جالس أفكَّر من أمس، موه من العباطة التي تجعل شخص يظن إنَّه الجميع محايد مثله؟ هو غير مصطف، قد يكون ضد الطرفين، قد يكون مع الطرفين في شيء واحد: كل حد له رأي، ومن حقه يعبر عنه!
مثاليات، شاطحة في الشعرية. الواقع الحتمي يقول: عمان بادية ترجع لحالتها الطبيعية. ولعل كل هذا خير!
الحياد حالة تعبيرية، يختلف عن الحالة التأثيرية، التي تُجابه فيها العالم بما تختلف فيه معه. الحياد تلطيف متحاذق لكلمة الموقف المنهزم، وسواء كان سببه التعب، أو اليأس، أو عدم الاقتناع، أو التسليم بالأمر الواقع، هو موقف دفاعي، يحافظ على الرمق الأخير من حريتك في الكلام. لا أكثر!
أمس كان يوم عاطفي مشحون بالعواطف. لكن فاتني شيء، مرَّت ما يقارب من 17 سنة منذ أن كانت الساحة الإلكترونية بهذا التوازن، بين يمين الأذهان، ويسارها، توازنٌ وندِّية تبشر بالخير. ما حدث بالأمس لن يتكرر بالضرورة، لعل الأمل به بقاء. ثمَّة هامش للحوار، ولعله يبدأ بأن يقول كل ما لديه.
هُناك أمل، لعل كل هذا الجهد الفكري سيرتقي يوما ما لحالةٍ نافعة، يوم يجلسُ المختلفون في الرأي في طاولة واحدة، ينحتون لغةً ومفاهيمَ قابلة للتداول، والنقاش، والأخذ، والرد، والاختلاف. هذه كانت الأيام الطبيعية للكلام قبل سنوات. ربما هذه عودتها، ربما! الطبيعي يعود كأنه مدهش وجديد!
ماذا أخذنا من مرحلةٍ طويلةٍ من التوجس؟ خطاباً أساسُه حق الكلام! تخيل أن يكون الكلام مرتهناً بيد متساويين! أليس هذا كله هو الطبيعي؟ وهذا الاختلاف هو أساس الأفكار؟ دهشة العودة للأزلي القديم! وأنَّ العالم منقسمٌ كما خلقه الله، وأنَّ كل هذا هو الحتمي، حدوثا، وحدثا!
كل ما أستخسره، هو ذلك الجهد العظيم من قبل العقول الكبيرة في عمان، كيف آل مآله إلى تويتر! ولكن لعله خير، ما دام حدث في تويتر، لعله في الطريق إلى مكانِه، إلى أي طاولةٍ جانبية، أو هامشية، أياً ما كان، لعل كل هذا طريقٌ إلى واقع فكري مختلف عن سنواتٍ مرَّت عسيرة وصعبة.
وهذا واقعُ الحال. يوم أمس كان جزءاً من ذلك الواقع الكبير. عُمان تعودُ إلى أيامِها العادية، تلك الأيام التي ألفنا فيها القراءة، وتعلمنا فيها الكلام. هذه المرَّة لم يحدث كل هذا في منتدى محدود، حدث في مجتمع كامل وكبير. ولعله خير. الجميع ليس محايدا، ولا خصومة سوى في الأفكار!
وما الذي يُرسمُ في حدود الكلام الجديدة؟ في سقفها القانوني في عُمان؟ السقف السياسي، لم يتغير، والسقف الاجتماعي، بدأ يساهمُ في تفنيد العملِ العام، وتوضيح أخطائه. والسقف القانوني الديني، يتعلق بالذات الإلهية، والدين، والمقدسات، والأديان، السماوية وغير السماوية. هذه السقوف المألوفة.
ماذا لو كان ذعر الأيام السابقة قد استوطن روحي، المثقف يكتب، المطوع يكتب، والحديث التفصيلي يتعاظم، أليست هذه الحالة الطبيعية؟
نعود للسياقية المنضبطة منطقيا، أليس هذا هو الحتمي؟ ما أغرب أن يكون العادي صادما! وما أغرب أن يكون الطبيعي مدهشا. عسى أن تكون سنوات الكلام السمان قادمة!
ربما هُناك أمل، ولكن من سيقدم على الخطوة الأولى؟ من الذي سينحت طاولةً في الصخر؟ ندوة؟ ولكن من المحايد في كل هذا السجال الفكري؟ من الموثوق به من طرفين متخاصمين وجوديا؟ مؤتمر؟ ماذا بالضبط؟ فعالية؟ هذا هو الوقت الأنسب للعمل الفكري، والأكاديمي، والإعلامي [هههه] يا ريت!
وكل هذا حدث في تويتر! هذه هي الخسارة الوحيدة. يوم نادر من أيام الإنترنت منذ سنوات وسنوات. تعرف أن يوما مثمرا من أيام الكلمات قد حدث عندما لا تستطيع ملاحقته في جلسة واحدة. فيوض الكلام، تنهمر، وتنهمر، هذا هو عزاء المحايدين، ذوي الموقف المنهزم، المفرط في دفاعيته، وتسليمه بالواقع!