بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 يونيو 2021

كسر الرابط المقدّس

 

 

 

يشتعلُ المجتمعُ العُماني اليومَ نقاشا ومجادلات، وصدامات، واتهامات، وتكهنات، ويلعب الارتياب، والمنطق، والتحليل في ساحةٍ واحدةٍ. منهم من يبحث عن الحقيقة باسم الفضول، ومنهم من يجيّرها باسم انتمائه السابق. مهرجانٌ من عواصف الرأي، والرأي المضاد، وألعابٌ لا تتوقف من ذوي الأجندات الذين يسعون في أرض الكلمات، هذا يسوِّق الخوف والظن، وذلك يجابه القمع الجمعيّ، وذلك الذي يدين الضحية، وتلك التي تتبرأ من كلِّ شيء باسم التعميم الشاسع، والحزازة الذاتية، وهذا المتخشبُ عاطفيا الذي يحلل كل شيء مجردا من زخمه العاطفي كما يفعلُ كاتب السطور في خطيئته التي يقترفها في هذه اللحظة.

توفيت في عُمان فتاةٌ في عُمر الزهور، كيف؟ لا أعرف! وما الأسباب! لا أعلم. خرجَ الأمر من يدي أصحابِه إلى ساحةِ الارتياب والتكهنات الكُبرى، الرأي العام الإلكتروني بما له وما عليه من استحقاقات عامَّة وخاصَّة. تولى فريق الذاتية المفعمة بالاستحقاق إما تهييج القضية، أو تحويلها لمعركة دعاية، أو المتاجرة بها باسم حقوق المرأة، أو باسم التوعية الدينية، بل وحتى السياسية والاجتماعية، كل هذا حدث ولم يكن لعائلتها أي تصريحٍ أو توضيحٍ. لم تكن العائلة مُلزمة لأي تصريح لكنها اضطرت لذلك فعُمان دولة مجتمع قبل أي شيء آخر، وهذا المجتمع ـ قميص عُثمان الأكبر ـ عندما يهيجُ فإن من أفرادِه من ينسى الحقوق الشخصيَّة من أجل تلك الحزمة الغامضة من المفاهيم المبنية على حق الفردِ في مجابهة المجتمع، لا يمانع البعض أن يحمل رفات ميِّت في مواجهته للأحياء، من أجل ماذا؟ من أجل الحياة! والتصورات المثالية، وكل شيء ممكن في حروب الدعاية، والدعاية المضادة وصراعات الشيطنة الرائجة في محيطنا العُماني، والخليجي، والعربيّ. بقيت قضية الفقيدة خارج الضوء حتى نبش الغرباءُ في المأساة، همزَ من همزَ العائلة، ولمز من لمزَ الدين، وتناثر لعاب المتحمسين من مدافعي العدالة الاجتماعية، أو مناهضي القمع الديني، أو ثوار الأسماء المستعارة الذين يُشعلون حرائق اللغة بعيدا عن أسمائهم، وحياتهم، وهوياتهم، وحقائقهم الوجودية البسيطة، لقد بدأ مهرجانٌ لا نهايةُ له من التخمين والتكهن، وأصبح الارتياب سيد الموقف، وجاء كاتب هذا السطور بكل تخشبه العاطفي ووقاحته الفكرية ليصفَ، وليحلل مخالفا بذلك كل انتمائه العاطفي الذي يؤمن أن خيرَ ما يُفعل هو الصمت وترك أهل الدمِ ليتحدثوا عن دمهم، وما أبرئ نفسي وما هذه النفس الأمارة بالسوء إلا الجامع المشترك بين الجميع، كل إنسان، وكل عقل، وكل صاحب فكرٍ وحرفٍ وبيان.

