يحترقُ العالمُ، أما أنا ففي خيمتي، لا أبالي فقد احترق
كل شيء. أتساءَل من أين لي قوة الاحتمال هذه؟ كيف لسكير، عربيدٍ، حشاش أنفق سنوات
من عمره زائغ العينين، متناقضا، يدور في دوامات عسير الخروج منها أن يصبح عاديا
بإفراط! ثمة جزالة قدرية في كل ما حدثَ لي، وخزة من شعاعٍ مجهول، ذرة من تراب
النجوم احترقت على أطراف أصابعي، وبينما العالم يحترق، ها أنا أكتب!
ما أسوأ ما يمكن أن يحدث لك في دولةٍ عربية؟ أن تكون
أضحوكة بين الناس؟ حدث لي ذلك، أن تصطدم مع النظام؟ حدث لي ذلك؟ أن تعيش صراعا
عبثيا مع المجتمع؟ حدث ذلك! أن تتمرد، لقد تمردت، أن تعيش أبشع الخسارات التي تسحق
مستقبل شابٍ في مقتبل العُمر، حدث ذلك، كل ذلك حدث، وهو جزء من تاريخ مرحلةٍ من
حياتي لم أعد أعبأ بإيجاد تفسير لها، كل ما يهمني أنني هُنا، حيث ولدت، وترعرعت وداعبت
أناملي الحروف ناعمةً وخشنة. لم عساي أن أبالي بهذا العالم البائد؟ ألا يكفي البؤس
الذي عشتُه؟ أي خسارات كانت؟ إنني بحق أتساءل، من أين لي هذه القدرة على الاحتمال؟
لست مُرهقا، إنني فقط لا أعبأ، لقد أعطيت لهذا العالم رأسا صماء، ولا أظن أنني سأهتم
لأي شيء يتجاوز هذا المربع الأبيض، هذه الحرية الفردية الخالصة التي أسبر فيها إغواري
بما تيسر من الجمل والسطور.
أي أيام قاسية نعيشها، الموت يرفرف بجناحيه حولَ تجمعنا
البشري الغافل، كوابيسٌ من المخاط واللعاب تطلقُ خباياها في عروق البائسين، فيروس
يلعبُ بكوكب الأرض وبمصير الإنسان، هذا التعيس البائس الذي يبالغ في صنع الأسلحة وبيع
الأدوية. قاس هو قدر الإنسان، وتعيس، وعبثي ومع ذلك لنا الصفاقة الشفيفة في حب
الحياة، ولا يزعجنا أن نعترف أن وهمنا الأزلي مستمر، ونحب الحياة ونتمنى ألا نموت
قريبا! فليحترق هذا العالم، ولأحترق معه، لا شيء يثير دهشتي سوى هذه الحروف
الشاحبة، وهذه الروح الكسيرة التي أنا أعلم بجروحها أصبحت صديقة لطيفة تؤنس وحشتي
في هذا الغموض الشاسع، يحترق العالم ولا أحترق معه، لا أعبأ، ولا أهتم، ولا أريد
أي شيء سوى هذه اللحظة التي تحل نهايتها مع هذه النقطة.