بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

نرجسية الاستغلال والتضحية

 

 

 

في هذه الحياة أشخاص من نوع خاص، ليس لديهم قدرة على الصدق مع الذات، يعززون ويعمقون الوهم في دواخلهم لتعزيز سلوكهم الخيّر أو الشرير. فالخيّر، الذي يضحي ويساعد قد يفعل ذلك لغياب قيمة ذاته عنه، لشعوره العميق بأن الخسارة هي التعويض المعنوي، يخسر ويخسر لكي لا يكون أنانيا.

يدمن هؤلاء الخسارة، يبحثون عنها بجنون، تلتصق بحياتهم ومعها يلتصق أشخاص آخرون، هؤلاء الذين يلتصقون بخساراته، يلمّون الفتات الذي يتساقط من نزعتهم غير الطبيعية للتضحية، يخسرون ذاتهم فيتحولون إلى كائنات مُستغلَّة، لا يعنيها ما يفعله الآخرون من أنانية، المهم لديهم أنهم ليسوا كذلك.

بعض هؤلاء لديهم القليل من الحظ، يدمنون الخسارة وليس لديهم من يدفعهم لها، ولكن صاحب الوهم صديق لصاحب الوهم! يحل هؤلاء الذين يدمنون الأنانية واستغلال الآخرين، هؤلاء الذين لديهم إدمان من نوع آخر، إدمان الكسب تحت أي ظرف. تكتمل الدائرة التي لا نهاية لها سوى الصدام، خاسر، وصانع خسارة.

المستفيد من خسارات الآخرين يشعر أنه ذكي، وأنه يمارس فعلا طبيعيا، يشبه ذلك أصدقاء/خصوم القمار، فمنذ متى يهتم مقامر لراتب صديقه/خصمه الفقير الذي يبدد نقود وطعام وعشاء أطفاله في الكازينو! العلاقات القائمة على الاستغلال تستمر لفترات طويلة، وهذه أحد أسبابها، اتفاق النقيضين.

إن هذه العلاقات غير الطبيعية جزء من الحياة،لا يمكن للحياة أن تسير بغير هذه المعادلات القدرية.فمثلما الشخص الذي يعيش نرجسية البطولة والتضحية بما فيها من أوهام يعزز أوهامه بنرجسية من نوع خاص، كذلك يفعل الطرف المقابل، يعزز نرجسية الذكي، الذي يدير الظروف لصالحه مهما كانت خسارة الآخر.

وهُنا تحدث الكوارث، عندما تتطلق امرأة بستة أطفال ذهبت قروضها في البنك لتغطية نزوات زوج مُستغل نرجسي يسافر بنقودها إلى الماخور والمنزول، نرجسية التضحية واطمئنان الضحية مع توهم الذكاء، وقد يحدث العكس، أن تفعل المرأة ذلك، لا يهم الجنس في هذا المثال، بل طابع الشخصية وهويتها النفسية.

الذي يستغل الآخرين يشعر أنه ذكيولديه شعور عالٍ بالاستحقاق، والذي يتم استغلاله يشعر أنه نبيل ولديه شعور عالٍ بالبطولة، والنبل، وهكذا دواليك، لذلك ما تميل الشخصيات النرجسية إلى أحد هذين الطابعين، طابع البطولة المفرطة، أو الأنانية المفرطة، ومن النادر أن تجد نرجسيا ليس به هذه الخصلة.

يعيش معظم الناس في منطقة رمادية يدرسون فيها المكاسب مقابل الخسارات، أو الخسارات مقابل المكاسب، قد تجد أكبر بخيل وأناني في العالم يساعد أعز أصدقائه الذي يحتاج لعملية طائرة، وقد يحدث العكس أن يتعلم الذي قام بالتضحية الحفاظ على مصالحه، أو ما هو أسوأ، أن يتحول إلى أناني.

المثير للعجب أن الطرفين ليس لديهما قدرة على الصدق مع الذات، فلا الذي يتم استغلاله صادق مع ذاته ويعترف أنه غافل، ولا الذي يستغل الآخرين يشعر أنه يفعل شيئا سيئا، وعندما تصل الحالات المتطرفة إلى المحترفين للعلاج يجدون أمامهم معضلة عمرها سنوات طويلة انطبعت في وجدان الطرفين بعمق.

عندما يقولون كمثال: الفلوس تغير النفوس. هذه من أصدق العبارات في كوكب الأرض، وجزء من معادلة [الخسارة/ الاستغلال] سبب كبير لذلك، كم من كريم كان شهما في فقره أصبح قذرا يتهم الناس بأنها تسعى نحو ماله بعد أن أصبح ثريا، وكم من بخيل في الفقر مستغل أصبح كريما بعدها!

الناس بشكل مدهش.

إنها معادلة، قد تصل لحالة التوازن، وتتلاشى حديتها مع الزمن، أو قد لا تصل لحالة التوازن. "فلان أفقره كرمُه" عبارة حقيقة وصادمة ومتداولة، وعلى الجانب الثاني "فلان خسر كل من حوله" هُنا تعلم الحياة الناس دروسها الصعبة والموجعة، وبالطريقة الصعبة والموجعة أيضا.

الصدق مع الذات قد يكون أصعب ما على الإنسان أن يقوم به. نحن نحتاج إلى الأوهام بشكل كبير، نحتاج لها لنتوازن، من هذا الذي سيوافق أن يقول عن نفسه أنه "سيء" يستغل الآخرين، ومن هذا الذي سيوافق على أن يقول عن نفسه "غافل" يُستغل بسهولة؟ لا بد من أوهام تطبّع ماضينا، تجعله منطقيا.

يعزز الإنسان أوهامه باحتراف، يخترع التبريرات التي [تبرر] ولا تفسر له سبب ما يفعله، وتعلمنا أعمار الآخرين وأخطاءهم أن لكل وهم نهاية، إنها لحظة مريرة في حياة كل إنسان عندما ينتهي هربه من ذاته ولا يجد أمامه حلا سوى أن يواجهها، ليتغير، أو على الأقل ليوقف تدهورها إلى الهاوية.

الحياة تلسع الجميع، حتى هذا المتزن الذي يعرف ما يجب أن يفعله. يمكن لطالبٍ من عائلة ثرية أن يكون ضحية سهلة لصديق يدعوه إلى الخمر، ليجد نفسه مدمنا وحيدا يحتاجُ إلى الناس التي تشرب معه، فيدفع لهم خمرهم مقابل الصحبة. يعزز أوهاما كثيرة في قلبه ليتغلب على حقيقة أنه تدهور وأصبح مدمنا.

يتعلم الناس من أخطائهم أو من أخطاء الآخرين. من الغباء أن تصر على أن تتعلم بالخطأ، هذا ليس سلوكا منطقيا ومعياريا، لذلك في مثل هذه الحالات التي بها معادلة الاستغلال ثمة نهاية حتمية، كلما كانت قريبة كان المظلوم فيها محظوظا، أما الظالم فيتمنى أن تتأخر هذه النهاية ما استطاع.

وفي الختام، كلنا نعرف إنه [هذه هي الحياة] .. من المستحيل أن تكون هذه الدنيا الخالية من المثالية خالية من مثل هذه التجارب، مؤلمة، ومحزنة وتترك أثرها في النفس، وسواء كنت الشخص السيء الذي يستغل أو الآخر الذي يُستَغل، كن شجاعا في تغيير ذلك، الطريق صعب والنهاية تستحق.

انتهى