بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 10 مارس 2022

توضيح

 لا أعلم إن كانَ ما كنت أفعله من قبل يسمى [عملا سياسيا]، لا أظنه كان كذلك، ولكن بغض النظر عن تصنيفه، في اليوم الذي قررتُ فيه اعتزالَ عالم المواجهات مع السلطة قررت أن أتبنى مقاربة اجتماعية في كل ما أفعله، لذلك لا أفكر ولا أكتب في الشأن العُماني إلا من منظور اجتماعي. وفردي.

فأما المنظور الاجتماعي فأساسه الانتماء، لهذا المجتمع. وأفكر بمنهج بسيط، هذا مجتمعي، وهؤلاء قومي، أريد لهم الخير والحرية والسلامة والرخاء. يحزُّ في خاطري عندما أقرأ خبرا عن معتقل، أو شخص في أزمة وأجبن عن كتابة شيء. وأذكر نفسي دائما أنني أختار السلامة، فلا مع، ولا ضد ما أمكن.
عندما كنتُ لاجئا، اكتشفت أيضا أن الحياة هُناك ليست بتلك السهولة، حتى هُناك قانون، بل وإمكانية للوصول لي، ورفع القضايا، بل وإمكانية الترحيل، ولا سيما لو عرضت حياة شخص آخر للخطر، أو مثلا كشفت شيئا عنه، مثلا أنه ملحد، أو غير ذلك من الأشياء التي قد تسبب خطرا على عُماني داخل عُمان.
وغير البرد، والغربة، والشعور بالشوق، كان يجب أن أحسم علاقتي بالحكومة حسما تاما، ماذا أريد؟ لذلك قررتُ الانسحابَ عن موضوع تأليب الناس على الحكومة، أو تأليب الحكومة على الناس، أو تبرير لاعتقال، أو مهاجمة شخص، أو غير ذلك من وسائل [النشاط]. امتناني للسلطان الذي عفا عني، ودعائي له.
وأكتبُ قدر استطاعتي، متجنبا كل التجنب صناعة مواجهة مع المؤسسات السيادية، أو العسكرية، أو القضاء، أو المؤسسات الخاصَّة كالديوان. أحيانا أشعر بالذنب والخطيئة وأشعر أنني طبّلت، وأحيانا أشعر أنني قلت كلمة حق، لا أسلم كغيري من هذه الاختلاطات، ولكن عسى أنني لم أبرر لخطأ، أو لظلم. عسى!
وعندما يهيجُ بي شعور الضيق فمباشرة أحول أحقادي إلى واحد من الأمرين، إما القطاع القاص، وهُناك أفرغ غضبي وأقول ما أعلم أنني أخاف قوله، سلوك تعويضي، أو وزارة الإعلام والرقيب الإعلامي. في حال إنك ما فاهم سبب كتابتي الدائمة عنهما فهو لهذا السبب، عشان ما أتبهدل في سجون وقضايا.
وأعلمُ علمَ اليقين أنني منشغل ومشتغل في قضايا بعيدة كل البعد عن إغضاب السلطة، وفي الوقت نفسه أبذل كل جهدي لكي لا أحيدَ وأبرر أخطاءها [إن حدثت]. أكتفي بالصمت وأقول: "أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه" لذلك لو كنت قارئ قديم لي، هذا التوضيح لك عشان ما تتساءل عن سبب ارتكاس خطابي الصدامي.
وأعلمُ أن البعضَ يتحامل ضدي ويتهمني بشتى الاتهامات، منذ عودتي لعُمان وما زال وضعي كما هو، مفصول من العمل من شؤون البلاط السلطاني، وأعيش من الإعلانات. وكما وُعدت في بريطانيا، لم أتعرض للتحقيق، ولا تم استدعائي من أجهزة الأمن، ولا تصرف مباشر تم تجاهي من قبل السلطة. حتى الآن.