ثمَّة من نكأ حكايةَ الموتِ، ذلك الغامضُ الذي لا تُعرف ظروفُه، وظهرت بعض الأخبارِ المؤكدة من لسانِ أصحاب الشأن، فلا غيرهم له الحق في إبلاغِ هذه الساحة المسعورة بالظلم، والتنمر، والتدخل، والفضول بما حدثَ، عائلة الفقيدة التي تعرضت للهمز، واللمز، والمتاجرة بدماء فقيدتهم تتحدثُ أخيرا، ليشتعلَ الموقف مرَّة أخرى، وليخرجَ الأمر عن حزنه الشخصي إلى جمود العقل المحض، وألعاب الجموع والدعاية، وحروب أهل اليمين مع ذوي اليسار، ومجددا تَدخل هذه العائلةُ المنكوبة معضلة التكهنات، الغريب باسمِه المُستعار يتفنن في كيِّها، واتهامها بالتقصير، ينكأ الجرح الكبير من أجل حزازته الفكرية الخاليةِ من التعاطف البشري، فتعاطفه مع الفقيدة التي لم يكن يعرفها، وربما لم يعلم عنها حتى خبر وفاتها يسمحُ له أن يدافع عن فتاةٍ توفَّت في ظروف غامضة، لا يعلمُ عنها، ولشهور ولا علمَ يقين عن هذه الحادثة يأتي من ينكؤها، من يعيدها للسطح، من يلعب لعبة الأفكار حيث تجب العواطف، ومن يرفع قمصانَ الفكر في وجه الحق الشخصي، والخصوصية التي تقدَّس في عُمان إلا عندما يتعلق الأمر بسعار الغرباء وحق الأسماء المستعارة في هذا الزمن الجديد في تلبس أزياء الحقيقة، ومعطف المحاماةِ الوجودي في الدفاع عن ظُلم فقيدة أصبحت فجأة ضحية العائلة والقمع والعنف الأسري، وكأن الأولوية الآن هي إيجاد الجلَّاد الكبير الذي قاد لهذه الخسارة الفادحة، ومن غيرها؟ من غير العائلة ليلومَها الجاهل الغافل الجبانُ باسمه المُستعار؟ أما المجتمع الكبير وأفرادُه الغامضون وعصابات الأسماء المُستعارة فلا تُلام، فمن يلوم الأشباح على أحداث الحقيقة؟ المُلامُ هو التكئة الأسهل لدى ربابنة التفكير الإمَّعي الوضيع، المُلام هي العائلة التي فقدت ابنتها، والنتيجة صراع دعائي، ومعركة دفاعٍ مستحقة من أهل الحق الأقرب للحقيقة أمام أشباحِ الغموضِ المتجنية بكل ارتيابها المعلَّب وتحيّزاتها المسبقة، وتوقعاتها التي رجمت بالظن وجعلته موضع الحقيقة، فلا نامت أعين الجبناء!

لا شيء يُلزم العائلة بالتبرير أو التوضيح، وما أقبحَ من جعل المرض النفسيَّ العذرَ الذي يهمزُ به هذه العائلة ليؤطر مصابها ويبرر حزنها ويشمت فيه بحجة التقصير! وكأن أزمات النفس المرعبة التي تقود خُمس من يعانون من بعض أزماتها إلى الموت سؤال يجيب عليه من فقدوا ابنتهم في واحدةٍ من هذه المصائب الغامضة، والتي وإن عُرف بعض أسبابها فقد ضاع باقيها في غياب الموت، أصبح على العائلة المنكوبة بالفقد أن تبرر أزمات النفس الغامضة التي عجزَ العالم عن حلِّها، وعجز المجتمع البشري عن فهمها، وأصبحت هي المقصرة الأولى في حالةٍ من حالات الموت، فهم يلامون على عدم معرفتهم ببواطن النفوس، ويلامون على تقصيرهم في قراءة الغامض الوجودي في النفس البشري، والغامض الفردي في الفقيدة، وهم يُلامون على قصورهم في معرفة الغيب، ما أسهلَ أن تلومَ أهل المصابَ وهو ليس حزنك، وليس مصابك، وليس ألمك، وليس جرحك! ما أسهل عمل الجبناء في هذا العصر الجديد، وما أبخس هذه القضية التي تناست كل الحقوق الفردية لأهل المصاب من أجل أجندات الدعاية وكل المحاربين من أجل العدالة الاجتماعية الذين يروق لهم نسف حق الآخر في الخصوصية، والاحترام البديهي من أجل حزازاتهم الشخصية وتحيزاتهم المعلّبة، لا شيء يُلزم هذه العائلة بالتصريح أو التوضيح، والفضول ليس عذرا لدفعهم لذلك، وبعد أن حدث ما حدث اضطرت للدفاع عن نفسها، ولتوضيح بعض الحقائق أمام سيلٍ من الاتهاماتِ المروّعة، والشماتة القبيحة والبشعة، والكراهية التي يقودها الغريب الذي لم ينقذ الضحية ولم يعنها ولم يساعدها  في وجه القريب الذي لم تجف دمعته ولم يتوقف جرحه عن النزيف، فلا نامت أعين الجبناء!

