[إمكانية] التعبير عن الرأي في حدود القانون مكفولة للجميع وفي حدود القانون. وكذلك "حرية" التعبير عن الرأي في المجتمع الإلكتروني [متاحة] للجميع، إلا لو كنت مطوَّع، وقتها ستُعامل كما لو كنت جاي في بيت ما بيتك، وتلقائيا يتم تهميشك وطردك حتى لو كان طرحك رأيك الفردي الخاص بك!
ولو كنت مطوَّع، وحتى لو كنت تتحدث في مربّعك الشخصي، وبكل [فردانية] الكون، تلقائيا أنت العدو، الذي يريد ضرب الناس بخيزران في الشارع، ولازم تُعامل وفق منهج جمعي، وربما تُحارب لأنك لا سمح الله أيضا لك رأي! وتريد تقوله، وحتى لو ما طلبت قمع مخالفك، وحتى لو كنت تقوله بالأصالة عن نفسك!
ولأنك مطوع لازم تفهم إنك ضيف في الإنترنت، لأنه حال التيار المخالف، التنويري، ويفهم الجميع إنه الطرح الديني ما بريء دائما، لكنك ستؤخذ بجريرة كل واحد مطوّع ثاني جاب العيد، ولكم أعياد كبيرة إخواننا المطاوعة، لكن الفرديين منكم يدفعون ثمن شيء لم يفعلوه: للأسف!
وما شيء فرق بين المدرسة اليسارية الجمعية،أو المدرسة اليمينية الجمعية،هذا يحذر من الشياطين المتربصة، وهذاك يحذر من سطوة التيار الديني القادم بقوة، والتيار الديني ما بريء، ولست بصدد الدفاع عنه أو إدانته، لكن الفرد المتدين حاله حال غيره، أيضا له حق، وبالذات الوسطي، والمجادل بالحسنى!
والمطوع لما يتشنج بجمعيته، وسربيَّته يصنع لك أشباح من العدم ويهاجمها، وما لازم تكون مطوَّع عشان تمارس صناعة العدو الشبح، أيضا اليسار التنويري يمارس ذلك، بجمعيَّة تثير الغيظ. وهذا تراكم متوقع بعد ما اختل توازن الحوار بين المختلفين ذهنيا وأصبح صراع لمن يصل لإقناع السلطة أولا!
ولما جاء ذلك اليوم الذي حوصرت فيه الثقافة، ونالت ما نالته من الشيطنة، انقلبت الآيات الآن،ليندفع البعض بحماسة كاميكازية لنُصرة الدين وكأننا على وشك عبادة الأصنام والدخول في الجاهلية الجديدة.
وبعض جماعة اليسار جاهزين، لأنه كما يبدو المطاوعة هم القرابين الجديدة، وجاهزين مجهزين لذلك!
المهم خارج محاولاتي الواضحة لمسك العصا من المنتصف،وغير ذلك من تفاهات الاضطرار في الكتابة العامة، ما أقول كرأي شخصي هو أنني أستغرب هذا التجيير المتعمد للطرح الوسطي المعتدل ومعاملة الشخص بالنظر إلى لحيته وعمامته، حتى لو كان كلامه تنويري، وغارق في الفردية، ومنطلق من فرديته المستحقة.
وكما كان يوم كل واحد ينتمي للتيار الثقافي غصبا عنه ينفي عن نفسه تهمة الإلحاد، واللادينية، ولاحقا العقلانية، الآن انقلبت الآيات، وأيضا التربص مستمر، وهو جدال أزلي من هذا الذي سيستطيع له حلَّا.
بس لو كنت مطوع أحسن لك تسكت، لأنه لحيتك تمنعك أن يكون لك رأي، ولا سيما رأي عام.
وكذلك أنت موحِّد، وتشهد الشهادتين، وهذا يجعلك تلقائيا [ميتافيزيقي] بالتالي من عساه أن يقتنع بك، تراك تؤمن بخالق لهذا الكون، فمن يقبل بك في عالم تمجيد الشك، والرجم الغاشم بالظن، وتأليه الذات الفردية، وشيطنة كل جماعة مهما كانت صفتها.
حتى لو قلت لكم دينكم ولي دين، بعدك تطلع متطرف!
