بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 يونيو 2021

مأساة الفرد الغاضب!

 

 

 

أن تكون عُمان مجتمع أسري محافظ هذا لا يعني أن الجميع عليه أن يكون محافظا، وأن يكونَ عائلي التوجه، هذه الحياة أقسى بكثير من أن تمنح الجميع عائلات صالحة، البعض يتمرد مضطرا، ويجدُ حياته تنساق في مواجهات لم يخترها، سيضطر للقتال، وللمواجهة، فليس لديه سوى ذلك ليعيش دون أن يُفترس.

قد تكون عشتَ في كنف عائلة صالحة، أبوك ليس سكيرا يعود للمنزل ليصفّع أمَّك أمام عينيك، لم تعيش يتيما في منزل زوجة الأب التي عقّدتك، لم تهرب أو تُطرد من المنزل. هؤلاء الذين مرَّوا بهذه الظروف لا يمكن لهم العودة ليعيشوا حياتك أنت، بكل اقترابها من المثالية والنمطية.

المجتمع الكبير وطريقة حياته ثقافة تحمل قوة الشيوع والتكرار. المتمرد في عُمان يواجه طبقات دفاع كثيرة، إن أراد أن يغيّر فأمامه عمره من النضال ولعله يكون محقا، ولعله ينتصر ويرفع الظلم عن نفسه وعن غيره.

المجتمع الكبير في عمان ليس عادلا بالضرورة ليضمن حق الجميع في الحياة كما يحب.

القانون المفزع في عُمان هو قانون الصمت. أن تختلف عن النمطي قد تعيش وتكمل حياتك كما تحب وتشاء، قانون الصمت هو الشرط، هكذا يعيش الملحد في عمان، وهكذا يعيش كثيرون، والغربة هي نصيب الذي يقف في صف المجتمع المحافظ، والذي سيستنفر وسائله للدفاع عن ما يألفه من ثقافة للعيش، وأسلوب للحياة.

وثمة مجال معقول للمواجهة في عُمان، تستطيع أن تدافعَ عن حقك الشخصي ونمط حياتك ما دام الغريب يتدخل فيها بلا مبرر. الغرباء هم الجحيم الحقيقي في عُمان، هم طاعون التفكير، كنت محافظا، أو لبيراليا، أو مؤمنا، أو ملحدا، أو معارضا، أو مواليا، سلطة الغرباء في عُمان كبيرة جدا،وقاسية، وظالمة.

وثمة مساحة للحياة في عُمان، إلا عندما تُرفع عنك الحصانة ويهاجمك الغرباء، سلطة الغرباء في عُمان مهولة والخوف من [كلام الناس] مبرر جدا، البعض يتعايش معها بالعزلة، والبعض يعيش بوجهين، والبعض يفعل الأمرين معا، أقسى كارثة تحدث للفرد في عُمان أن تشتعل تجاهه نقمة الغرباء، فيصبح عبرة!

ولا رحمةَ بعد هذه الحرب، الفرد المتمرد الذي يشاكسُ الشروط الضمنية للحياة في المجتمع العُماني سينال درسا قاسيا من الصعب أن ينجو منه وهو بكامل سلامته العقلية، إنها حرب تدمير، وتشنيع، وتحطيم، وتقطيع، وبتر كامل، استقواء عنجهي وتنمر جماعي، وصناعة إنسان قتيل اجتماعيا ميّت الأمل والفرص.

قانون الصمت، وقانون الستر، هذه مقدساتٌ اجتماعيةٌ محاطة بالغموض في المبررات، إنها تحدث لأنها تحدث، الخوف من كلام الناس ومن سلطة لسان الغرباء شرط من شروط الحياة في عمان، وكل دولة قليلة السكان لديها هذا الذعر، فخياراتك في الحياة مهددة ما دمت تشاكل سلطة المجتمع، وأدواته، وغربائه.

ولذلك يحتفي الناس بمتنمر، مع أنه يتدخل في حق الآخرين، وفي خصوصيتهم، يحتفي به البعض لأن الوقوف في وجهه يعني إبطال سلطة الغرباء، ولذلك يفتك البعض جماعيا بفرد، لأنه تجرأ أن يقولَ ما لا يناسبُ التوجه الاجتماعي العام، قانون [اخرس] واحتفظ برأيك لنفسك، حتميات الفزع الاجتماعي العماني.

تستمر حياة الفرد ما دام ملتزما بهذا القانون السري الذي يربطه بالمجتمع في عمان، مهما كانت خطيئته الاجتماعية فذلك شأنه الخاص حتى يصاب بالجنون ويجابه هذا الطوفان الاجتماعي بكل أدواته وخطاباته وثقافته، خلايا مناعية تلقائية التفعيل عندما يتعلق الأمر بشكل المجتمع النمطي، وثوابته.

صدامٌ أزليُّ، يستثمره البعضُ لتحقيق مصالح اجتماعية، والبعض للظهور، والبعض لأنه يتعلم وذلك يروي فضوله، من هو عاطفي بلا أفكار، والعقلاني بلا عواطف. فوضى حقيقية من بذور النشأة، وصراع الثقافات والحضارات، هذه الحياة قاسية وغير عادلة، سنعرف ذلك عاجلا أم آجلا.

أصعب مسار ممكن في عمان هو أن تكون غاضبا، الغضب أداة في المجتمعات قليلة السكان، أداة موجهة، ونادرا ما يحدث لظروف طبيعية، أصعب حياة ممكنة في عمان هي أن تكون غاضبا، ومتمردا، وساذجا في بداية عُمرك، وغافلا عن شياطين العالم البشري، شياطين الفضيلة الذين ينصرونها بالفتك بالضعفاء.

وهكذا تحدث القصص الحزينة. عندما يجد الغرباء ضحيتهم القادمة، أين ستهرب وقتها؟ إما للجنون، أو للهرب من الهرب، إلى أمنية أن تعيش شبه حياة في هذه العالم. هذه القسوة الباذخة في إيجاد المبررات هي أعمارنا التي تمضي، وكل أخطائنا التي نجونا منها لنحكي شبه حكاية، عن شبه حياة!