ومنذ عودتي لعُمان وأنا أسعى لإيجاد لقمة العيش، من الإعلانات، والدعاية، وبقيت مكاني ألف وأدور في حلقة مفرغة. لا أريدُ الاشتباك مع الحكومة، ولا معها، وكان لي ذلك، وبقيت في نشاطي كمدون، وتبنيت مقاربة اجتماعية، وأعيش حالي حال الجميع باذلا جهدي كي لا أدخل السجن، أو أرمي بنفسي للهلاك.
ومع أن الحكومة ــ حسب فهمي ــ ليست لديها تحفظات تجاهي، إلا أن التحفظات الاجتماعية بقيت، وحاصرتني حصارا مريرا، فضلا عن تاريخي السيء اجتماعيا، غير الخصومات والعداوات الشخصية، قرابة عامين وأنا أختنقُ تحت هذه التحفظات، ولم ينهِها سوى اللفتة الكريمة من قبل صاحب السمو السيد ذي يزن.
وأقسم بالذي لا إله إلا هو، وبرأس والدتي الغالية أنني ما حملت رسالة شخصية له، ولا سردت مطلبا واحدا لنفسي، التزمت كليا بما أؤمن به اجتماعيا وقلتُه كلَّه هناك ومتأكد أنني تحدثت عن الدراجات أكثر مما يجب، والشاهد رب العباد، التزمت بسبب المقابلة، وتحدثت في مجال الرياضة والثقافة فقط.
ولا أعلم هل سأعود لوظيفة حكومية، أو لن أفعل، من جهتي أتمنى أن أعود لوظيفة حكومية أسوة بكل النشطاء الذين عادوا لوظائفهم، أعلم أنه من الصعب جدا أن أعود لعملي السابق في شؤون البلاط السلطاني، ولذلك عسى أن يكتب الله لي وظيفة كما حدث للآخرين، هي أمنية وعسى أن تحدث.
غير ذلك، لا أريدُ أن أدخل في معمعة صراعات الرأي العام، سواء مع السلطة، أو ضدها. قررت أن أعمل في مساحةٍ اجتماعية، وأن أنشغل بالمبادرات، وقضيتي التعويضية هي قضية الدراجات، وعندما أغضب وأصاب بالضيق أهاجم مخترع الآيفون، أو الرأسمالية، أو أنادي بطرد السيارات من الشارع، سلوك تعويضي.
وكأي عُماني، لي همومي، ولي أمنياتي، ولي أحلامي. ولست بصدد التحسر على خساراتي، أفكر بعائلتي ثم أفكر بكل شيء آخر. وأدخر كل قدرتي وعدائيتي للدفاع عن نفسي فقط، لا أريد أن أعود إلى حالة المسخ الذي يهاجم الجميع، ولا إلى حالة [المشاع] الذي يهاجمه من هب ودب، أرفض ذلك رفضا قاطعا.
وكما قلت من قبل [للبيت رب يحميه]، أنا مواطن عُماني. وما دامت عُمان بخير، ولم يقترب من حدودها وترابها غاصب أو غازٍ فأعيش حالي حال غيري، وإن مس عُمان الضر من غريب، فوقتها سأؤدي واجبي في الميدان، فإما الموت أو النصر، أما غير ذلك، فكل حروب الرأي العام أعتزلها بإرادتي.
وعندما تم اعتقال مغرد عُماني، كنت أتابع الآخرين، وأقول في نفسي: ليتني أملك الشجاعة على الكتابة عنه، على الأقل كتابة دعاء له أن يفرج الله عنه، أرى الآخرين يكتبون فأحجم، ونعم يؤذيني ذلك، حتى تزورني أمِّي، أو ألتقي بعائلتي فأتذكر: هم أهم من يجب أن أفكر به قبل أي شيء.
وهذا ما نويت فعله، وما أريد فعله، أكتبُ وفق المقدور عليه من قبلي، لا ضرر، ولا ضرار. وفي الحياة سعة، المبادرات، أو العمل التطوعي، أو تحليل الواقع الاقتصادي، كل هذا مع نقص كبير في الموضوعية يتمثل في عدم إدانة السلطة في أي شيء، وعدم التبرير لها. لذلك صمتي عن القضايا العامة أفضل.
