٍ من أجل الشهادة، ولم تعد عمان تعاني من شحٍّ في الوظائف التقنية الكبرى، دخلنا إلى محيط الانتخاب الطبيعي والتنافس والبقاء للأفضل للسوق، وهذا ما يحدث حاليا في الجيل العماني الجديد، جيل المهارة، لم يكن في عصرنا من يتوقع أن مهارات إبداعية، أو مهارات فنيَّة ستكون مصدر دخل، ولكن أليست الحاجة أم الابتكار، والاختراع؟ إنها أيضا أم التأقلم، ما يحدث من تأقلم في أنماط العيش في عمان يظهر جليا من توجهات الحكومة وقراراتها، تحاول عُمان أن تدخل السوق العالمي، أن تكون لديها مؤسسات اقتصادية مربحة، وأن تتولى هذه المؤسسات صناعة الوظائف وبالتالي أن يستقر المجتمع وأن يقل عدد الباحثين عن عمل وبالتالي يستمر الحلم العُماني، وظيفة في القطاع الخاص أصبحت تشبه الوظيفة الحكومية، قلت الفوارق، تشابهت الامتيازات، قانون التقاعد يشير إلى هذا التوجه، فما الذي سيحدث في عمان في المرحلة الحالية؟

انتهى موضوع [شح] العقول في عمان، دخلت العقول حالة التنافس مع بعضها البعض، يحفز هذا التنافس سوق الجامعات، ومن ثم يحفز سوق الكفاءات، وبدأ مفهوم الموظف الذكي يظهر في الفلسفة الإدارية العُمانية، انتهى عصرُ أن العماني يملأ خانةً لأنه عماني، عدد السكان يفوق الوافدين، هل ستقوم الحكومة بتغييرات جذرية لقانون الكفالة؟ أظن أنها ستفعل، متى لا أدري! ما زلنا في مرحلة صناعة دولة رأسمالية، والنفط صمام الأمان الأكبر في عمان أصبح الآن أداة لتقوية الاقتصاد، بعد التقاعدات التي طرأت على جسد الحكومة، وتغيير قانون التقاعد، والآن بداية عصر الضريبة بدأ المجتمع يستشعر تغييرا في مصدر الدخل، وبالتالي سيحدث تغيير في نمط العيش، الذي أستطيع قولَه أن هذه التغييرات سيكتب لها النجاح إن ساهمت في إنعاش الاقتصاد وبدء زخمه الكبير، وأقصد بالزخم الكبير أن تكون عُمان على مستوى طموحات شعبها، موانئ تعمل بكفاءة، وشركات تتكاثر، وظائف جديدة، وعلى الجانب الاجتماعي التنافسية للأكثر كفاءة، ربما حان الوقت في عمان لتغيير سياسة التعليم بناء على سوق العَمل، وقد أشطح في التفاؤل إن نجحت كل الإجراءات الأخيرة في صناعة زخم عمان الاقتصادي الكبير، عمان دولة ثرية وكل ما تحتاجه هو ترتيب الأوراق، ولست بصدد كيل المديح للحكومة أو كيل الذم، أتحدث عن أمنياتي، أقول أن محاسنَ الضريبة تأتي مع الشراكة والمساهمة وبالتالي سقف حرية أكبر للتعبير عن الرأي، أتوهم أن هذا سيقنع المجتمع العُماني بأهمية مجلس الشورى وعسى أن يلتفت الناس إلى دوره المعنوي الكبير في تنظيم التفاعل بين الحكومة والشعب، إن كانت أوهامي وأمنياتي الكبيرة ستتحقق وتحسن وضع الاقتصاد، وانتهى عصر كورونا واكتسبت البلاد الزخم الاجتماعي وعادت الشركات للعمل، فإن إعادة النظر في استجلاب المزيد من الوافدين ربما سيحدث، وماذا بعد أيها المهذون الحالم؟ هذا كلّه في حال نجاح كل هذه الأوراق التي يعاد ترتيبها، ثمَّة ضريبة ستحدث للحكومة، وأخرى على الناس، فأما الحكومة فهي تجهّز نفسها لتراقب، وتسائل، وتنظم، وتنتظر النجاح الذي يصب في خزائن الدولة مالا ربحيا صافيا من الاقتصاد، وأما الناس فينتظرون نجاح هذه السياسة لينجح الاقتصاد وبالتالي تتكاثر فرص العَمل ويقل تسريح الموظفين الذي أصبح ظاهرةً اجتماعية يعبر المجتمع بشفافية عن امتعاضه منها، الجدال بين الناس والحكومة ليس بحجم الجدال المرير بين الناس والقطاع الخاص، لست بصدد استخدام الخطاب العاطفي عن جشع التجار، وعن طمعهم وعن استفادتهم من مال الحكومة وغيرها من الشعارات الرنانة، ما أريد قوله هو أن جدالا عمانيا كبيرا ينشأ الآن، وقد تكون له نتائج صحية للغاية على الصعيد الثقافي، أما على صعيد نمط العيش فإن الجميع سواسية أمام قراراتٍ شخصية نتيجة الوضع العام، وصف ما يحدث في عمان بأنَّه تغيير هو الوصف الأنسب، التوجه نحو دفع الضريبة يفيد الدولة، والمأمول أن يفيد الدولة إلى أن تتمكن من تثبيت مفهوم الرخاء للمجتمع، والجدال العماني كله يدور حول هذا المفهوم الفلسفي العُماني، هل ستنجح الحكومة في مساعيها ونرى الاقتصاد وقد قام كالمارد على قدميه ونرى عُمان بعد سنوات قد قامت كما فعلت دول الخليج الأخرى؟ أم نحن أمام عصر مغاير؟ مزيد من الضرائب بلا نتائج؟ هذا ما سيحسمه الوقت، لست خبيرا اقتصاديا لأؤكد أن هذه الإجراءات ستنجح أو ستفشل، لكنني أستطيع أن أقول بصفاء ذهني تام أن زخما اجتماعيا تنافسيا قيد النشأة يحدث في عمان الآن، وأن عصر المهارة قادم إلى عُمان، وأن التعليم وخيارات التعليم الكلاسيكية في عمان قد بدأت بالتغير، وأن الفردَ سيجد تحديات أصعب مع الوقت، سيجد تنافساً أكثر حدة، وهُنا تأتي خسارات الفرد من أجل القضية الكبيرة، فإن ذهبت إلى اقتصادٍ ينجحُ ويقوم كالمارد فإن كل تلك الأعباء تستحق، أما إن تأجل عصر عمان الاقتصادي لسنوات أطول فربما نكون أمام سنوات من الإحباط والقلق، مع وباء كورونا أصبح من الصعب توقع أي شيء، ما أتمناه هو أن تحدث يقظة عمانية عامَّة، وأن نذهب إلى عمان الغد باقتصاد قوي قادر على رفد المجتمع بالوظائف، ورفد خزينة الدولة بالضرائب، رفع الدعم عن الخدمات لن يكون بداية الدرب، إن عصف الاقتصاد عواصفه سيرتفع دخل الفرد ولكن سترتفع مع الضرائب، وهكذا قامَت الدول الصناعية الكبرى بهذه الفلسفة، الضريبة مقابل الحرية الفردية، هل تتجه عمان إلى ذلك؟ ربما! لم نعد في عصر ثقافة التأسيس، ولا عصر الاتكاء الكلي على وظائف الحكومية، الكرة كلها في ملعب القطاع الخاص، والرأسمالية العادلة المنصف قد تكون حلا لمشكلات اجتماعية عويصة، فهل ستنجح في مساعيها؟ إنه الوقت فقط من سيثبت ذلك.

أمنيتي أن أرى عمان وقد عصف اقتصادها عصفا مبينا، أن تتحقق نظرية الرخاء، وأن يستثمر مال النفط في الاقتصاد العماني دون أن يصبح صنبورا للرواتب في دولة قليلة السكان تعاني من نقص العمالة الوطنية ونقص الشهادات، عصر المهارة، والتدريب، وتقليل جلب الوافدين، وربما تغييرات في قانون العمل، كل هذا متوقع الحدوث، متى؟ يعلم الله ذلك، الأمل باقٍ ورغم صعوبة التحديات أتذكر كيف قامت هذه البلاد على قدميها في أصعب الظروف، ماذا بعد هذه المرحلة التغييرية، أنتظرُ حالي حال الجميع لأعرف. حفظ الله عمان من كل شر، وحفظ الله جلالة السلطان وأنار بصيرته لكل ما فيه خير لعمان وشعبها الوفي.

 

معاوية الرواحي