جاء بيانُ العائلة الاضطراري بالحقائق الدامغة، والتقمت بعض الأفواه حجراً. محبو النشاط الجماعي، ومجندي الجنود في الصراع الكبير ظهر دورهم. والتقمَ مجندي الجندِ في الزمن الجديد جلمودا من الصخر، ها هي العائلة تكشفُ وجود دور للغرباء وكأننا لم نعلم قبح هذا العالم بما يكفي؟ فالخيار الشخصيُّ مبرر حتى يموت الإنسان، وبعدها يجب البحث عن من يُنصب على المشنقة، وهذه المرَّة هي العائلة التي تُلامُ، أما هؤلاء الأشباح الذين لعبوا من وراء الستار فهم حركة العدالة والحرية، وهل تهم الفقيدة لهم؟ كلا، سوف ينسب إلى موتها ما يكفي من الإثارة والأكاذيب، أما تلك الفتاة التي ماتت في مقتبل العمر فلا تهم حقيقتها، المهم هو المعركة الأزلية، وصراعُ كسر الارتباط العائلي، وصناعةُ عصابات الوهم، الأمر الذي تفعله السياسة، ويفعله الدين، ويفعله الملاحدة، ويفعله المحافظون واليساريون على حد السواء، ألا تعبأ بحياة الإنسان وخياراته وأن تكسر ارتباطه وأن تعزز ارتيابَه وأن تستغل أزمته الداخلية ليخدمك، وليخدم أجندتك، وهذا ما كشفته العائلة بعد شهورٍ من الصمت، وبعد اضطرار مؤلمٍ، وبعد أن ولغ الغرباء في حكاية الفقيدة حتى فقدت الحكاية كما فقدت الفقيدة.

ظهرت الحقيقة، ثمة من كان يستغلُ شابة في مقتبل العُمر، من يعزز ويكسر بشكل متعمد رابطها الأسري الأقدر على حمايتها، ثمَّة من يستغل هشاشتها ليحولها إلى جندي في معركة أكبر من وجودها، بل وأكبر من الوجود نفسه، ألا يفعل الإرهابيون ذلك؟ ألا يكسرون الرابط بين الأبناء والآباء؟ ألا يقولون له أن أبويه كفَّار؟ ألا يفعل السياسي ذلك؟ ألا يقول لك أن النظام هو الأب؟ والقائد الحكيم يقتل الناس ويبطش بهم ويرميهم في السجون من أجل فضيلة عظيمة؟ من أجل الشعب الأبيَّ؟ ألا يفعل الملحد ذلك؟ ألا يستقطب صغار السن، يرمي ذات الله بالشتائم، ويزلزل وجدان كل من تجعله هشاشته عُرضة للتأثر؟ نعم كل هذا يحدث، ولكن لا بد من جلّاد، وجود هذا الشيطان المتربص بالآخرين وهم؟ أليس كذلك؟ ألا يفعل السياسيُّ ذلك؟ ألا يفعل المثقف الكبير ذلك؟ ألا يستقطب من مريديه وأتباعه جنودا في ثورته الورقية؟ ألا يدخلون السجون ويموتون في الميادين؟ ألا يعقد المثقف بعد ذلك صفقته مع النظام ويعود لينضم إليه؟ نعم يحدث ذلك، ألا يقود الداعية الجبان المترفُ بأموال السلطة المخدوعين به إلى الموتِ من أجل دولة خرافية؟ نعم يفعلون ذلك، وأنت تعلم أنهم يفعلون ذلك، ولكن لماذا ألوم هذا العالم الشيطاني؟ ألا تغري الأنظمة أبناء الشعب للخوض في مسارات مظلمة؟ ألا يموت من يموت ويُسجن من يُسجن من أجل الحزب الوطني؟ ورسالته المقدسة الخالدة؟ ألم يذهب السياسي، والمتدين، والمتطرف، واليساري، واليميني بالغافلين في المهالك؟ نعم يفعلون ذلك، وهذه شيمة الجبناء الذين يقدمون غيرهم للمهالك بحجة هذه القيم المطلقة العظيمة، والصراع الكبير، وحل أزمات الوجود بإتلاف كل من به هشاشة، نعم يفعلون ذلك، وها هي عائلة الفقيدة تكشف الأوراق، فماذا فعل جنود الأسماء المستعارة؟ كشروا عن أنيابهم القبيحة وتناسوا صاحب الرواية الأوحد وعارف الحقيقة وصاحب الخسارة ليتم شيطنة العائلة التي خسرت فتاة في مقتبل العُمر تموت هي وغيرها هذا الموت غير المتوقع، كان يجب على الفقيدة أن تُظهر بهذا الشكل، فالذي استغل هشاشتها بعيد يضرب الأخماس في الأسداس متجنبا لوم ذاته، يواصل حربه العمياء بلا اسم وبلا هوية، يجنّد من استطاع في حراكه الكبير، منشغل بالمجد الكرتوني المزيَّف، فهي شهيدة معركة هو قائدها، وهي ضحية المجتمع الأسري، وهي، وهي ، كل شيء إلا ما هي عليه، قدر محزن من أقدار الله كسر ارتباطه الأقدس والأقدر على حمايته فاعلٌ أهوج من جبناء التحريض والدعاية والتجنيد.