وشاغل نفسي في القضايا الاجتماعية، وأصنع فتنة صغيرونة بين الحكومة والقطاع القاص، ومؤمن بحق العُماني في العمل، ومؤمن بحقه في الحرية، هل أكتب عن ذلك؟ لا. هذا اختياري، وأقصى أمنياتي إن لم أقل كلمة حق ألا أقول كلمة باطل. ولست مطالبا بتبرير اختيار لأي مخلوق، ما دمت لا أتدخل في خياراته.
وأمَّا أي شخص الذي بالنسبة له معاوية أداة مفضلة تعمل بالضغط، فهذا زمان فاتَ ومات. مستعد للدفاع عن حقوقي لأبعد مدى ممكن، وأن أصد العدوان بأقبح منه، أمَّا أن أعود إلى دهاليز العالم الذي أنقذني منه العفو السامي، فمستحيل، ومستحيل، ومستحيل. لا مع السلطة، ولا ضدها. ولا ضرر ولا ضرار.
وسيبقى امتناني الإنساني قبل أي اعتبار عُماني للسلطان هيثم بن طارق، فعفوه هو ما أتاح لي العودة لحياة طبيعية وعادية، وسيبقى امتناني لسمو السيد ذي يزن فلقاؤه هو ما أزاح عني تحيزات كثيرة عانيت عامين بسببها، تحيزات اجتماعية كثير منها كان بلا داعٍ. فجزاهما الله كل الخير.
لذلك عزيزي القارئ، أتمنى أنني أوضحت لك تمام التوضيح ما أريد فعله وما أنوي فعله. أؤمن بالفردية، وبحق الاختيار، ولا أفرض اختياراتي على شخص آخر، ولا يحق لأي إنسان أن يفرض علي اختياراته بشأن ما أفعله بحياتي. الرأي شيء، وتعرضك لي بما يخالف القانون شيء مختلف. وهُناك قانون في كل مكان.
ودخلت معمعتي، ومأساتي بكل خساراتها وحدي، ولا أطالب غيري بالدفاع عني أو بشن الحروب نيابة عني. ما أكتبه الآن أدين به لقارئ أكرمني بوقته سنوات وسنوات، أرجو أن مقصدي، وهدفي، وما أقدم عليه وما أحجم عنه قد أصبح واضحا، ولا يحتاج لسؤال، أو رجم بالظنون والأخيلة.
فإن كنت تريد لي الخير، فجزاك الله أضعاف ما تتمناه لي، وإن كنت تريد بي الشر، فالله خيرٌ حافظا. وكلت أمر لله، وأعلم أنَّه على كل شيء قدير. أسير في هذه الحياة رغم ظروفي الصحية العقلية الصعبة متوكلا على الله، ولا أعلم هل أستمر في الاتزان، أم أجد نفسي فجأة في حالة كاميكازية مجنونة!
وفقط ليعلم البعض، أنا في عُمان مشخص رسميا بحالة [اضطراب الشخصية الحدية] وهي حالة لا ترفع المسؤولية الجنائية، لذلك فكرة أن تساعدني حالتي الطبية مثلا للنجاة من العقاب هذه في حكم المستحيل، ولست بصدد مناقشة سبب التشخيص ومن أصر عليه ولماذا. هذا هو الموقف الرسمي تجاهي.
ولا أريد أن أضع نفسي في أي موقف يدفعني لاتخاذ هذا الخيار الذليل، استخدام ملفي المرضي للنجاة، أفضل أن أعامل نفسي كإنسان مسؤول عن أفعاله وأقواله وأن أكمل الحياة بناء على ذلك، أعلم أن حالتي متقلبة ومضطربة، ولكنني تعايشت معها بشكل كبير جدا، وكون شبكة حماية نفسية وعائلية تجاهها.
وهذا ما وقر في الفؤاد، وحبّرته الأنامل. من كففت شري عنه فليكفف شره عني، ومن يبادرني بالأذى سأرد عليه بالأذى، ومن يتمنى لي الخير سأتمنى له الخير. دائرة الضرر والإيذاء وجب أن تقف، سواء أن أؤذي غيري، أو أن يقوم غيري بإيذائي. على هذا المنهج أعيش، وهذا الدرب أختار والله ولي التوفيق.