دعونا نضع بعض النقاط على بعض الحروف:
الذي يخالف القانون، يدين لك بشيء، فأنت تحت مظلة القانون نفسه، وإن لم يُعاقَب هو، فهذا ظُلم لك، لأنك تطبق القانون، وبالتالي فهذه ليست عدالة، فالقانون على الجميع سواسية، هذا المأمول دائما من العدالة.
هذا الكلام حتى يُحاكَم، ويُحكم عليه
بعدها؟
بعدَها، ينتهي الدين الذي يدين به المُخطئ لك، لك كفرد في مجتمع ينطبق عليه قانون واحد، وهُنا أنت المدين له. بالإصلاح، والنصح، والتأهيل، مدين له بتوفير ظروف سجن لائقة، ومدين له بأن تحميه من التوغل في الخطأ، مدين له بكل شيء يضمن حقوقه وقد سحبت منه حريته. انتهى دينه لك وبدأ دينك له.
تعاملك من القانون، وتعايشك معه، أو تصالحك معه، أو تأييدك، أو اعتراضك عليه، كل هذا لا ينفي أنَّ واجب التعايش والتأقلم هو على عاتقك بحكم الحتمية، تريد أن تعيش في عُمان؟ هذا هو واقع الحال، تريد تغيير واقع الحال، هُناك مسار ممكن، رأي، ومجلس شورى، وغيرها من المسارات الصعبة، والشاقَّة.
وعندما نأتي إلى واقعِ الحال، القرار بيد القضاء، وهذا له حصانة تجاه الآراء الشخصية، ويبني قراراته بناء على آلية مختلفة عن آليات الرأي الشخصي، أو ماهية المثالي، والممكن، أو النظرة بعيدة وقصيرة المدى. نعم، عندما أرتكب جريمة، أدين لكَ حتى أفي بديني للقضاء، بعدها تنقلب الآية.
وهو موضوع رأي، أنت تشمتَ أو لا تشمتَ، هذا حقك العاطفي، من هذا الذي عساه أن يصادر حقك في أن تمارس شماتة جميلة أو قبيحة. أما موضوع الحق، فهو عليك، ومن آل أمره إلى السجن، ومرَّ بالعملية القضائية، ليس لك أي شيء عليه، ولا سيما في الحق العام. لقد بدأ بسداد دينه، ويدفعها من حريته وعمره.
وهنا يبدأ واجبك، المناصحة، والتأهيل. والنظر لظروف كل مخطئ، واختيار طريق العمل الصعب، فهذا واجبك، وواجب الجميع، وواجب المؤسسة السجنية، وواجب المجتمع، وفي حالة سجناء القضايا الأخيرة، هو واجب المؤسسة الدينية. الاحتفال بسجنِ خصمك حق لك، لكن لا تنسى، لقد صنعت له تأييدا دون أ، تدري.
ونعم، أعي حجم المشكلة الاجتماعية التي تسببها دعايات التمرد من أجل التمرد، أعيها، ومررت بها،ودفعت خسائرها المريرة من حياتي. لكن هل صمَّ أذني، وصناعة الأشباح، والقيام بالمقاربة الكسولة، والاحتفال بالانتصار على الخصم الضعيف؟ الذي جاء أعزل بلا سلاح هو الذي سيخفف تفاقمها؟ كلا لن يفعل.
وقضيةُ عقلٍ حائر أرعن يجدِّف ليرمي بنفسه للتهلكة، ليست كقضية الفاسد الذي أتلف الملايين من المال العام، أو ذلك المتلاعب بأرزاق صناديق التقاعد، أو ذلك الذي تلاعب بمناقصات حكومية عامَّة. هؤلاء هم العدو الحقيقي للمجتمع.
لم يصنع خطر الإلحاد سوى المقصر في حق دينه، حق النصح والتوعية.
وحتى المؤسسة الدينية، لديها سلوك تعويضي. حالها حال المؤسسات الأخرى، مفهوم [الهيبة] الذي قادَ إلى وضعٍ مزرٍ من شيوع التفشي، والشماتة، والعدائية، والصدام، وأستطيع أن أقول مشروع [فتنة] حطبه جاهز، وقشُّه يتراكم.
ماذا بيدي كفرد سوى أن أعبر عن رأيي؟ هذا ما أفعله، أقول كلامي وأمضي!
وماذا بيدك الآن؟إغلاق نفسك في وجه العالم؟ لأنَّك اتخذت الطريق السهل؟ سلوك صنع العبرة يفقد مع الوقت فاعليته، وحتى هذه العبر لم تعد تصمد في اللسان الجمعي أكثر من أسبوع، وحتى الحكايات، صارت تنطمسُ وتُنسى، وهذا الشتّام قليل الأدب الذي ملأ البلاد سبا وقذفا ذات يوم؟ من يعبأ لشأنه الآن؟
أجملُ شيمةٍ في عُمان هي شيمة العفو والتسامح، ولا أقصد تسامح الضعيف، أقصد الإدراكَ أنَّ الثوابت العُمانية أقوى بكثير من تطاول فرد واحد. وهذا الفردُ لا يعلمُ أين وصلت معركة الصفائح التكتونية العُمانية، ولا يعلم أي آتون ألقى بنفسه فيه. يوجد خط عودة دائما في عمان. ولا يجب خسارة ذلك.
كل هؤلاء الذين اختاروا الحياةَ بعيداً عن مظلة المؤسسة الدينية ليسوا أعداء للدين، لديهم اختلاف مع طريقة المؤسسة الدينية في التعامل مع الفرد. والذين اعتنقوا خطاب المؤسسة الدينية ليسوا بالضرورة يخلون من الذاتية، والقطبية، والسعي لمكانة في الهرم. كلنا نعلم ذلك، وقليل منها يقوله.
وما نهاية هذا السجال؟ نهايته الغل الاجتماعي، وانتشار ثقافة الوشاية والكيد، والآن صارت الأسلحة الشخصية جزءا من المُعادلة، نهاية هذا السجال هو تمزق اجتماعي، وواهم من يظنُّ أنَّه سيدير هذه التمزق بدهاء ويهندسه بذكاء. الحتمية ستأخذ مجراها، والباقي رهن حدثٍ واحدٍ فارقٍ، يقود للغضب.
ولا بأس، يمكننا أن نعود إلى حفلتنا التنكرية، لنعيشَ حياتنا الواقعية كما هي. الذي في الحانات يصخبُ ويسهر في الوديان، الذي في المساجد يصلي ويخطب في الجوامع، والذي في الوسط يكمل حياته، يبحث عن معيشة كريمة. والنخبُ تبحث عن امتياز خاص، "ودائرة التفريق سوف تدور"
لقد أجرمَ في حقِّ عُمان كل من ظنَّ أن الصمت هو الحل لمشاكلنا العُمانية. هذه هي الجريمة الكبيرة التي يحميها الصمت.
وحتى هذه القضايا الترفيَّة، أو شطحات العقل الفردي المنساق وراء الثقافة العالمية، وكل ذلك من إنشاء وتدبيج وذاتية، كلها تدور ضمن سياق واحد: الحوارُ يحدث في غير مكانه.
الذي جاء في هذه الحرب الفكرية أعزل، فتردُّ عليه بكل قوتك وعتادك هذا ليس دليل قوة، هذا دليل تقصيرك في حق كل ما تؤمن به، وإلا ما بالك الآن تحتفل بانتصارك على خصم أعزل! راجع نفسك أولاً، واسألها إن كنت قمت بالواجب الكبير؟ أم تفعل كل ما بوسعك لتتجنب اليوم الذي سيصبح عليك فعله؟