بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 9 أبريل 2022

مأساةُ الكاتب في دنياه!

 

 

تمرُّ الأعوامُ، ومعه تكبر أحلامٌ وتموت أخرى. أعمارٌ في هذا العُمر. سجاجيد يُنسج من ثقوبها النسيان، والكاتبُ في ملهاتِه يحاولُ الحياة، يستجدي الموت بقتل الوقت، ويضيعُ عن هدفه مئات المرات لكي يستيقظ على وقعِ الزمن الفائت؛ ليلومَ كل شيء سوى نفسه وسؤالٌ لا يتوقفُ عن الرنين في فؤادِه: لماذا هذه الدنيا لئيمة؟

ماذا عساه أن يفعل؟ هذا الكاتب المسجونُ في حاجاتِه؟ إن عاشَ ثريا أصيب بالخمول، والكسل، وأصبحت الكتابة فعلاً مزخرفا بالحماقة والطيش، فالأثرياء لا يقضون الحياة في عزلةٍ يتخيلون فيها كل ما يمكنهم فعله، الفقراء يفعلون ذلك، وينسجون عوالمَهم الكُبرى في خيالهم الخالق والخلَّاق، ويعيشون عدة مرات بين سطرٍ وسطر.

حياةٌ تلو الأخرى، وخيالٌ وراء آخر. المأساةُ التي لا تملُّ اصطياد ضحاياها، والكُتاب لُقمة سائغة، فهم الحالمون بالمعنى، والمسافرون في دهاليز الكلمات، الغائبون في سرائر النفوس، والظاهرون في جلاء السطوع، شموسُ الكلام، وأشاوس القول، ومنظرو الأفعال، كيف تتجرأ الحياة أن تختار غيرهم لمصائرها التعيسة؟ ما دام الكاتب على قيد الحياة! فالحياة قيدٌ على الكاتب، هذا هو قانون لعبة الحياة. والحياة تعلم ذلك جيدا، وقانونُها يعلم واجباته تجاه الكائن الكاتب. كيف يؤدبه، ويعطله عن كل شيء لكي يخنقه بكل هذا الحطام الذي يجب على كاتبٍ أن يلاحقه!

ومن هذا الذي لا يصاب بالسأم من شقاء الضرورات؟ وملاحقة لقمة العيش؟ ومجابهة عوائق النجاح! تلك الكلمة السخيفة التي من فرط ما تعددت تعريفاتها أصبحت بلا تعريف!

مأساة الكاتب في دنياه، أنَّه يحاولُ الحياة. يعتاشُ على ما يعيشُ في طلابِه، يغرق في الخيبة والحزن لأنَّ حزنَه رائع، وحكمته دقيقة، ووصفه باهر، وفنِّه نبيل. أي تضحية أعظم من العمر سوى الروح، وهذه هي النقطة السوداء في الكون الأبيض، والنقطة البيضاء في الثوب الأسود، النداء الغامض الذي لا يُفهم إلا عندما يفقد، ولا يفقد إلا عندما يُفهم. هذه الحياة مأساة كبيرة، عليك أن تكملَها لكي تتيقن أنها أكثر مأساوية من نهايتها. تراجيديا أزلية، وأبدية وأنت أحد أجذاذ المعنى التي صُنعت منها، وجُبلت على إطاعتها، قبل أن تتهشم أصنامك لتصير إلى التراب، وإلى رماد الذاكرة. من هذا: هذا الكاتب الذي عاش، ثم غاب!

 

ماريو