بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 أبريل 2022

 مُعضلة العقل المشكك في النبوَّة تتلخص فيما يلي. كيف يمكن لإنسانٍ عربي من مكَّة أن يغير تاريخ العالم. فالمؤمن لديه استقرار ذهني أنَّ ذلك فعل الله، ونعمة الله، فهو مانح القوَّة. وهذا يجعل التفكير الإيماني بعيداً عن تأليه البشر، أو تأليه الذات. أما العقل المكذب بالنبوّة فوضعه يختلف.

أستغربُ ممن يتبنى وجهة النظر المنبطحة لكل الأمم المعادية للإسلام بحجة أنه دين دموي، ويتكلمُ بمنطقٍ غربي كأن هذا الغرب ليس دموياً. وبينما حروب الإسلام كلها جاءت قبل ألف سنةٍ ويزيد، في سبيل إنشاء دولةٍ قوية. لم تكمل الإمبراطوريات البائدة أقل من مائة عام على جرائمها الوحشية.
فالعقلُ المشكك في النبوَّة كأنه يستكثر على العربي الأمَّي أن يبني أمَّة قوية وقادرة، ولكن لا بأس أن يبني الروس، والأنجلوساكسون، والجرمان أمما بدمويةٍ أشد، وقتل من أجل القتل، ومقابر جماعية! وكأن هذا العالم يوتوبيا مثالية يرددها الفرد النرجسي بإسقاطاته عن ضعفه الخاص.
فحتى على الصعيد المادي، من المنجي للعقل الفردي أن يؤمن أنَّ النبوَّة فعل إلهي، فأي اختلاطٍ يمكن أن يسببه النبي محمد للمكذّب بالنبوة أو المشكك فيها؟ إن كانت كل حججك مبنية على تناقضات الروايات، ولهذا السبب تبني موقفك الحاد! فلماذا تعتبرها حقَّا؟ وتلزم مناقشك بها كأنه يعتنقها؟
العقلُ النافر من فكرة الإيمان بخالقٍ لهذا الكون، يتفرع منه منطقٌ يعامل النبوَّة كما لو كانت فعلا بشريا خالصا، وكأنها تكررت، وكأنَّها حدثت من بعد النبي محمد. ولم يغير فردٌ التاريخ ويعيد تشكيله كما فعل هذا النبي العربي الأمّي. مع ذلك سيقول لك المكذب: وما أدراك أنه حقيقة؟
ولا أفهم هل ذلك ظاهرة نفسية وراء الأمر، النرجسية، أو حسد النبوَّة، وكأن الفرد العاجز عن النبوَّة يقوم بإلغائها عن الأنبياء. الفرد الضعيف الذي يعطي كل الصفات الأخلاقية لضعفه وانبطاحه. نعم، الأمَّة الإسلامية والعربية ليست في أفضل حالاتها، لكن هذا لا يعني اعتناق ما يقوله الخصم عنها.
يتبنى المرء موقفا من المؤسسات الدينية، أو التيارات الدينية فتراه يخلط الحابل بالنابل! ينشغل بالدين أكثر من المتدين نفسه، ويغالي في وصف إنسانيته حدَّ التنزيه التام لها. ماذا عن هذا العالم الذي أساسه الصراع، والمواجهة، والصدام؟ يحدثك كأنه فرد غربي مغسول الدماغ بكوكب الفيتو وبوتين.
ومغالاة البعض في الهزيمة تُشبه ما كان يعيشه الفرنسيون يوما ما، إذ يشتكي المحافظون منهم من هوس الشباب بالأدب العربي، ومن هيمنة العلماء العرب على المشهد العلمي. أمة إسلامية قوية وجدت الصيغة المناسبة لتحفظ بقاءها من الشتات، وانهارت بسبب الطغيان، والاستبداد، والتطرف، والتشدد.
وبدلا من أن يكون النقاش مع العقل المكذب للنبوَّة، أو النفس المسكونة بالهزيمة الحضارية، والشعور بالنقص. يتحول إلى حوار الضغينة، ويخرج عن كونه نقاشا فكريا ليصبح مجرد صدام نفسي، فرد تسكنه هزيمة أمته مقابل آخر يعيش الأمل أن يعود لها مكانها بين الأمم ولو بعد قرون.
