نهتم بالسياسة ربما لأن شيئا ما ينقص حياتنا. ترتبط هذه
المقيتة [السياسة] بالأحلامِ غير المتحققة بشكل ما أو بآخر. ما الذي يجذبنا
للسياسي؟ أليست قدرته على تغيير السائد، والقانون أحد هذه الأشياء، وفي المنطقة
العربية، أليس هذا السياسي هو الذي يغير المصائر؟ والقوانين؟ بل وربما في أنظمةٍ
عربية بائسة يغير توجه الأمة ويقودها للمجد أو للفشل الذريع.
هُناك ما ينقصُ مُتابع السياسة من حياة، انشغاله بالأمل
تجاه ذاته أو تجاه قضاياه الكبيرة وأحلامه المتقدة، شيء ينقصه ويشغله ليترك الحياة
بما فيها من مُلهيات ليجد بديلا عن كل ذلك بالتسمر أمام شاشات الأخبار، متربصا
بالجديد من الفتن أو الحروب والمشكلات، ما يروقُ له هو ما لا يملكُه من قدرة على
التأثير أو التغيير. ثمة ما يجذب في عالم السياسة، ويملأ فراغا روحيا عميقا في
الناس حول العالم، الفتنة، والقتل، والموت، والكذب، والتحايل، وكل ما يمكن أن يخلط
المتعة بالأمل ولذة الترقب بطمأنينة جريان الكوكب بتدافع سكانه.
للمهتم بالسياسة خصالٌ كثيرة، أبرزها نزعته العقلية
للتحليل والربط إضافة إلى ما يكوّنه من نظرياتٍ خاصَّة، وفي العصر الجديد أصبحت نشرات
الأخبار كالقمصان المفصلة لتأكيد نظرتنا المسبقة عن الحياة، اليمين يعزز في
المتلقي استحقاق المحافظين لقلقهم، واليسار يعزز في الإنسانيين، ودعاة العولمة ما
يعزز ارتيابهم الكلاسيكي تجاه المحافظين، وهكذا دواليك، إعلام مع الإسلام، وآخر ضد
الإسلام، إعلام مع السلام، وإعلام مستقطب حدّي يثير الفرقة ويعزز الكراهية التي
يتسمّر طالبها والملوث بها أمام الشاشات بحثا عن سبب جديد ليعوض الناقص من حياة
المتلقي الشغوف بالزائد من فيوض الكراهية في العالم الحديث.
نتابع السياسة لأنها تشغلنا، تملأ ناقصا في حياتنا التي
تخلينا عنها من أجل أخرى مرجوّة، كل ما في السياسة متعلق بالرغبات والأمنيات،
مهرجان من النرجسيات الفردية التي تتحزب لتتحول إلى حفلةٍ تنكريّة يقتنع حاضروها
بلباسهم، يتمسكُ الجمهور بالمسرحية، يصدقون لبعض الوقت أنهم يساهمون فيما يدور،
يصنعون الفارق، وسواء كنتَ في دولة يصنع فيها صوتك الفرق أو لا يعني صوتك أي شيء
تواصل السياسة لعبتها الأثيرة وتلعب على هذه الأحلام الناقصة وتتحول الجموع لمشيئة
القلّة العارفة بالخبايا، والمتواطئة مع الظلام والخفاء. إن هناك أشياء كثيرة
قبيحة في هذا العالم وتتصدر السياسة مركزا متقدما في قبيلة الاهتمامات، كما يتصدر المهتمون
بها الصدارة فيها في غفلتهم عن الحياة وتقصيرهم في صنع مساحات أهم من الاهتمام
بهذه الآلة الصمّاء التي تستهلك حياة البشر منذ أقدم العصور.