ولكن أنصحك نصيحة، سوي حساب باسم [الشيخ عارف عبد الحميد] أخوكم من موريتانيا، وشوف كيف سيتم الاحتفاء بك كنموذج للإسلام الوسطي الحميد المعتدل، حتى التيار اللي تو يتمنى سجنك، والتنكيل بك سيشيد بك لأنك النموذج الأمثل لمن يشهد الشهادتين ويؤمن برسالة سيدنا محمد. جرب وخذ نصيحتي.
وعادي أؤمن بسارتر، ونيتشة، وباقي الشلة العظيمة، أما أنت وقرآنك ودينك ورسالتك السماوية فمشروط عليك إنك تتركها عند الباب وتناقشني بمنطقي المادي عشان أقبل بك، ولا تراك في بيت ما بيتك، وجاي ضيف، لازم تُستفز ويتم إخراجك عن طورك عشان تثبت إنك رجعي، وعدو للحريات الفردية، وقمعي أيضا.
وتجي انته وتقع في الفخ،وبالذات لو كنت عشريني كاميكازي متحمس، أو واحد مضغوط من كل شيء وطاش عنك معيار ما للفرد، وما للجماعة، وجهزت نفسك جاهز مجهَّز عشان تكون قربان، عشان اليسار الثقافي شوية يخف عنه الضغط ويجي عليك الدور، وبدأت دائرة مغايرة، ودخلنا في الموال السابق. تغير القميص فقط!
وتلقاك مطوع شاب قارئ نهم وتلقى ما تلقاه من جماعتك [الجماعيين] وتشنجهم ضدك، وغضبهم على تصالحك ونصحك بالتي هي أحسن بل وربما نظام [فقولا له قولا لينا]، وتجي تكمل لما تدخل في الإنترنت، اللي هي مجعولة لليسار الثقافي، وما تقبل إنك ضيف ما مرغوب من زعماء الحارة الإلكترونية.
والمدرسة الفردية جالسة على الجنب وتصيح وتبكي، هذا من اليمين يصنع لك أشباح اليسار العالمي اللي جالس يغزو الجيل اللي ما قدرت تقنعه ولا تخاطبه ولا تحاوره، واليسار المحلي جالس يشيطن اليمين القديم، اللي من يوم يومه خطابه ثابت، ويكاد يكون موحَّد كما هو موَحِّد ..
دائرة مستمرة،ما أعرف متى فئة منتدبة من الطرفين سوف تكسرها وتصنع نموذج للحوار. في أحلام اليقظة أتخيل يجي يوم يُناقش فيه المتدين ملحدا،وهذا لا ينادي بقطع عنقه، وذلك لا يتجرأ على الذات الإلهية أو يشتم النبي محمد. أحلامي تافهة وعويصة لكن لا أظن أنها مستحيلة، ربما بعد مائة عام ستتحقق!
والسلطة في عُمان ليست فعل ابتداء، إنها سلطة ردة فعل، الكرة الآن في ملعب اجتماعي بحت، ولأنه سقف إمكانية التعبير في عمان يتغير بتغير المراحل الآن هذه الفسحة التي أتمنى ألا تنقلب لما هو عكسها أفرزت لنا بدايات الجدال السابق، المربع الأول، وبداية الطريق، عاد هين أتروح: يعلم الله!
ولست بصدد تبرير ما تفعله السلطة، ولا تأييد ما تقوم به من اعتقالات، ورأيي [الفردي] في ذلك واضح، إن كان ولا بد من تحقيق، فليكن استدعاء، وتحقيقا، ويرجع بيتهم في اليوم نفسه ويرجع غدا للتحقيق، ما دام شخصا كتب رأيه باسمه الحقيقي، وتحمل مسؤولية كلامه فهو يستحق التخفيف عنه.
ودون الإخلال بالقانون، الذي كنا نتفق معه أو لا نتفق هو ينطبق على الجَميع، يمكن تحويل هذه السانحة من [إمكانية] التعبير، إلى حراك اجتماعي يحمي حقوق الجميع، ويكفل لهم المتاح من الجدال بعيدا عن معارك الاستقطاب، ولكن على من تقرأ زبورك يا داوود!
المطوع متطرف، واليساري ملحد!
وخلصنا!
ولا أعلم نوايا السلطة، ولا أريد توقع ردات فعلها، ولا أريد حتى الكتابة عنها حفظا لسلامتي، ولكنني لا أتمنى أن أرى موسم اعتقالات جديد، وكاميكازية جديدة، وكل هذه المساحة الناشئة تتحول إلى مساحة رعب وخوف وكل واحد ينادي باعتقال الآخر وسجنه. حدث ذلك من قبل، وقد يحدث مجددا.