ما الذي بيد هؤلاء [الفردانيين] المفرطين في الفردية ليقولوه الآن؟ أن التجنيد الأعمى، وحشد الأتباع، واستغلال ذوي الأزمات الداخلية كان [خطأ محزنا]، هل حياة الفقيدة الآن مجرد خطأ تكتيكي؟ ألا تقول أنك فردي فرداني؟ مالك ومال تجييش الجموع وتجنيد الغافلين الأبرياء؟ ألست فرديا؟ لماذا تلعب بأسس اللعبة التي يقوم بها الجمْعِيُّون؟ ماذا لديك لتقوله الآن أمام هذه العائلة التي كسرتَ ارتباطَا مقدسا كان أقدر على حمايةِ الفقيدة منك أنت، وأسمائك المستعارة وحراكك المستعار من الخارج، ماذا ستقول الآن وأنت تبتكر الأزمات غير الموجودة؟ ماذا عساك أن تقول وأنت من صنع الضحية ولست من أنقذها؟ هل لديك ما تواجه به نفسك أيها الصامد في [قضيتك]، في تخشبك الذهني، في اعتبارك حياة الآخرين مجرد مزرعة من مزارع العقل المحض ومجادلات الأفكار، وصراعات تحقيق الذات وصنع القادة والجنود! ليس بيدك يا جبان سوى أن تلوم عائلتها، هذا ما أنت جدير به، أن تنكأ جروحهم وكأنك أشد حزنا، أن تجرف بهم في ألسنة الناس، لأنك جبان وضيع، لم يكفك اسمك المستعار لتكمله بأفكارٍ مستعارة، هؤلاء الذين يرحلون، ويُسجنون، ويموتون، هؤلاء الذين يتأزمون ويتألمون من الداخل لا يعلم بحالهم ومأساتهم من يستطيع إنقاذهم، فأنت منقذهم من خطرٍ أشد، أليس كذلك؟ ألست المنقذ؟ ألستَ المنظِّر الأكبر والأوحد لما تظنه حركة من حركات الحياة؟ حياتك أنت، الحياة التي عجزت عن تقبلها فلم تجد حلا سوى أن تجند غيرك ليغيرها من أجلك، كان يمكنك أن تبقى في محيط فرديتك دون أن تذهب بالآخرين للجحيم، لكنك جبان، تعلم أنك أجبن عن الموت وحدك في هذه المعركة فاخترتَ من يموت معك، من يخسر معك، من تُزخرفُ له حياة النضال ولا تعلمُ أي نضالٍ داخلي صعب يمرُّ به، فلا نامت أعين الجبناء!

