بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 28 مايو 2021

مع وضد

 اتهامات الناس والغرباء كثيرة ولا تنتهي، منهم من يحبك سجينا ليلبسك شارة البطولة، ومنهم من يحبك سجينا ليشمت بك، البعض يتعلق بالأمل أن الحل يأتي من الكتابة، والبعض الآخر لديه أمنية أن يسفر الضغط الشعبي عن نتائج متحققة.

 أنت فقط تعرف ما في نفسك، وتعرف حقيقتك فكن صادقا معها على الأقل!
الذي يتصدر المشهد العام مُتهم من جميع الأطراف، إن كان محايدا فهو متهم، وإن كان مع طرف دون آخر فهو متهم. وتشفُّ كتابات البعض المزينة بالمنطق والحكمة والرشد عن حقائق أخرى، عن الخوف، أو الطمع، أو التملق، أو اللعب على حبلين، أو اللامبالاة، أو اليأس، أو القرف من تكرار دائرة التاريخ.
تفرز هذه المشاهد أشخاصا حقيقيين يتمنى الجميع أن يكون منهم، بعضهم لا يستطيع، وبعضهم لا يريد، وبعضهم يخاف. شخص حقيقي مستعد للتضحية وينطلق بالصدق والمنطق وقول الحق، وهذا هو الذي يدفع الثمن، لأنه يحرجُ الجميع، وينتصر له كل صاحب حق ومظلوم، وهو أوَّل هدف يهاجمه المتناقض والمزيف.
ولك في الحالة الأخيرة خير مثال، هجوم الثوريّ على الحكوميّ والعكس. تصفية حسابات سابقة وأحيانا غل فلسفي متبادل. البعض لا يوضح دوافعه ولا وجهات نظره ولا منطلقاته ولا يوضح نظريته الفكرية، يتعلق بالحماسات الكبيرة والقيم المطلقة [الوطن، الحرية، الثورة، الشعب، العدالة]. ولا تعرف منهجه.
والموالي للحكومة لدرجة التطبيل يشبه المعارض لها لدرجة التشنج، تتساءل هو مع أي مقاربة؟ اسم مستعار يلبس صفة الثائر ولا هو في الميدان، ولا هو حقيقي، وليس له ناقة ولا جمل في الأحداث، لكنه ثائر، ويتمسك بالقيم المطلقة لدرجة الهوس، لا يختلف عن حكومي يتمسك بموضوع هيبة الدولة بشكل أعمى!
الحكوميّ يخوّن ويتهم الآخرين بالتآمر ويطلب الضرب بيد من حديد! وكأن ذلك يخدم الحكومة من الأساس والتي تُريد أن تظهر بمظهر المتعاطف الحليم، والثوري الذي لا تعرف مقاربته، سلاحه الغضب ولا منطق لديه سوى شيوع المواجهات والحرائق. شخص لم يكشف لك نظريته ولا مقاربته، حالة هوس وتشنج فقط!
ولذلك ترى الحرج على المتناقضين من الطرفين. الحكومي المتملق المتزلف عن طمع ينتظر السانحة ليهجم ويخوّن كل من لديه نظرية متكاملة للمواجهة وفوائدها ويحدد نقطة الوقوف. هذا يغيظه أكثر، فالحكومي المتعلق بالمطلقات يعرف فقط الكلام المطاطي الفضفاض، لكنه يفشل في أول مجادلة تفصيلية.
وكذلك الثوري المتشدق بالشجاعة! اسم مستعار نكرة يكتب كأنه زعيم ثوري في الميدان، يوزع الأوامر على الجماهير العريضة. يُحرجه جدا أن يعترف أنه بلا مقاربة، وأن الأمر ذاتي للغاية وأنه يعبر عن مشاعره وغضبه، وأنه عاطفي بلا أساس منطقي، وأنه فقط مشروع متنمر باسم القيم الكبيرة.
وما الذي يجمع الحكوميّ الأهوج بالثوري الشبح؟ الاتكاء المهووس على القيم المطلقة، هذا يقول لك [النظام/ الحكومة] وذلك يقول لك [الشعب/ الحقوق] .. اطلب منه أن يوضح لك أين يقف؟ لن يوضح. هذا يريد القمع والسجن ويد من حديد. وذلك يريد الثورة الكُبرى حتى النهاية.
وماذا عن الوطن الذي يتحدث باسمه الجميع؟ هُنا تتجلى الذاتية المفرطة في الطرفين، الوطن آخر ما يُحسب له حسابا، والناس مجرد ورقة، لدى الثوري هم جنوده ولدى الحكومي هم أتباعه. إنها لعبة المطلقات، والتعلق بالأهداف الكبيرة، بلا منطق ولا تسبيب ولا حتى نظرية مبدئية. فوضى متحمسي الهامش!
ونجي للنموذج الذي يمقته معظم الناس في عُمان، ربما حتى الذين كانوا من هؤلاء! هو ذلك المتقنع بحبه للوطن لكنه يتزلف للحكومة، ينتظر السانحة والفرصة، مشغول بالمؤامرات، يصدق الدعاية، وينساقُ بسهولة وراء أي بوق من أبواق الحرب. خاسر لنفسه ويعرف ذلك ويرفض الاعتراف، يعاني في صمت وإنكار.
وهو يعلم أن الجميع يكرهه، ويحس بذلك لكنه انساق وراء اللعبة حتى فقد قدرته على الخروج منها، متناقض وما أن يجد فسحة لتأكيد المؤامرات [وأنه يعلم ما لا يعلمه الجميع] سينطلق، جمهوره من الإمّعات الذين يريدون أن يكونوا مكانه، يكره نفسه وكل شيء آخر، ولا ملاذ له إلا شبه ضمير يؤرقه لاحقا.
وعلى الجانب الآخر، الثوري بلا نظرية ثورية، يتجنب الجميع مناقشته لأن سلاحه اتهام الآخرين بالجُبن والنكوص عن المواجهة، وهو حقا شجاع، لكنه أهوج وربما متهور، يخسر كل من حوله لأنه يراهم جبناء، لا خطة مواجهة لديه ولا تكتيك جماعي، إنه قائد من ورق في ثورة من أرقام والجميع جبناء ما عداه!
وفي الأخير، ينتصر الأهوج من الطرفين في النهاية، البلطجي باسم القيم الكبيرة الذي لا يفيق من سكرته إلا بعد نهاية المشهد، عندما يكتشف أنه مجرد أداة، بطارية استهلك غضبُها وحان وقت المجيء بغضب جديد، وهُنا نرى نهاية كل متشنج، متمسك بما كان يظنه حقا، تجاوزه الجميع إلى مرحلة منطقية.