وما أعلم عنك عزيزي القارئ إن كنت شاطح في المثاليات النظرية، سقف التعبير تحدده السلطة، ولديها معايير غامضة في ذلك، تتفق، أو ما تتفق اضطرارات الحياة في عمان تجعلك تكتب في الإنترنت وفق السقف القانوني، وتتكلم في المؤسسات وفق السقف الرقابي، ونظريات الرقيب الإعلامي العجائبية!
أما سقف الكتاب والتعبير في الإنترنت فهو مختلف تماما، وهو الباقي من الممكن في عُمان. وكلكم يعلم أنني أتجنب الحديث عن السلطة وما تفعله حفظا لسلامتي، لذلك لأن أؤيد ما تفعله، ولن أعارض، سأقول كلكم تعلمون ظروف الحياة في عمان، وتعلمون أين تودي بك الكلمة للسجون والتحقيقيات. ولكن!
ولكن ثم لكن! الآن إن كانت الكرة في ملعب اجتماعي، ماذا سيفعل بها الطرفان؟أحسن نسوي أكشن، ونصنع لنا أشباح محليَّة، أما سوالف حوار المتخالفين، وغير ذلك، ما في داعي لها، خلونا في خطاب النابتة، والتكفير، والخوض في النوايا، واستخراج المخالفات العقدية، وربما وسم الإنسان بالكفر أو الردة.
وليش الحوار أصلا! ما لازم لا فكر رصين، ولا نقد منهجي. عادي تراه كل الأديان [نحترم] طرحها ونناقشها بالتي هي أحسن إلا المُنتج اليساري المحلي، أحسن نتربص به وننبش في نواياه وحتى لو لم يبشر بأفكاره نتهمه بذلك. كذا لاه الأكشن؟ خلونا في السالفة القديمة، ليش نتقدم للأمام!
ما أحسن كذاك؟
والمتدين، حتى لو نادى بإنه [رأيه] يقول أنه لا يريد الخمر، عادي نستخرج من كلامه بيان حرب ونتهمه إنه يريد تكوين حسبة، بل حتى لو لعن الخمرة، أو قال أنادي بعدم الاختلاط وما قال أكثر من ذلك، على طول خليك جاهز عشان تمسكه خيزران وهمية قرر يضرب بها الناس في الشارع.
ليش الحوار؟
كذا أحسن!
وعشان السلامة الشخصية أحب أقول أنني لا أدعو أحدا لمخالفة قانون عُماني نافذ،ولا أريد مخالفة قانون عُماني نافذ، وما باغي أدخل سجن،ولا أتمنى حد غيري يدخل سجن عشان تغريدة.اللي أريد أقوله إني أتمنى حد يكسر دائرة المواجهة اليسارية اليمينية ويجرب شيء اسمها حوار،وهذا شغل مؤسسات ما أفراد!
ولما أقول شغل مؤسسات ما أقصد مؤسسات رسمية، فهذه المؤسسات كلما قل تدخلها في وسط التعبير عن الرأي كان أفضل، ولا سيما لو كان الحوار في حدود القانون. أقصد مؤسسات اجتماعية، وندوات، ونقاشات، وحوارات وهذي [الحبشتكنات] اللي سُحقت طاولتها وسوي بها الرماد لسنوات ليست بالقصيرة.
أما موضوع الرقابة الإعلامية، ومزاج الرقيب وغير ذلك من المعضلات، آخر مؤسسة ممكن إنها تقود هذا الحوار ــ مع احترامي ــ هي المؤسسة الإعلامية الغارقة في تحيزاتها ورغبتها في الوقوف بعيدا عن الجميع، يعني التكلة عليها في هذا الجانب مضيعة أمل، وحتى مضيعة وهم. ما شيء غير النت هي الملاذ.
وعاد بما إني تو أنتمي لجيل يختلف عن السائد الآن، حبيت أعبر عن مكنونات فؤادي وعقلي. وطبعا بحذر واضح وبيّن، وبحياد تافه وغير ذلك من اضطرارات السلامة. باغي تشمت في المطوع عشان هو المعتقل القادم ستدور عليك الدائرة يوما ما، والعكس صحيح.
المجتمع للجميع، ما بس حرية الكلام، ولا إمكانيته.