تنظيم سوق الإعلانات خطوة ممتازة للغاية، شريطة أن يتم ذلك بطريقة تجارية، لا بطريقة رقابية. وأن يكون هدفه الأول منح الحق العام [الضريبة].
المنصات الشخصية تتبع نموذجا تجارياً يختلف عن ذلك الذي تتبعه المنشآت الإعلامية مثلا. فهي فردية، وأي إخلال بهذا النموذج معناه تحطيم هذه المهنة.
وهو حق عام، لا جدال فيه ولا مراء، ما دام الجميع يدفع الضرائب، فالمسوق في مواقع التواصل الاجتماعي ملزمٌ بذلك. ووزارة التجارة يمكنها أن تقوم بمجموعة إجراءات وتسهيلات تجعل من هذه المهنة مصدر دخل لكثيرين، وستتغلب بها على البطالة، وتصنع سوقا جديدا للمبدعين والعاملين في الإنترنت.
وكيف سيزدهر الإبداع؟ عندما يقوم بتمويل نفسه ذاتيا، والإعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي تحتاج إلى ضبط، وركز معي [ضبط] لا تقييد.
وعلى وزارة التجارة مراعاة نموذج تجاري متناسب مع سرعة عالم الإنترنت. وما دام سيدفع ضريبة، فأيضا يستحق تسهيلات تجارية حاله حال أي مشروع.
ولتنظيم مهنة الإعلانات من المهم بمكان تحديد السياق، وعدم الخلط كما تفعل بعض المؤسسات الأخرى. فتح سجل تجاري، واستحداث نشاط اسمه [تسويق في المنصات الشخصية]. لأن هذه المنصات شخصية، وفردية، وما دامت لا تتبع مؤسسات [ومنشآت] فهي شخصية. والتعامل معها تجاري.
وقد ذكرتُ هذا الكلام قبل أكثر من عام في لقاء لي في إذاعة الشبيبة. استحداث نشاط، يفتح باب التسهيلات البنكية، ويفتح بابا للتسويق، ويلتزم بالسياق القانوني العُماني الذي فصل مواقع التواصل الاجتماعي عن المنشآت الإعلامية. ويفتح باب التوظيف، وأشياء كثيرة في المهن المساندة.
التسويق الإلكتروني يشبه المهن المنزلية، وهو لا يحدثُ في المنصات الشخصية فقط، يحدث في الواتساب أيضا. ضبطه [تجاريا] ضرورة حان أوانها، لكن أيضا يجب فهم ماهية عمله، وطريقته، والتأكد أن هذا لا يكون موجها لقصف أرزاق الناس. ويجب التصدي للإعلانات المضللة، فقد أصبحت وباءً.
وأقترح ألا يشمل هذا المنصات فقط أو ما يسمون [المشاهير] أو اسم الدلع [المؤثرون] .. بل يتوسع ذلك إلى صناعة أسواق جديدة مثلا [إنتاج فني رقمي] .. فلو طالبت عازف عود بأن يفتح محل ويستأجر مكان فقط لكي يتمكن من الإعلان في صفحته! هُنا أنت دمرت أحلام المبدعين في عمان من أقصاها لأقصاها.
وأؤيد كل التأييد تنظيم مهنة الإعلانات، فهذا حق وواجب يؤديه الإنسان، وهذا مال عامٌ ويجب أن يصل للمال العام. ومقابل ذلك أيضا، يجب أن تُشمل هذه المهنة في نظام التأمينات الاجتماعية، وكذلك المنافع التأمينية، وغيرها من كل امتيازات التجارة، ومشروع ريادة وغيرها من الأنظمة المعمول بها.
وهذه المهنة لا يستفيد منها [المشهور] أو [المؤثر] كما يدلعونه. هي تفتح باب رزق للمهن المساندة، مثل المتعاونين بالقطعة، أو وظائف جانبية في مجال التصوير، وصناعة المحتوى الرقمي، وغيرها كثير، فوجود مشروع متكامل متعلق بالمحتوى الرقمي خير من فقط وضع [المؤثرين] والمشاهير في الواجهة.
صناعة واقع رقمي مهمة ضرورية في العصر الحديث. والتعامل معها تجاريا خير من مقاربات أخرى، أساسه التقييد والرقابة وبسط هيمنة مؤسسات بطيئة، وتعرقل العمل التجاري. وما هو الأنفع للمجتمع والناس؟ أن تكون البيئة الرقمية للمبدعين، أن تصنع وظائف جديدة، وغير نمطية، وواسعة المدى.
في بريطانيا يجب لكي تحصل على إعلانات من اليوتيوب أن تضع رقمك الضريبي في استمارة طلب وضع الخدمة، وبذلك يذهب الحق العام مباشرة ومقتطعا من دخلك. ماذا عن الإعلانات بالتعاقد المباشر؟ هُنا تفصيلات كثيرة، ومن الجيد أن تُنشأ شركات وسيطة تتولى هذا المجال، ويفتح نمط شركات جديد. تنفع كثيرين
ولا أؤيد مطلقا أن يتم حصر عمل الإعلان الإلكتروني فقط في [المشاهير] أو المؤثرين كما يدلعونهم. بل السماح لوكالات إعلان إلكتروني [رقمي]، وكذلك السماح للجمهور العام بالتسجيل، وصياغة تعاقدات مع [micro influencer] سيحقق عوائد مذهلة، ويفتح باب الإبداع على مصراعيه.
وفي النهاية، المصلحة العامة هي أن يبدأ عصر المهارات، والإنترنت هي مكانه المناسب، وبدلا من انشغال المبدعين بالمهاترات، والقيل، والقال، وكل البداهة التي لاكتها الألسن والأفواه لسنين، آن أوان تحويل الإنترنت لسوق وظائف مُنتج، ينفع الناس، ويُعطي المال العام حقه من الضرائب.
انتهى