تعبت من الشعور بكل شيء، وأرهقني الانتباه الزائد لهذا
العالم، هذه التفاصيل لا نهاية لها، الجنس البشري لن يتوقف عن جنونه، وسنتجه
للنهاية لا محالة، هل أمامنا مائة سنة؟ أم أقل لنخسر ثلاثة أرباع سكان الأرض؟ ربما
أقل! ربما أكثر، لا شيء يمكنه أن يقنعك أن عصر الفناء والانقراض النسبي ليس قادما،
ألم يعلمنا كورونا حقيقة وضعنا المهتز في هذا الكوكب الغامض؟
أشعر باللغة، أستنجد بها لعلَّها تقول ما أعجز عن فهمه،
هذا الضياع البشري مستمر، وهو عام على أكبر محيط يمكن للوعي البشري أن يصل له! هل
تُدرك أن هذا الذي يحدث، يحدث! كُتل من المخاط لإنسان غافل تتجول في مقابض
الأبواب، وفي سطوح الحمَّامات، وفي مساند الطائرات، الكثير من المخاط والقليل من
اللعاب يمهد مصائره المجهولة للغافلين، اللاهثين وراء سرعة هذا العصر، ذوي العيونِ
الزائغة من ملاحقة مدنية العالم المتخمة بالاستعجال، وشراء الغد، والمدن، ونكهات
القهوة، وأنواع الشامبو، وسلطة نجوم السينما والكرة على بسطاء هذا الكوكب، الذين
يحبون الحياة وينتمون لأي شيء خارج هذه العزاءات الذهنية التي تقدمها الفلسفة في
طبق بارد.
أشعر باللغة، ولا أشعر بأي جمرة أخرى تلف حول كوكبي
الصغير، لا شمس إلا شمس المعنى، والباقي لعبة من الأفلاك، ونيازك الأفكار، والكثير
من الحطام الكوني الذي جئت بغباره من السماء. العزاء في أسمى تجلياته الصريحة، أن
تترك الحياة لتكتب، هذه الحروف الجامدة تضج بالحياة أكثر مما يحدث في هذا الكوكب
الموبوء بالمخاط واللعاب والفيروسات التي تهاجر عبر القارات، وبم عساي أن أشعر إلا
باللغة؟ هل سأحمل مجهرا معي وأسبر أغوار السوائل البشرية التي تنشر عدواها؟ هل سأدقق
في دماء الآخرين قبل أن أطمئن لهم وأصافحهم! لا مساس! هذا نداء السامري المرير
يحدث لكوكب كامل! ونحن ندفع الثمن، كلنا! تخيل! كلنا، لا أحد بخير في هذا الكوكب،
الغافل، والحزين، والآمل، والمبالغ في الحماسة كلهم يعيشون صفعة العزلة، ودوخة
الجهل بالغد، وتوقع الأسوأ والأجمل، وأمنيات نهاية هذه المرحلة البشرية التعيسة!
يفترسُ كورونا أيامنا، ينذر بالويل والثبور، يهددنا،
يعطل المستشفيات، يختطف الممرضين والأطباء، يتربص بدور العجزة، والسجون، والثكنات
العسكرية، والمسارح، وحفلات الأعراس، وسهرات نهاية الأسبوع، أين أنت أيها الإنسان؟
أنت في كوكب كورونا، انس أن هذا الأزرق المليء بالمياه كان كوكبك يوما ما. أنت في
كوكب كورونا وعليك أن تقبل ذلك أيها الإنسانُ العنيد الغارق في أوهامك وذاتك
الفردية وتطلعاتك الحربية، وجيوشك وقنابلك النووية وطائرات الشبح ومناظير الرؤية
الليلية، هذا الكوكب ليس كوكبك أيها المغرور!