والنبي نفسه الذي غيَّر التاريخ نسبَ كل التوفيق إلى الله وفضله وعنايته، أمَّا الفردُ المادي فيضرب الأخماس والأسداس. لم يظهر نبي بعد محمَّد. فاللاأدري على الأقل يضع الاحتمال قائما، أما المُنكر، والمكذب، فيختلط عليه الامر حدَّ الاضطرابِ المنطقي. مؤلها الإنسان، أو ذاته.
وكما قلتُ في البداية: المؤمن ينسبُ هذه القوة إلى الله، فلا فراعنةَ يخشى منهم، ولا متألهين من البشر، ولا الفردُ المنافس للنبوَّة كأنَّه سيسحقها بعقله. القوَّة مفهومها يختلف عن السلطة، وإن كان البعض يستخدم الدين وسيلة للتسلط، هذا لا يعني بالضرورة أنه يستمد سلطته من قوة الله.
وإن كان الحوارُ مع العقل المكهرب تجاه هويته، ودين أمَّته مبني على الحريات الشخصية، ومبني على الحقوق الفردية، فمن الظالم للنقاش أن يتحوَّل إلى ملاسنات ضغائن، وأحقاد. فهذا سجال نفسي وليس فكريا، وهذه وسائل ضغط وليست إقناعا، وتزجية وقت وليست تعلَّما بالجدال. وقبح وكراهية وليس حبَّا.
وإن كانت الأمَّة الإسلامية تحارب، فكل الأمم تحارب. وهذا الكوكب أساسه الصراع، والصدام، والقتال على الموارد. وإن كان الإسلام قبل ألف سنة ويزيد قد وضع أخلاقا للجندية، وللحروب، فهذه الأخلاق الجديدة [وقوانينها الدولة] وقنابلها الفسفورية، ويورانيومها المخصب قد وضعت قبل أقل من مائة سنة.
والعقل المعمي عن رؤية التاريخ القريب سيغالي في حزازاته، ويكاد يحسدُ النبيُّ وهو في قبره على تاريخٍ يعامله بالريبة والتكذيب. الرجم الغاشم بالظن سلاحٌ سهل لمن يمسكُ الشك كأنه ملحٌ يرميه على أي وجبة فيفسد طعمها، ويخرجُ منتصرا لذاتيته مُعليا من شأن ارتيابه الشخصي، كأنه حقيقة مثبتة!
وكما أنَّه وفق التفكير المادي، الإيمان بالإله من احتمال وجوده. فالعقل المكذب يفترض أن وجود الشك في حقيقة ينفي وجودها. والشك مفيد، وتمرين عقلي ينفع الإنسان ما لم يكن دائرة من الارتياب المتواصل تفتك بعقل الإنسان وتحمله ما لاطاقة له به، فيعيش عمره القصير متوهما قيمةً كبيرةً لفرديته.
والعنف حقيقة الكوكب البشري، وكل إنسان ليس له قرار متصل بالعنف يحمد الله على ذلك. ولا تقاس إنسانية الأمم بعدم عنفها، وإلا لكانت الدول العظيمة بلا جيوش، تقاس إنسانية الأمم بإضفاء الأخلاق على أي فعل عنيف، وبالتعامل مع أحداث ما بعد الحروب، وبمعاملة الأسرى، وبإنصاف العدو المهزوم.
والعنف حقيقة الكوكب البشري، وكل إنسان ليس له قرار متصل بالعنف يحمد الله على ذلك. ولا تقاس إنسانية الأمم بعدم عنفها، وإلا لكانت الدول العظيمة بلا جيوش، تقاس إنسانية الأمم بإضفاء الأخلاق على أي فعل عنيف، وبالتعامل مع أحداث ما بعد الحروب، وبمعاملة الأسرى، وبإنصاف العدو المهزوم.
لذلك ينشطرُ عقلُ الفردُ غير النبي. وكأنه سيفعل ما فعله النبي محمد، وكأنه سيغير التاريخ. وله أن يحاول ذلك. ولي ولغيري أن يظنَّ به الشطح، والشطط، والمغالاة. العالم أفكار متدافعة، إن دخل في الحوار صراع النفوس، والضغائن الذاتية، والوصاية. فلا فائدة من النقاش. فهو إما صدام، أو جدل.