بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 16 أبريل 2022

تأملات عن السياسة وما بها

 السياسة لعبةٌ معقدة للغاية. كثيرة الدهاليز، غامضة، ومبنيةٌ على الخداع والكذب والتلون، وكل هذا باسم أحد الأمرين، إما القيم الكبيرة المبنية على المصلحة العُليا، مصلحة النظام، أو الوطن، أو تكون مبنية على المصالح الشخصية، ومحاولة حزب للثبات في الحكم، أو الكراسي الوزارية.

يُتابع الناس أخبار السياسة من بعيد، أسعدهم الله بالوصول للخلاصاتِ المتعلقة بالسياسة بعد نهاية عمل السياسيين، بعد الحروب، وبعد السلام، وأثناء الفتن والأزمات. لا يفشل الإنسان غير المسيَّس في فهم أبعاد السياسة وعملها، ولكن هذا لا يحدث إلا بعد أن تؤدي عملها. فهي دائما مخاتلة وغامضة.
ويمارس السياسة الهواةُ، والمحترفون. ويلعبون هذه اللعبة، بعضهم مسلحٌ بالمبادئ والقيم والصدق، وهؤلاء عادةً يدفعون الثمنَ، وتطحنهم رحى المعركة المليئة بالانتهازية، وتلوث النفوس، والبقاء للأقذر، وقوة اللاأخلاقيين في حروبهم. دوَّامةٌ من الصراع لا تتوقف، ولا تأخذ استراحة محارب.
وقد ينجو البعض من اضطراره لممارسة السياسة، ويعيش حياتَه طبيعيا، يتساءل عن سرِّ ما يفعله السياسيون بالعالم، تجده لطيفا، نقيَّا، طيِّبا. والبعض الآخر لا ينجو، تتلطخُ يده بالدماء، وبالحروب، وبالظلم والطغيان، ولا خطَّ عودة له فالعدو المتربص به يشبهه وينافسه في المقصد والهدف.
ومساحةُ السياسة في عالمنا العربي ضيّقة للغاية، حسب الدولة. وهو حقل يدخله الصادقون، والانتهازيون. وباسم من؟ باسم الشعوب، أو باسم المصالح العُليا. وقليلٌ من يجازف بدخول هذه المعمعة، فتلسعهم سياطُ العمل السياسي، كانوا مع النظام، أم ضده، هذه الصدمة النفسية لا مهرب منها لأي سياسي.
ويفقد البعض قلبَه، وعاطفته، ويفقد البعض الآخر عقله ويصاب بجنون العظمة، وبعضهم يفقد شغفه وحبه لوطنه، وبعضهم يفقد الرغبة في مواصلة العمل السياسي، والبعض يفقدُ روحَه فلا يكون لديه هدف سوى الانتقام مما كان عليه. وبعض المصائر مجهولة، اختفت في طي النسيان والاغتيالات الصامتة.
وتضطرك السياسة للجلوس مع عدوك في الحرب في طاولةٍ واحدة. وتدفعك دفعا إلى التلاعب بأوراقِ المال، ومصائر الشعوب، وخبزها، بل وحتى كهربائها وإنترنتها، ولو استلزم الأمر رجمها بالكيماوي، أو دفنَ عرقية منها في مقابر جماعية. السياسة هي التي تقود السلاح لا العكس.
وهي تجربة كبيرة في الخبرة والثمن. الداخل إليها والخارج منها يدفع الثمن، فالسياسة لعبة أعذار، وأسباب، وتكئات، وفلسفة، وأدلجة، ودين، وتجارة، ومصلحة عُليا، ونفط، ويورانيوم، وذهب، ومناجم، دوّامة طاحنةٌ، يكفيك اليسير منها لكي تعاف الوفير منها.
وقليل التجربة في السياسة كثير الكلام فيها، وكثير الشغف بها. ينظّر في الطاولات، وفي تويتر [كما أفعل الآن] ويحلل بلا توقف، ويصل للخلاصات، ويتابع الإشارات، أما كثير التجربة في السياسة فقد تجاوزَ هذا الاهتمام إلى الفعل، وتكون شيمته الصمت، والعزوف عن الكلام، والاختفاء والعزلة.
ويمارسُ السياسة، صاحب الحق، والباطل، المُصلح والفاسد، النقي والملوث، القاتل، والعادل. فمن خاضَ في السياسة مارسها، ومن اعتزل عن السياسة فذلك أيضا من السياسة. كل إنسان رهنَ خياره المبدئي، والباقي رهنَ اللعبة الكبيرة، بأممها المتحدة، وبدولها ذوات الفيتو.
وأجمل السياسيين في الحياة هؤلاء الذين يكتفون بممارستها نظريا، في طاولات المقاهي، أو يكتبون عنها السلاسل في تويتر، أو ينظّرونَ همساً في أحوال أممهم. هؤلاء الذين نجوا من الفضول الذي يحرق العيون، ويدمر الضمائر، ويفسد العقول، ويلوّث النفس، ويعكر صفو النقاء، وقد ينصر الباطل باسم الحق.
وكما أن السياسة من الخارج لعبة تأشير، وترميز. من الداخل هي لعبة تفاوضات لا نهاية لها، وتمركز، وتضحيات بالناس وبالمواقف، وقد تكون بها تضحيات بالذات، وبالروح. فالواضح من السياسة كالغامض منها، ولا تخلو السياسة من لعب الأبالسة، عدوها، كحليفها، يُستفاد منه حتى وهو لا يدري.
وكما يقولون، في السياسة لا حليف دائم، ولا عدو دائم، ولا حال يدوم، ولا صديق يدوم، ولا شيء يدوم، فتلك الأيام يداولها الله بين الناس. لسببٍ ما يجيد السياسيون التلاعب بكل شيء، بمصائر الشعوب، والأمم، فهم الشر الذي لا غنى عنه، وهم القوّة، والضعف، وبهم يصلح الحال ويفسد.