كلنا نعلم أن بهذا العالم شياطين من الإنس، ونظنهم أبعد إلينا، ونظن أن ذلك يحدث للآخرين فقط، لقد خسرت عائلة عُمانية ابنتها، أما أصحاب الأجندة الدعائية فلم يجدوا غير هذه العائلة لنصبها في الميدان العام، ميدان الأسماء المستعارة، وتجيير الحقائق وترجيح كفة الارتياب، ها هي العائلة تجدُ من وجدته من أدلة دامغة، أنَّ فتاة تعاني من الهشاشة، والضعف، والألم الداخلي قد قاست أيضا من الذين لا يعنيهم كل ذلك، يهمهم تحويل ذلك الألم إلى غضب، يهمهم توجيه ذلك الغضب إلى مسار حركيٍّ، يهمهم كسر الارتباط الذي قد يحل تلك الأزمة فهي أزمة مفيدة لجبناء الدعاية، وإمَّعات الأفكار المعلَّبة، وصناع الضحايا. ماذا لديك لتقوله الآن أيها الجبانُ؟ هل ستزعم أنك [لم تكن تعلمُ أنها تعاني؟] أن ألمَها شديد؟ أنها ذهبت لبارئها نتيجة أزمة يموت بسببها آلاف مؤلفة من الناس لم يجدوا علاجهم ولا من ينقذهم؟ ماذا لديك لتقوله بعدما كسرت ارتباطها الأقدس والأقدر على إنقاذها؟ ماذا تقول الآن؟ ستخترع وهم الضحية المعنَّفة، وستهاجم عائلة لا تعلم عنها شيئا، لأنك جبان، لأنك تظن أن الأفكار ليست عنيفة في هذه الحياة، لأنك تعتقد أن الحقيقة ليست متعددة الوجوه، وأن الطريق لها بعدد خلايا دماغ كل إنسان في هذا الكوكب، نعم ستصل لتفسيرك الجبان وتركن إليه كما يبرك الجَمل على كومة قش، ستخترع كل ما يجنبك الشعور بالذنب، أن ما تظنه نظرية حياة قد أصبح سبب موت، لا تختلف عن الإرهابي الذي يرى ضحيته في الجنة، وعن السياسي الذي يرى جنود الحزب الوطني يموتونَ في حرب عبثية، ولا تختلف عن الشيوعي الذي مات من ثواره الآلاف ليموت تحت أحذية من عاش منهم الملايين، أنت لا تختلف سوى أنك شبح جبان باسم مستعار، داعية تجنيد خفيٍّ تظن أن حياة الناس لعبة، وأن أزماتهم الداخلية سلاحٌ يمكن توجيهه، وأن الغضب والاكتئاب والهشاشة مشاعر طبيعية والحل لديك، الحل هو تلك القضية التي بسببها تعيش، ولأجلها يموت كل إنسان آخر غيرك أنت، القابع وراء سجون ذاتيتك، وتخشبك العاطفي، وتجاهلك لآلامٍ صرت تنسبها لنفسك، وتتخذ منها ذريعةً وترفع بها قميص عثمان في واجه هذا العالم الظالم. أنت هو الظالم، والجبان، والوضيع في كل هذه المعادلة لكنك ستجدُ حلا لكي لا تلوم نفسك، ستبتكرُ تجارةً رائجة من بضاعة الوهم وستصنع من تبريراتك ومشاعر المؤامرة سببا لتسرق الخسارة من خاسريها، والفقيدة من فاقديها، ولتجعل من ضحيتك ضحيتهم، ومن جريمتك جريمتهم، ومن فشلك فشلهم. اسأل نفسك لمرة واحدةٍ لماذا؟ لماذا حدث ما حدث؟ لماذا لم تنقذها من أزمتها؟ لماذا لعبت لعبة كسر الروابط الخطرة؟ لماذا عندما سعيتَ بدعايتك في الأرض اخترت هذه الضحية الهشَّة؟ لأنك جبان، وجاهل، وكل ما حدث ليس أكثر من طريق مبدئي لتتحول بعده إلى كل ما كنت تحاربُه، ستصبح أنت عدوك، وستنسى يوما ما أنك جئت في معركة عادلة، ما أقبح أن تبقى على قيد الحياة في معركة مات فيها الآخرون لأجلك، وبسببك، وسواء انتصرت أم هُزمتَ أنت في طريقك لتصبح العدو، وستفعل فعله، وستكذب مثله على نفسك وعلى غيرك، لأنك عندما آمنت بفكرة لم تحشد لها الكلمات، لقد لجأت إلى عمل العصابات، وظننت أن مجتمعك هذا يقود للحياة ولكن وياللمفارقة! لقد قاد بريئا واحدا للموت، فتنصل من جريمتك أيها الجبان، تنصل، ستتشنج في دعايتك حد سرقة الفقد من فاقديه.

 

فلا نامت أعين الجبناء!